تحديات مابعد الحرية
ما إن تجرع قوم موسى الجرعة الأولى من ترياق الحرية ، حتى أخذوا يجأرون مطالبين بوقاحة عجيبة أنهم يفتقدون أكل البصل والثوم!
وهكذا وما إن منَ الله عليهم بالنجاة من بطش فرعون وجرائمه المروعة ،وأخذوا يتمتعمون بأنعم الله العظيمة من فرق البحرلهم ، وإغراق فرعون وجنوده امام أعينهم ،والأرض وقد تفجرت بالينابيع العذبة ، وإمدادهم بالطيبات من اللحم الطري والحلوى لذيذة ، حتى أخذوا يطالبون بأتفه المطالب .
نريد بصلا وثوما!
*وإذ قلتم ياموسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها*
وقصة النبي موسى من أكثر القصص ذكرا في القرآن لما فيها من موعظة وحكمة وهداية.
والقرآن يعرض لنا أن المجتمع الوليد الناجي للتو من مخاض عسير، لن تنتهي تحدياته مع أول أنسام يستنشقها من عبير الحرية . بل إن هنالك تحديات من نوع آخر سيتعرض لها.
وإن كان التحدي الأول هو المجادلة العقيمة والطلبات التافهة والهراء الفارغ من بعض فئات المجتمع ، فإن التحدي الثاني هو الفتنة ، ومحاولات القيام بثورة مضادة ، التي سيقوم بها المنتفعون من الحكم البائد، والمتضررون من إحقاق الحق ، ممن استطابوا العيش في ظل العبودية ، واعتادوا على عبادة الأصنام.
*قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري*.
والسامري كان يتظاهر بالإيمان ولكنه كان يضمر في نفسه أشد أنواع المكر والخبث ،وقد انتهزفرصة تأخر موسى عن قومه عشرة أيام كي يعود بالألواح ،فانتهز الفرصة وبادر إلى زرع الفتنة في المجتمع الوليد.
وفتنة السامري قامت على صنع عجل مجسد، معتمدا على تاريخ القوم الطويل في عبادة الأصنام ،واستعدادهم إلى الانزلاق من جديد في الفتن .
*فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي*
أما التحدي الثالث وهو الأخطر على الإطلاق فهو الصراع الداخلي بين أفراد المجتمع.
*ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني فلاتشمت بي الأعداء ولاتجعلني مع القوم الظالمين *
وهكذا فقد كاد الأمر أن يتفاقم فيتفرق المجتمع شيعا، ويقتتل أفراده ، ويغرق القوم في بحر من الدماء . ولولا حلم النبي هارون ومافطر عليه من أناة وحكمة ، لوقعت الفتنة ولشمت المتربصون من الأعداء . ولكنه أدرك الخطر وسارع إلى كبحه قبل وقوعه.
وسرعان ما استجاب النبي موسى لتضرع أخيه
*قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين*
والسيد أحمد الشرع وفي تصريح له أمام وفد من السوريين المقيمين في الخارج ، قد أفاد أن اهتمامه وأولوياته تصب في (مصالحة الفصائل المسلحة) . لأنه مدرك تماما للخطر المحدق بهذه الأمة الناشئة ،وأن عليه ألا يوفر جهدا لإطفاء الفتنة الداخلية قبل اشتعالها .
إن إدراك هذه التحديات الثلاث والوعي لدرئها واحتوائها قبل الإنزلاق في ظلماتها، واجب على كل فرد فيها.
*وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون *.
لقد من الله علينا بالكرامة بعد طول الذل، وبالحرية بعد عقود من العبودية ، فلنحافظ عليها ولنرعاها بالوعي والحلم والحكمة وإلا فإن الأمة ستزل في هاوية ليس لها قرار ، ولن يكون هنالك مستثنى من التردي في هاوية الهلاك هذه ، سواء كان من زرع الفتنة أو من خدع بها فالكل سواء في البلاء .
*لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ماكان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون.
وسوم: العدد 1110