قانون الأحادية في هذا الوجود
هائل سعيد الصرمي
. إن جوهر العبادة: هو مشاهدة قدرة الله عزوجل في كل شيء في الكون بكل مخلوقاته ( عبودية معرفة وشهود للخالق بأسمائه وصفاته ونعوته المختلفة) إن تصرفات المؤمن في الحياة ينبغي أن تكون عبادة، على اختلافها وتنوعها لتنسجم مع الاختلاف الواسع في صور العبادات ومظاهرها المتعددة - لكنها جميعاً تصب في خانة التوحيد , وكما هو فعل بالمأمور عبادة الله وعدم القيام بالمحظور يعد عبادة لله فإن التأمل لمخلوقات الله والتعرف على أوصاف الله هو جوهر العبادة . وقد عرفت العبادة بتعريفات متعددة أهمها وأشملها.تعريف ابن تيمية رحمة الله عليه. حيث عرف العبادة بأنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه في الأقوال والأفعال والصفات. وقد عرفها أيضاً بأنها الذل والخضوع والانقياد والطاعة لله رب العالمين . ( فعل ما أمر واجتناب ما نهى ).. وعرف كذلك بأن الدين الحق: هو تحقيق العبودية لله بكل وجه وهو تحقيق محبة الله بكل درجة ، وبقدر تكميل العبودية تكمل محبة العبد لربه و إذا كان في القلب حب لغير الله كانت فيه عبودية لغير الله بقدر هذا الحب , وعرف المودودي العبودية بأنها: أن يذعن المرء العلو أحد وعليته ثم ينزل له عن حريته واستقلاله ويترك إزائه كل مقاومة وعصيان وينقاد إليه انقياداً كاملاً من هذه التعاريف الجامعة الشاملة نجد أنها تنبثق من معنى أوسع وأشمل وتلتقي في توجه واحد إذا جاز التعبير...... فالعبادة هي شهود الله عزوجل في كل شيء شهوداً لأسمائه وصفاته يتناول كل مظاهر الحياة المختلفة - شهود آيات الكون - والإنسان، والحياة بدقائق الحياة المختلفة وأزمنتها الصغيرة والممتدة لتصبح الحياة عابدة ساجدة - خاشعة لله الواحد القهار.
فالأنداد تحجب الرؤية يقول لسيد قطب "إن هناك من لا ينظر ولا يتعقل ، فيحيد عن التوحيد الذي يوحي به تصميم الوجود والنظر في وحدة الناموس الكوني العجيب : { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله } كانوا على عهد المخاطبين بهذا القرآن أحجارا وأشجارا ، أو نجوما وكواكب ، أو ملائكة وشياطين ، وهم في كل عهد من عهود الجاهلية أشياء أو أشخاص أو شارات أو اعتبارات ، وكلها شرك خفي أو ظاهر ، إذا ذكرت إلى جانب اسم الله ، وإذا أشركها المرء في قلبه مع حب الله ، فكيف إذا نزع حب الله من قلبه وأفرد هذه الأنداد بالحب الذي لا يكون إلا لله ؟ .إن المؤمنين لا يحبون شيئا حبهم لله ، لا أنفسهم ولا سواهم ، لا أشخاصا ولا اعتبارات ولا شارات ولا قيما من قيم هذه الأرض التي يجري وراءها الناس: {والذين آمنوا أشد حبا لله} أشد حبا لله ، حبا مطلقا من كل موازنة ، ومن كل قيد ، أشد حبا لله من كل حب يتجهون به إلى سواه . والتعبير هنا بالحب تعبير جميل ، فوق أنه تعبير صادق ، فالصلة بين المؤمن الحق وبين الله هي صلة الحب ، صلة الوشيجة القلبية ، والتجاذب الروحي ، صلة المودة والقربى ، صلة الوجدان المشدود بعاطفة الحب المشرق الودود[1] يقول الشاعر معبراً عن حبه لله وأن هذا الحب نابع من التوحيد الذي وحده.
إني أحبك منذ الحب عانقــني كأنما الحب من قبل السنا ولـدا
فاجعل حياتي يامولاي خالصــة لا يعتور صفوها حضٌ الغوى أبدا
أنىَّ سريتُ سرى ذكراك فاحتشدت بخافقي همة تقتادني ونــدى
توحدت غايتي في الحق و اتصلت بالله روحي وصار الكون متحــدا
قانون الوحدة في هذا الكون { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (163) يقول صاحب الظلال حول الآية "من وحدانية الألوهية التي يؤكدها هذا التأكيد ، شتى أساليب التوكيد، يتوحد المعبود الذي يتجه إليه الخلق بالعبودية والطاعة ؛ وتتوحد الجهة التي يتلقى منها الخلق قواعد الأخلاق والسلوك ؛ ويتوحد المصدر الذي يتلقى منه الخلق أصول الشرائع والقوانين ؛ ويتوحد المنهج الذي يصرف حياة الخلق في كل طريق . وهنا والسياق يستهدف إعداد الأمة المسلمة لدورها العظيم في الأرض ، يعيد ذكر هذه الحقيقة التي تكرر ذكرها مرات ومرات في القرآن المكي ، والتي ظل القرآن يعمق جذورها ويمد في آفاقها حتى تشمل كل جوانب الحس والعقل، وكل جوانب الحياة والوجود . . . يعيد ذكر هذه الحقيقة ليقيم على أساسها سائر التشريعات والتكاليف ، ثم يذكر من صفات الله هنا : {الرحمن الرحيم} فمن رحمته السابغة العميقة الدائمة تنبثق كل لتشريعات والتكاليف. وهذا الكون كله شاهد بالوحدانية وبالرحمة في كل مجاليه :
[1] - الظلال ( 152– 154 ) سورة البقره : الجزء رقم ( 1 )