لو كنتَ على نهر جارٍ
لقد جاءت آيات قرآنية كريمة كثيرة تحض على عدم السرف، وتحرِّم وتجرِّم التبذير؛ "۞ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)" / الأعراف.
أما في التبذير: ( إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ) فإنه يعني: إنّ المفرّقين أموالهم في معاصي الله المنفقيها في غير طاعته أولياء الشياطين، وكذلك تقول العرب لكلّ ملازم سنة قوم وتابع أثرهم: هو أخوهم ( وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ) يقول: وكان الشيطان لنعمة ربه التي أنعمها عليه جحودا لا يشكره.
وعند ابن كثير: "وقوله تعالى) : وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين( . قال بعض السلف : جمع الله الطب كله في نصف آية : وكلوا واشربوا ولا تسرفوا .
وقال البخاري ؛ قال ابن عباس : كل ما شئت ، والبس ما شئت ، ما أخطأتك خصلتان : سرف ومخيلة .
وقال ابن جرير عن ابن عباس قال : أحل الله الأكل والشرب ، ما لم يكن سرفا أو مخيلة .
وقال الإمام أحمد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا ، في غير مخيلة ولا سرف ، فإن الله يحب أن يرى نعمته على عبده".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه ، حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه ، فإن كان فاعلا لا محالة ، فثلث طعام ، وثلث شراب ، وثلث لنفسه ".
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده : عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" : إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت" .
وقال ابن جرير الطبريَّ : "وقوله : إنه لا يحب المسرفين يقول الله : إن الله تعالى لا يحب المتعدين حده في حلال أو حرام ، الغالين فيما أحل أو حرم ، بإحلال الحرام وبتحريم الحلال ، ولكنه يحب أن يحلل ما أحل ، ويحرم ما حرم ، وذلك العدل الذي أمر به".
وروى الإمام أحمد (6768) وابن ماجة(419) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ : مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ ؟ قَالَ : أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ) .
وفي فصل الصيف، يكثر السرف في الماء والأكل والمصاريف العامة عند معظم الناس، ونرى كثيرا من بقايا الطعام تُلقى في حاويات القمامة. وتُصرف على حفلات الزفاف عشرات الآلاف من غير جدوى مفيدة. وفي بعض العواصم العربية والإسلامية ثمة مهرجانات صيفية للهو والعبث؛ وقد يُقال عنها زورا وبهتانا إنها تُقام تضامناً مع مأساة غزة!
حدثتني أخت ثقة من قلب معامع غزة الحمراء: إنهم ينهون أطفالهم عن تضييع أية نقطة من الماء الذي يأتيهم عبر سيارات تزويد الماء وهم يصطفون على الطوابير ساعات طويلة؛ منتظرين تعبئة جالون ماء أو أقل!! ولا يخفى على من يتابع أخبار المشردين المهجرين قسراً في غزة أن شبكات المياه كلها قد عطلتها إسرائيل الماجنة من الشهور الأولى للحرب المجنونة في غزة!!
وها هم بعض أعرابنا يغسل الواحد منهم سيارته بمئات الليترات من الماء العذب الصالح للشرب، أو يشطف فناء داره بنحو من ذلكم أو أكثر، وإن قيمة الوليمة الواحدة التي قد يقيمها أحدهم لَتكفي إطعام عشرة أسر غزية ... أو سورية ... أو سودانيَّة .... لمدة شهر؛ واحداً وثلاثين يوماً!!!
فأين نحن من تطبيق آيات عدم السَّرف وحرمة التبذير، وأين نحن كذلكم من التعاطف مع مأساة شحِّ المياه في فلسطين وسوريا وغزة والسودان ...... والحديث يطول إن عددنا كل المعوزين لقطرة ماء تشفي غلَّة، أو كِسرة خبز تسدُّ رمقاً؟!
وسوم: العدد 1091