برازخ
برازخُ : جمع ومفرده برزخ : وهو ما بين كل شيئين، وفي الصحاح: الحاجز بين الشيئين والبَرْزَخُ: ما بين الدنيا والآخرة قبل الحشر من وقت الموت إِلى البعث فمن مات فقد دخل البَرْزَخَ وفي حديث المبعث عن أَبي سعيد: في بَرْزَخِ ما بين الدنيا والآخرة؛ قال: البَرْزَخُ ما بين كل شيئين من حاجز، وقال الفراء في قوله تعالى: ( ومن ورائهم بَرْزَخٌ إِلى يوم يُبْعَثُون )؛ قال البَرْزَخُ من يوم يموت إِلى يوم يبعث .
قال تعالى: ﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون﴾ 93 / الأنعام ,
فحياة البرزخ بنعيمه وعذابه هي حقيقة سيعيشها كل أحد، وهي تدخل في عموم الأدلة المستفيضة ذات الدلالة الواضحة التي لا تقبل تشكيكا أو تحريفا.
ففي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ رسولَ اللهِ عليه الصّلاة والسّلام قال: ( إنّ العبدَ إذا وُضِعَ في قَبرِه، وتولى عنه أصحابَه، وإنه ليسمعُ قَرْعَ نعالِهم، أتاه ملَكانِ، فَيُقعَدانِه فيقولانِ: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ، لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، فأما المؤمنُ فيقولُ: أشهدُ أنه عبدُ اللهِ ورسولُه، فَيُقالُ له: انظرْ إلى مقعدِكَ من النارِ، قد أبدلك اللهُ به مقعدًا من الجنةِ، فيراهما جميعًا ) . قال قَتادَةُ وذكر لنا: أنه يُفْسحُ في قبرِه، ثم رجع إلى حديثِ أنسٍ، قال: ( وأما المنافقُ والكافرُ فَيُقالُ له: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ؟ فيقولُ: لا أدري، كنتُ أقولُ ما يقولُ الناسُ، فَيُقالُ: لا دَريتَ ولا تَليتَ، ويُضْرَبُ بِمَطارِقَ من حديدٍ ضربةً، فيصيحُ صيحةً، يَسمعُها من يليِه غيرَ الثقلين ).
فيرى بعينيهِ اللتينِ بعيشِه = في الأرضِ ما رأتا سِوى الشهواتِ
والآن في ظلماتِ قبرٍ ضيِّقٍ = بهما يرى سكناهُ في الويلاتِ
***
***
إلا الهلاكَ لمَن أساءَ سبهللا(1) |
|
فبدا من القيمِ الرفيعةِ أعزلا |
|
مثل التي عنها الحياءُ تحوَّلا |
|
كفُّ الدناءةِ آثمًا فَتَدَعْكَلا (2) |
|
تقدرْ على مشيٍ يُرادُ لها الفَلا |
|
أفناهُ في الحالِ المُشينِ لعجَّلا |
|
حالٍ يريدُ له الشَّقاءَ الأجزلا |
|
للملحدين أتى الجزاءُ مُجَنْدِلا |
|
بلَهيبِ وادى الويلِ ما قد حُمِّلا |
|
لاعشتَ ياهذا الخبيث بنعمةٍ = |
قد آنَ عن ذا الفسقِ أن تترجَّلا |
وأريجُ ذكرِكَ في المغاني عنبرُ |
|
بالحبِّ والتقديرِ إنَّك خيِّرُ |
|
آليتَ إلا بالسَّجايا تخطرُ |
|
سُرُجِ المودةِ ، والمودةُ تُذكرُ |
|
شوقًا إليه ، وفوزُهُ لايُدبرُ |
|
بالتَّاجِ في يوم القيامةِ تفخرُ |
|
يرجو لديه ثوابه مَن بكَّروا |
|
وبها يؤاخذُ في الورى مَن أنكروا |
|
فالسَّعيُ في حقلِ الهدايةِ مثمرُ |
|
|
|
أبدًا لوجهِ مَن اهتدوا نتخيَّرُ |
***
وهو العظيمُ وغيرُه لاينفعُ |
||
للعالمين له المقامُ الأرفعُ |
||
ديني ولستُ لِما يُقالُ سأخضعُ |
||
ومن الضلالِ فصولُه لا تُقْنِعُ |
||
قد أُنزِلَتْ حقٌّ شرائع تُقنِعُ |
||
والمؤمنون بهم غدا لن يفزعُوا |
||
وبيومه ناجٍ وآخرُ يُفجعُ |
||
شأنٌ عظيمٌ والخلائقُ خُشَّعُ |
||
إخوانُه هم سُجَّدٌ أو ركَّعُ |
||
فله المهانةُ والعذابُ المهيعُ (3) |
***
***
***
والروحُ إن فازت بذي دينٍ نجتْ = ممَّا يلاقي هاهنا الفسَّاقُ
فالقبرُ روضٌ للتقيِّ المجتبى = والقبرُ للعاصي به الإحراقُ
***
الظالمُ المغرور في الدنيا له = أنواعُ ما لصُوَيْحِبِ الخيلاءِ
ليرى هلاكَ مُسَفِّهٍ لشريعةٍ = قدسيةٍ التبيان والأنباءِ
فإذا طوتْهُ بقبره بعد الفنا = ظلماتُها بالصَّفعةِ العسراءِ
عاشَ الأسى بصباحه ومسائه = ورأى عقوبةَ صاحبِ الأهواءِ
أما الفقيدُ المؤمنُ الأتقى يرى = مَلَكَيْنِ شأنُهما من البشراءِ
حيثُ المُضِيُّ لجنَّة فيها اللقا = شوقًا بمَن سبقوهُ للنعماءِ
فيبادرون أخًا لَهُم بحفاوةٍ = فرحين بعد الفوزِ بالآلاءِ
بل يسألون أخاهُمُ عمَّن بقوا = في عالم الدنيا بلهفةِ ناءِ(6)
ويقولُ منهم قائلٌ مهلا دعوه . = . ليستريحَ من العنا والدَّاءِ
فالآن يبدأُ في رحاب خلودِه = من غيرِ فاجعةٍ ولا لأواءِ
***
بشرى إلى مَن للعقيدةِ يُنسَبُ = وليومها في عيشِه يترقَّبُ
متلهفًا فهي الحريُّةُ بالتُّقَى = وبكلِّ ما يُدني المشوقَ ويرغبُ
رؤياكَ للرحمنِ في جنَّاته = ورضاهُ عنك فيالطيبٍ يُطلبُ(7)
والجودُ فيها دائمٌ ، وزيادةٌ = عمَّن أتاها محسنًا لاتُحجبُ
هي رؤية الباري الجليل كما ترى = قمرَ السماءِ فنورُه كم يعذبُ
لا . لن يُضامَ الصالحون برؤيةٍ = للهِ والأتقى ... لذلك يدأبُ
فَلْنَسْعَ بالأعمالِ صالحُها لنا = فيه السعادةُ فالهدايةُ مركبُ
أما الذين استكبروا واستدبروا = دينَ الرحيمِ ومَن لهم يتحبَّبُ
خابوا وقد خسروا فأين عقولُهم = لم يدركوا بالعقلِ ما يتوجَّبُ
فإذا بنورِ الوعي لم يصحوا فقد = حقَّ الجزاءُ فأهلُه مَن كذَّبُوا
شريف قاسم
هوامش :
(1) سبهللا :قَبل الولوج إلى صُلب الموضوع، أنوه إلى أنّ كلمة سَبَهْلَلَة هي كلمةٌ عربيةٌ فصيحة تعني العبث وعدم وجود الهدف، وقد روي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وقيل عن ابن مسعود رضي الله عنه أَنه قال: إِني لأَكرَهُ أَن أَرى أَحَدَكُم سَبَهْلَلًا لا في عَمَل دُنْيا ولا في عَمَل آخرة .
(2) دعكلا : دَعْكَلَةُ: تَدْميثُكَ الأَرْضَ بالأَرْجُلِ . دعك (المعجم لسان العرب). دَعَك الثوبَ باللبس دَعْكاً: أَلانَ خُشْنَتَه ، دَكَّلَ الدابَّةَ: مَرَّغها في التُّراب . ودكَّل مَن يؤذي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أهانه الله وأخزاه ثم أهلكه .
(3) المهيع : العظيم ، الواسع .
(4) المُرَّان : الرماح الصُّلبة اللَّدْنة .
(5)الأعلاق : وهي النفائس من كلِّ شيء .
(6) إشارة إلى الأثر : إن تلاقي أرواح المؤمنين في البرزخ، واستقبالهم لمن يأتي إليهم من بعدهم ، وسؤالهم إياهم عن أهل الدنيا ثابت كما في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا احتضر المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون: اخرجي راضية مرضيا عنك إلى روح الله وريحان ورب غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى أنه ليناوله بعضهم ) . حتى يأتون به أرواحَ المؤمنين ، فلَهُم أشدُّ فرحًا من أهل الغائبِ بغائبِهم، فيقولون: ما فعل فلان، فيقولون: دَعوه حتى يستريحَ، فإنه كان في غمِّ الدنيا.
(7)إشارة إلى الحديث النبوي الذي رواه مسلم رَوى مُسلم في صحيحه : عن صُهيب رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال : ” إذا دَخَل أهْل الْجَنّة الْجَنّة ، قال الله تَبَارَك وتَعَالى : تُرِيدُون شيئا أزِيدُكم ؟ فيقولون : ألَم تُبَيِّض وُجُوهَنا ؟ ألَم تُدْخِلْنا الْجَنّة ، وتُنَجِّنا مِن النَّار ؟ قال : فَيَكْشِف الْحِجَاب فَمَا أُعْطُوا شَيئا أحَبّ إليهم مِن النَّظَر إلى رَبِّهم عَزَّ وَجَلّ . وفي رِوَاية : ثم تَلا : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } (يونس : 26) .
وسوم: العدد 1085