فذلكمُ الرِّباطُ .. فذلكمُ الرباطُ

من سماحة الإسلام العظيم أنه فتح البواب على مصاريعها لكل من يريد الجهاد في سبيله، فلا شخص معذور عن التخلف عن ساح الرباط مهما كان عذره، وأياً كانت ظروفه.

أذكر أن جدتي – رحمها الله – قبيل وفاتها بشهور وهي في مرض الموت وكانت تتابع الأخبار الدامية فتسألني: ماذا عساي أن أفعل لهم وقد ناهزة المئة؟ فأقول لها: ادعي لهم، فترفع كفيها للسماء متضرعة.

ومن النساء اليوم من يرابطن في الأقصى يذببن عن شرف القدس وبيضة الإسلام ومسرى الحبيب صلى الله عليه وسلم. وهل ننسى المرابطة "سارة النِّبَاليِّ" التي توفيت قبل ثلاث سنين بعد أن رابطت في الأقصى خمسين عاما؛ متحدية جلاوزة حفدة القرود والخنازير؟

ولقد جاءت الصحابية الأنصارية أسماء بنت عميس وهى التي روى عنها أنها جاءت الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه وقالت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، أنا وافدة من النساء إليك، إن الله بعثك إلى الرجال والنساء كافة فآمنا بك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم ومقضى شهواتكم وحاملات أولادكم وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل إذا خرج حاجًا أو معتمرًا أو مجاهدًا حفظنا لكم أموالكم وغزلنا أثوابكم وربينا لكم أولادكم. أفما نشارككم في هذا الأجر والخير، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: "هل سمعتم مقالة امرأة قَط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه؟" فقالوا: يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تهتدى إلى مثل هذا. فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها فقال: "افهمي، أيتها المرأة، وأَعْلِمي مَن خلفك من النساء أنّ حُسْنَ تبعُّلِ المرأة لزوجها وطلَبها مرضاته واتباعَها موافقته يَعْدِل ذلك كلّه"... فانصرفت المرأة؛ وهي تهلّل"

نريد اليوم من بناتنا ونسائنا أن يشكلن ملايين النماذج من هذه المرأة الخالدة رضي الله عنها وأرضاها؛ فلا عذر لأحد في عدم المشاركة في الحرب المباركة في غزة وعلى ثرى فلسطين المباركة؛ أبداً.

ولقد طمأن الحِبُّ محمد من يبقون في الصفوف الخلفية لعذر أو خدمة ما؛ وراء صفوف المرابطين أنهم يشاطرونهم المثوبة: " عَن جابرٍ، قالَ: كنَّا مَعَ النَّبيِّ ﷺ، في غَزَاة فَقالَ: إنَّ بالمدينةِ لَرِجالًا ما سِرتُمْ مَسيرًا، وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إلاَّ كانُوا معكُم، حبَسهُمُ المَرضُ.

وفي روايةٍ: حبَسهُمُ العُذْرُ. وفي روايةٍ: إلاَّ شَرَكُوكُمْ في الأَجرِ رواهُ البخاري من روايةِ أَنَسٍ، ورواهُ مسلمٌ من روايةِ جابرٍ واللفظ لَهُ.

59/1343- وعنْ أَبي مُوسى، t، أَنَّ أعْرَابيًّا أَتى النبيَّ ﷺ فَقَال: يَا رسولَ اللَّه، الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْتمِ، والرَّجُلُ يُقَاتِلُ ليُذْكَرَ، والرَّجُلُ يُقاتِلُ ليُرى مكانُه؟

وفي روايةٍ: يُقاتلُ شَجاعَةً ويُقَاتِلُ حَمِيَّةً.

وفي روايةٍ: ويُقاتلُ غَضَبًا، فَمْنْ في سبيل اللَّهِ؟ فَقَالَ رسولُ اللِّه ﷺ: مَنْ قَاتَلَ لتكُونَ كَلِمَةُ اللَّه هِيَ العُلْيا، فَهُوَ في سبيلِ اللَّهِ متفقٌ عَلَيْهِ.

60/1344- وعنْ عبداللَّهِ بن عمرو بنِ العاص، رضي اللَّه عنْهُما، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّه ﷺ: مَا مِنْ غَازِيةٍ، أوْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو، فَتَغْنمُ وتَسْلَم، إلاَّ كانُوا قَدْ تعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجورِهِم، ومَا مِنْ غازِيةٍ أو ْسرِيَّةٍ تُخْفِقُ وتُصابُ إلاَّ تَمَّ لَهُمْ أُجورُهُمْ رواهُ مسلمٌ.

ولقد سطَر القرآن الكريم طُراً نموذجاً آخر في المشاركة الخلفية للمرابطين والمجاهدين في سورة التوبة عن الذين شاركوا المجاهدين أجرهم بالدموع فقط، فيما سخر من تَجَوِّيهم المعذِّرون المتخلفون: " وَجَآءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِيُؤۡذَنَ لَهُمۡ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ (90) لَّيۡسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرۡضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٖۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (91) وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوۡكَ لِتَحۡمِلَهُمۡ قُلۡتَ لَآ أَجِدُ مَآ أَحۡمِلُكُمۡ عَلَيۡهِ تَوَلَّواْ وَّأَعۡيُنُهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ (92) ۞إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسۡتَـٔۡذِنُونَكَ وَهُمۡ أَغۡنِيَآءُۚ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ (93) يَعۡتَذِرُونَ إِلَيۡكُمۡ إِذَا رَجَعۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡۚ قُل لَّا تَعۡتَذِرُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكُمۡ قَدۡ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنۡ أَخۡبَارِكُمۡۚ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (94) سَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ إِذَا ٱنقَلَبۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡ لِتُعۡرِضُواْ عَنۡهُمۡۖ فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمۡۖ إِنَّهُمۡ رِجۡسٞۖ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ (95) يَحۡلِفُونَ لَكُمۡ لِتَرۡضَوۡاْ عَنۡهُمۡۖ فَإِن تَرۡضَوۡاْ عَنۡهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَرۡضَىٰ عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ (96) ٱلۡأَعۡرَابُ أَشَدُّ كُفۡرٗا وَنِفَاقٗا وَأَجۡدَرُ أَلَّا يَعۡلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ (97) وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغۡرَمٗا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَآئِرَۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ (98) وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَٰتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَٰتِ ٱلرَّسُولِۚ أَلَآ إِنَّهَا قُرۡبَةٞ لَّهُمۡۚ سَيُدۡخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (99) وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰنٖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ (100) وَمِمَّنۡ حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مُنَٰفِقُونَۖ وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعۡلَمُهُمۡۖ نَحۡنُ نَعۡلَمُهُمۡۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيۡنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٖ (101) وَءَاخَرُونَ ٱعۡتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمۡ خَلَطُواْ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَءَاخَرَ سَيِّئًا عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ (102) خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٞ لَّهُمۡۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَأۡخُذُ ٱلصَّدَقَٰتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ (104) وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (105) وَءَاخَرُونَ مُرۡجَوۡنَ لِأَمۡرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمۡ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيۡهِمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ (106)"؟!

وبالعودة إلى خطيبة الصحابيات أسماء بنت عميس فقد أُثر عنها أنها": لقبت "أسماء" بـ"خطيبة النساء"، أما لقبها الثانى "المعتدة" فجاء لأنها أول معتدة فى الإسلام حيث نزلت فيها آية حكم عدة المطلقات، حيث روى عنها أنها قالت "طلقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن للمطلقة عدة فنزل قول الله تعالى فى سورة البقرة "والمطلقات يتربصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء .الدور البارز لأسماء رضى الله عنها لم يقتصر على الخطابة ورواية الحديث، فهي راوية لـ 81 حديثًا، وإنما شاركت أيضًا فى الجهاد حيث شهدت غزوات الخندق وخيبر والحديبية، كما شاركت في معركة اليرموك في الشام، وكانت بشكل أساسي تشارك مع النساء فى سقاية الجرحى وتضميدهم وفى ضرب من يفر من المعركة من الجنود المسلمين وفى معركة اليرموك روى عنها أنها اقتلعت عمود خيمة وضربت به رؤوس الروم حتى أنها قتلت فى هذا اليوم 9 من جنودهم".

إذاً فهذه الصحابية الأسطوة كانت تروم مزيدا من الجهاد والرباط والمشاركة، فأين العمساويات في عصرنا الراهن؟؟

وسوم: العدد 1101