الكَرِيمُ، ابْنُ الكَرِيمِ، ابْنِ الكَرِيمِ، ابْنِ الكَرِيم

عبد الرحيم بن أسعد

الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، قال الله تعالى "وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ"-يوسف24-، وقال تعالى "وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ"-يوسف67-، وقال تعالى "فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ"-يوسف70-، وقال تعالى "قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ"-يوسف83- ثم عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الكَرِيمُ، ابْنُ الكَرِيمِ، ابْنِ الكَرِيمِ، ابْنِ الكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ» صحيح البخاري، وبعد:- أولا: الهم بالشيء هو نوي فعله والعزم عليه بالمقاربة دون الدخول فيه، فكانت نية امرأة وزير ملك مصر في يوسف عليه السلام أن تصل إلى نفسه وأن يسلم إرادته في نفسه لها، ودليل ذلك قول الله تعالى "وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ"(يوسف:23)، بينما كانت نية يوسف عليه السلام أن يدفع إرادتها في عمل الفحشاء عن نفسه، ودليل ذلك قول الله تعالى "قَالَ مَعَاذَ اللهِ"(يوسف:23)، وتقدير القول "لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ" هو (لولا أن أدرك يوسف عليه السلام برحمة من الله تعالى في بصيرته أنه إذا منع امرأة وزير ملك مصر عن نفسه سيتحول عزمها إلى أن تقد أي تسحب قميصه من قبله أي أمامه من بين يديه، فيظن زوجها أن يوسف عليه السلام هو من أراد الفاحشة بأهله، فلم يمنعها ولكن ولاها ظهره وأسرع إلى الباب)، وتقدير القول "كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ" هو (كذلك ألهمنا يوسف عليه السلام أن لا يقترب من امرأة وزير ملك مصر وأن يوليها ظهره ثم يسرع إلى الباب، لأننا قدرنا أن يفتح الباب عند وصوله، وأن تقد قميصه من وراء ظهره، فبذلك يصرف الله تعالى عن يوسف عليه السلام الظن في أنه أراد بأهل وزير ملك مصر الفاحشة، ويصرف عنه كيد امرأته به لعمل الفحشاء)، ودليل التأويل قول الله تعالى "إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ"، أي امتحن الله تعالى قلب يوسف عليه السلام فأظهر تقواه فيه {’’امْتَحَنَ‘‘(الحجرات:3): «أَخْلَصَ» صحيح البخاري}، ثانيا: فوائد في وصية يعقوب عليه السلام "لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ": (1) إذا أراد أحد حراس بوابة الدخول إلى مصر أو عدو لوزير ملك مصر وكان حينها يوسف عليه السلام أو عدو لأخوة يوسف عليه السلام الكيد بأخوة يوسف عليه السلام، فلا يقدر على أن يكيد بهم جميعاً إذا دخلوا من بوابات متفرقة، (2) لا يصابوا جميعاً بالحسد أو بالعين إذا دخلوا من أبواب متفرقة، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا» صحيح مسلم، (3) يزداد أخوة يوسف عليه السلام علماً بأحوال وزير ملك مصر إذا دخلوا من أبواب متفرقة لما يسمعون من أخباره من أناس كثر، فيعلمون حينها كيف يخاطبونه بما هو أهل له، (4) قد يصل إلى إخوة يوسف عليه السلام خبر عن أخيهم يوسف عليه السلام، (5) ليبين لأبنائه أنه يشفق عليهم جميعاً فلا يفرطوا بأخيهم الصغير كما فرطوا بأخيهم يوسف عليه السلام من قبل، وتقدير القول هو (أوصيكم يا أبنائي أن تدخلوا مصر من أبواب متفرقة، وليس من باب واحد، ولا تمنع وصيتي هذه ما كتبه الله تعالى عليكم، فالحكم لله تعالى أولاً وأخراً، فعلى الله توكلت، واعملوا بوصيتي، ولكن توكلوا على الله تعالى وحده، وعليه فليتوكل المتوكلون أي خذوا بالأسباب ثم اقبلوا بقضاء الله تعالى خيره وشره)، ثالثا: فتقدير قول الله تعالى "إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ" هو إنكم أي أخوة يوسف عليه السلام كنتم سارقين في المرة الأولى التي طلبتم فيها الكيل عن أخيكم ولم يكن حينها معهم لقول الله تعالى "فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ"(يوسف: 60)}، فلم يخبرهم أنهم سارقون في المرة الأولى، وليس في هذا العمل حد للحديث: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالًا وَوَلَدًا، وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي، فَقَالَ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» سنن ابن ماجه، والحديث: عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: «أَنْتَ مِنْ هِبَةِ اللَّهِ لِأَبِيكَ، أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» ثُمَّ قَالَ: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: 49] مصنف ابن أبي شيبة، رابعا: فوائد: (1) ليس في أخذ يوسف عليه السلام أخيه إلى جواره عقوقا لأبيه لأنه بذلك يمنع أذى أخوته عنه، فقد بان أذاهم ليوسف عليه السلام، (2) ليس في إخفاء يوسف عليه السلام هويته عن أخوته عقوقا لوالديه لأنه ليس له تمكن إلا في أرض مصر، فألهمه الله تعالى أن لا يكشف هويته إلا بعد أن يضم أخيه إلى جواره، وبعد أن يمس أخوته البلاء بحيث لا يقدرون على أذية أحد، فيكونون بذلك أقرب إلى التوبة إلى الله تعالى، (3) لم ينتقم يوسف عليه السلام من أخوته وهم عنده في مصر مع أنهم آذوه أذىً شديداً، وذلك براً بوالديه، لأنه ليس لوالديه معيناً لهما إلا أخوته بإذن الله تعالى، ولأن يوسف عليه السلام ليس له سلطة على الأرض التي يسكن فيها والديه، فقد ألهمه الله تعالى هذه الحيل، حتى يجلب أخوة يوسف عليه السلام والديه من البدو إلى مصر، فلم يجد يوسف عليه السلام إلا الحيل المذكورة في سورة يوسف ليجلبهما، والله أعلم، فاللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم أن تغفر لنا وترحمنا وتجمعنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وأن تدخلنا الجنة مع عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أبي بكرالصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وذي قرني الجنة علي والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان والمهديين من بعدهم رضي الله عنهم جميعا، وأسألك أن تنصرنا والمجاهدين في سبيلك على اليهود والنصارى وعلى جميع أعدائك في جميع الملاحم، فسبحان الله رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وسوم: العدد 1085