الْمِيزَانُ لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ

عبد الرحيم بن أسعد

الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، لفد قال الله تعالى "وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ"-الأنبياء47-، وبعد:- فالميزان مخلوق أعظم من السموات والأرض وله كفتان: كفة الحسنات وهي كفة النور وهي كفة اليمين، وتكون عن جهة يمين عرش قضاء الرحمن، وكفة السيئات وهي كفة الظلمة وهي كفة الشمال، وتكون في أفق السموات المكشطة الذي فوق بطن النار وأبوابها والله أعلم، وذلك للحديث: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: "الْمِيزَانُ لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ يُوزَنُ فِيهِ الْحَسَنَاتُ، وَالسَّيِّئَاتُ، فَيُؤْتَى بِالْحَسَنَاتِ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ فَتُوضَعُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ فَتَثْقُلُ عَلَى السَّيِّئَاتِ". قَالَ: "فَيُؤْخَذُ فَيُوضَعُ فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ مَنَازِلِهِ ثُمَّ يُقَالُ لِلْمُؤْمِنِ الْحَقْ بِعَمَلِكَ". قَالَ: "فَيَنْطَلِقُ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَعْرِفُ مَنَازِلَهُ بِعَمَلِهِ". قَالَ: "وَيُؤْتَى بِالسَّيِّئَاتِ فِي أَقْبَحِ صُورَةٍ فَتُوضَعُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ فَتُخَفَّفُ، وَالْبَاطِلُ خَفِيفٌ فَيُطْرَحُ فِي جَهَنَّمَ إِلَى مَنَازِلِهِ مِنْهَا وَيُقَالُ لَهُ: الْحَقْ بِعَمَلِكَ إِلَى النَّارِ". قَالَ: "فَيَأْتِي النَّارَ فَيَعْرِفُ مَنَازِلَهُ بِعَمَلِهِ، وَمَا أَعَدَّ اللهُ فِيهَا مِنْ أَلْوَانِ الْعَذَابِ" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "فَلَهُمْ أَعْرَفُ بِمَنَازِلِهِمٍ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ بِعَمَلِهِمْ مِنَ الْقَوْمِ فيَنْصَرِفُونَ يَوْمَ الْجَمْعِ رَاجِعِينَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ" شعب الإيمان، والحديثين: (عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: "يُوضَعُ الْمِيزَانُ وَلَهُ كِفَّتَانِ، لَوْ وُضِعَ فِي أَحَدِهِمَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ لَوَسِعَهُ، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: مَنْ يَزِنُ هَذَا؟ فَيَقُولُ: مَنْ شِئْتُ مِنْ خَلْقِي: قَالَ فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ"، وعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: "ذُكِرَ الْمِيزَانُ عِنْدَ الْحَسَنِ، فَقَالَ: لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ") شرح أصول إعتقاد أهل السنة والجماعة، والحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ، وَقَالَ: يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لاَ تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَبِيَدِهِ المِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ" صحيح البخاري، وصحف الأعمال يصيرها الله تعالى أجساماً توزن كما هو مبين في الحديث الأول، وقال بَعْضُ أَهلِ العِلمِ: «تُوضَعُ صُحُفُ الحَسَناتِ في كِفَّةِ المِيزَان، وصُحُفُ السَّيئاتِ في الكِفَّةِ الأُخْرَى، فَيُوزَن، وقَد يَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ اللهُ أَجْسَامًا مُقَدَّرَة بِقَدْر الحَسَناتِ والسَّيئاتِ، بِحَيثُ تَتَمَيَّز إِحْدَاهُما عَن الأُخْرَى، فَيُوزَنُ كَمَا تُوزَنُ الأَجْسَامُ، واللهُ أَعْلَم» البعث والنشور للبيهقي، فائدة:- أعلام أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الميزان هي: (1) عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قُلْتُ لِفَاطِمَةَ: لَوِ أَتَيْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتِيهِ خَادِمًا، فَقَدِ أجْهَدَكِ الطَّحْنُ وَالْعَمَلُ؟ - قَالَ حُسَيْنٌ: إِنَّهُ قَدْ جَهَدَكِ الطَّحْنُ وَالْعَمَلُ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو أَحْمَدَ - قَالَتْ: فَانْطَلِقْ مَعِي. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ مَعَهَا. فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا أَدُلُّكُمَا عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ ذَلِكَ؟ إِذَا أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا فَسَبِّحَا اللَّهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَاحْمَدَاهُ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَكَبِّرَاهُ أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ، فَتِلْكَ مِائَةٌ عَلَى اللِّسَانِ، وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ» فَقَالَ عَلِيٌّ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَا تَرَكْتُهَا بَعْدَمَا سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فَقَالَ رَجُلٌ: وَلا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قَالَ: «وَلا لَيْلَةَ صِفِّينَ» مسند أحمد، (2) عَنْ أُمِّ مُوسَى، قَالَتْ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ مَسْعُودٍ فَصَعِدَ عَلَى شَجَرَةٍ أَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ مِنْهَا بِشَيْءٍ، فَنَظَرَ أَصْحَابُهُ إِلَى سَاقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ حِينَ صَعِدَ الشَّجَرَةَ، فَضَحِكُوا مِنْ حُمُوشَةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَضْحَكُونَ؟ لَرِجْلُ عَبْدِ اللَّهِ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أُحُدٍ» مسند أحمد، (3) عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَسْتَخْلِصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَتْكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ قَالَ: لَا، يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَلَكَ عُذْرٌ، أَوْ حَسَنَةٌ؟ فَيُبْهَتُ الرَّجُلُ، فَيَقُولُ: لَا، يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً وَاحِدَةً، لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ، فَتُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ، فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: أَحْضِرُوهُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ"، قَالَ: «فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ» ، قَالَ: «فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ، وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ، وَلَا يَثْقُلُ شَيْءٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» مسند أحمد، (4) عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَخٍ بَخٍ، لَخَمْسٌ مَا أَثْقَلَهُنَّ فِي الْمِيزَانِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالْوَلَدُ الصَّالِحُ يُتَوَفَّى فَيَحْتَسِبُهُ، وَالِدَاهُ" وَقَالَ: "بَخٍ بَخٍ لِخَمْسٍ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ مُسْتَيْقِنًا بِهِنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَبِالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْحِسَابِ" مستد أحمد، (5) عَنْ جُرَيٍّ النَّهْدِيِّ قَالَ: لَقِيتُ شَيْخًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ بِالْكُنَاسَةِ فَحَدَّثَنِي، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّ خَمْسًا فِي يَدِهِ، أَوْ فِي يَدِي، قَالَ: «التَّسْبِيحُ نِصْفُ الْمِيزَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ يَمْلَؤُهُ، وَالتَّكْبِيرُ يَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ، وَالطُّهُورُ نِصْفُ الْإِيمَانِ» مسند أحمد، (6) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَقَالَ: «رَأَيْتُ آنِفًا كَأَنِّي أُعْطِيتُ الْمَقَالِيدَ وَالْمَوَازِينَ، فَأَمَّا الْمَقَالِيدُ فَهَذِهِ الْمَفَاتِيحُ، وَأَمَّا الْمَوَازِينُ فَهِيَ الَّتِي تَزِنُونَ بِهَا»، فَوُضِعْتُ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ أُمَّتِي فِي كِفَّةٍ فَرَجَحْتُ بِهِمْ، ثُمَّ جِيءَ بِأَبِي بَكْرٍ فَرَجَحَ، ثُمَّ جِيءَ بِعُمَرَ فَرَجَحَ، ثُمَّ جِيءَ بِعُثْمَانَ فَرَجَحَ، ثُمَّ رُفِعَتْ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: فَأَيْنَ نَحْنُ؟ قَالَ: «حَيْثُ جَعَلْتُمْ أَنْفُسَكُمْ» مصنف ابن أبي شيبة، (7) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ» مصنف ابن أبي شيبة، أي الخلق الحسن من غير الفرائض والله أعلم، فاللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم أن تغفر لنا وترحمنا وتجمعنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وأن تدخلنا الجنة مع عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أبي بكرالصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وذي قرني الجنة علي والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان والمهديين من بعدهم رضي الله عنهم جميعا، وأسألك أن تنصرنا والمجاهدين في سبيلك على الروم وجميع أعدائك في جميع الملاحم، فسبحان الله رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وسوم: العدد 1085