الأمانة عند المجاهد
د . أحمد فؤاد شميس
الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد إمام المجاهدين و على آله الطيبين الطاهرين و صحابته الأبطال الغر الميامين و من تبعهم بإحسان و جهاد إلى يوم الدين ..
الأمانة: هي كلُّ حقٍّ وضع بين يدك يلزمك أداؤه أداء كاملا ، و عليك حفظه محافظة تامة عن الضياع ، الذي يسببه تهاونك أو جهلك ، و هي ضد الخيانة .
فإيمانك و نفسك و جوارحك و عقلك و علمك و عملك و قوتك أمانة و ضعها الله وديعة عندك لتحفظها فلا تخونها ، و كذلك أولادك و أهلك و جيرانك و عامة المسلمين أمانة عندك في نصحهم و رعايتهم و أداء حقوقهم تجاهك .
و هي مطلب خطير و أمر عظيم عرضها ربنا على خلقه فخافوا منها و حملتها أنت أيها الإنسان " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولاً ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورًا رحيمًا [الأحزاب:72-73].
إنها الأمانة التي حملتها على ظهرك و طوق كل واحد بها عنقه لكي تبرهن بها على صدق إيمانك بين يدي الله ربك تسأل عنها يوم الحساب .
و الله وصى بها من فوق سبع سموات فقال : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها [النساء: 58 و أمرنا بحفظها ورعايتها والقيام بها وأدائها إلى أصحابها, وأخبر سبحانه وتعالى أن القيام بها والعناية بها شيمة من شيم المؤمنين وخصلة من خصال الأخيار الصالحين فقال في كتابه المبين وهو يُثني على عباده المؤمنين المفلحين: والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون [المؤمنون: 8
لقب رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم قبل البعثة بالأمين و عرف عنه أنه المخلص الأمين على ودائع الناس .
إذا رأيت الرجل يحفظ الأمانة، ورأيته يؤديها إلى أصحابها على أتم الوجوه وأكملها فاعلم أن وراء ذلك قلبًا يخاف الله جل جلاله ويتقيه, وأن هذا العبد يعلمُ عِلمَ اليقين أن الله محاسبُهُ وسائِلُه ومجازيه. و أنه خائف من عذاب يوم عظيم ، و أنه رجل بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى رجل بقوة حفظه للأمانة فلم يضعف أمامها و لم يخن من أمنه فظل صلدا شجاعا فيه كل معاني الرجولة الحقة .
و هي التي أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أن أداءها والقيام بها إيمان، وأن تضييعَها والاستهتار بها وخيانتها نفاق وعصيان. قال صلى الله عليه و سلم : ((لا إيمان لمن لا أمانة له)). فمن حُرم الأمانة فقد حُرم كمَال الإيمان, ومن تلبس بالخيانة فبئسَ ـ والله ـ البطانة؛ فإن فيه خصلة من خصال المنافقين قال : ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان) .
و أعظم ما تكون به خيانة الأمانات ، إذا كانت خيانة لله و للرسول ... " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون [الأنفال: 27]. نزلت في أبي لبابة وأرضاه وقف والنبي يحاصر يهود بني قريظة الذين خانوا العهد ،فأشار إليهم أنهم يُقتلون. فبهذه الإشارة عَظُم ذنبه فقال : و الله ما حركت قدماي حتى علمت أني خنت الله و رسوله ، فحبس نفسه و ربط نفسه بسارية من سواري المسجد يبكي ، حتى أخبره النبي صلى الله عليه و سلم بتوبة الله عليه
و خيانة أمانة الله تكون بتحليل الحرام, وتحريم الحلال والفتوى في الشريعة والأحكام دون حُجة من الله جل جلاله. و الكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد اتباع سنته و القيام بوضع أحاديث لم يقلها صلى الله عليه و سلم كما يفعل الشيعة المجوس الصفويون ، فمن عقيدتهم الكاذبة هي اختلاق كلام لم يصدر و لم يقله الرسول العظيم أخزاهم الله .
أعظم ما تكون الخيانة إذا كان فيها ظلم للقرابات كالأبناء والبنات تضييع حقوقهم، والاستهتار في واجباتهم خيانة للأمانة. تركُ الأبناء والبنات والحبل على الغارب يسهرون ويعبثون دون حسيب ولا رقيب خيانة للأمانة. ترك تربيتهم وتوجيههم وتعليمهم وإرشادهم خيانة للأمانة, والله يوقفك بين يديه ويسألك عن أمانتهم إذا تركتهم نائمين والصلاة ينادى بها منادي الله فقد ضيعت الأمانة، إن لم توقظهم، وليتعلقن بك الصغيرة والكبيرة بين يدي الله، إذا كان الصغير ممن يؤمر بالصلاة فيقول: يا رب سل أبي رآني نائمًا ولم يوقظني للصلاة .
و الامانة بابها و اسع و أنواعها كثيرة فكل نعمة و كل فضل و كل ما استأمن الناس فهو امانة عندك فهي محيطة بك من كل جانب ، أينما التفت تر الآمانات عندك .
الصانع أمين على صنعته فينصح الناس بحسن صنعته ،و العامل بحسن عمله ، والطبيب بنصح مرضاه ، و المحامي بوقوفه مع الحق ، كل واحد منا أمين على عمله لخدمة و منفعة الناس .
أما المجاهد فمن أولويات أخلاقه التي يجب أن يجبل عليها و يتحلى بها هي حفظ الأمانة و مراعاتها فهي من أولويات عمله و هي عنوان جهاده و معلم واضح لحسن سلوكه ، و سأحاول استعراض بعض نواحي الأمانة لدى كل مجاهد :
1 ـ الامانة في إخلاصه و سريرته و نيته فما جاهد إلا لدفع ظلم و نصرة مظلوم و وقوف في وجه عود نصيري حاقد و عدو مجرم غاشم .. و إن كانت نيته غير ذلك من سمعة أو منصب أو اي مطلب دنيوي فهو خائن ..
2 ـ الأمانة في المحافظة على سلاحه و العناية به و حفظه وتأمين جاهزيته و ألا يستعمله إلا في وجه عدو للإسلام أو عدو أمته ، لا لمصالح شخصية و لثارات نفسية .
3 ـ طلقات الرصاص أمانة يستعملها دون تبذير و دون إسراف لا يطلقها في وجه كتائب أخرى أو أخ مجاهد مثلك إنما هي توجه إلى وجه عدو نا الحاقد ، و كذلك عليك أن تستعملها دون تبذير أو إسراف و لا تطلقها بفرح عند انتصار أو مزحا أو تسلية ، فالذي دفع ثمنها زودك بها و هو يعرف أنك أمين عليها لا تستعملها إلا في وجهتها الحقيقية .
4 ـ من الأمانة المحافظة على أسرار المعركة و ما يتعلق بها من خطط و خرائط ، و المحافظة على وصايا القائد أو الأمير ، فاعلم أنك إذا أفشيت سرا فإنك خائن و قصة سيدنا أبي لبابة الأنصاري التي ذكرتها آنفا هي من هذا الجانب .
5 ـ الطعام أمانة فلا تأكل إلا حاجتك و لا تأكل إلا ما يقويك و يسد رمقك إذا كان الطعام قليلا ، فلا ندخر طعاما و لا نخبئه إذا كان أخوك المجاهد بحاجة إليه .
6 ـ الامانة في نصيحة أخيك إذا أخطأ فلا تسكت عن خطأ من تحب فنبهه ليتوجه نحو الصواب .
7 ـ الامانة ان كنت تعلم انك اقدر على غيرك بتفيذ معركة أو خطة فلا تتقاعس و لا تتواني و قل لقائدك أني أكثر ملاءمة و إعدادا لتنفيذ الأمر فسيدنا يوسف على نبينا و عليه الصلاة و السلام قال لفرعون مصر : " اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم " و معنى حفيظ أني قادر بأمانتي على حفظ أرزاق الناس ، عليم بوضعها في مكانها الصحيح
8 ـ الفرار من موقعك خوفا أو جبنا خيانة عظيمة فقد عده الرسول ضلى الله عليه و سلم من الكبائر التي تكب صاحبها في النار و ذلك بقوله : و الفرار يوم الزحف .فمن الأمانة محافظتك على موقعك إلا إذا وجدت من الأقرب للنصر أن أنحرف من مكاني إلى مكان أقرب للنصر و لحسن سير المعركة .
9 ـ من الأمانة نصرة اخيك في كتيبتك أو في كتائب أخرى فالمهم النصر و لو كان باسم الكتائب الأخرى فابتغ الأجر و الثواب من الله .
10 ـ ألا يستغل المجاهد جهاده الذي وفقه الله إليه لجر منافع شخصية له وألا يستخدم نفوذه لنفع قرابته وأصدقائه دون بقية الناس .
11 ـ قائد المجموعة و أميرها هو أولى من يحافظ على الأمانة بكل ما بين يديه من رجال و عتاد و خطط و توجيه و رعاية و سماع لتوجيهات رؤسائه ، و ليعلم ان الرسول صلى الله عليه و سلم عن الإمارة انها أمانة و أنها يوم القيامة خزي و ندامة فلا يفرح بها لأنه سيسأل عنها سيدنا عمر قال : لو أن شاة غرقت على نهر دجلة لكنت المسؤول عنها . إياك ثم إياك أخي القائد من خيانة أصحابك و لو بشئ صغير تافه قد لا تدرك عظمه .
و أخيرا إياك أخي المجاهد و الخيانة و الغدر ففي صحيح مسلم أن رسول الله قال: ((إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يُرفع لكل غادر لواء ويقال: هذه غدرة فلان بن فلان))
و اعلم أن المجاهد الأمين على السرّ ينال الثقة عند الناس. بخلاف الذي يتهاون بالأمانة و يشيع الأسرار فإنه يكون مُبعَداً لا يأمَنُه الناس على أي شئ .
والذي لا يحفظ الأمانة ولا يكتم السرّ يتسبب في إلحاق الضرر بالمجاهدين وإيذائهم في أنفسهم وفي عمله .
و اقرأ أخي المجاهد هذه القصة التي تدل على عظم الأمانة ...في عام 1993م وفي خضم المعارك مع الكروات في البوسنه والهرسك ....حدثت هذه القصه......
عندما نكث الكروات عهودهم مع المسلمين وبدت اطماعهم في اراضيهم اشتد الحصار على المسلمين ووقعوا بين فكي كماشه....... فكان هناك رجل مجاهد اسمه ابو علي المغربي وفقه الله وحفظه ....اتاه صديقه ابو علي الكويتي رحمه الله واعطاه مبلغا من المال كأمانة معه ، و إذ بهم بعد مدة يستنفرون لخوض معركة شديده ومهمة ضد الكروات ، وزعت المجموعات وقسمت ....وتحركت نحو العدو. فعندما حضرت المعركة خاف ابو علي على الأمانة التي معه فذهب الى احد اخوانه الحاضرين وهمس في اذنه : إذا قتلت او حدث لي مكروه ففي جيبي مبلغ من المال هو امانة لأبي علي الكويتي و ليس لي هو أمانة عندي فقال له الاخ : خيرا ان شاء الله ...وانطلقوا نحو المعركه..... بدأت المعركه مع الكروات ...وحمي الوطيس واشتد البأس....وانطلقت القذائف... وتقدم المجاهدون ....واذ بقذيفة أر بي جي تسقط قرب ابو علي وتأتي شظاياها فتضرب صفحة وجهه فتشق وجهه و يسيل دمه....و تقطع اجزاء من لحم وجهه...... فخر مغشيا عليه.....قام صاحبه بسحبه والنزول به الى الخطوط الخلفية ، فكان كل من يراه يقول : لا حول ولا قوة الا بالله ....نسأل الله ان يتقبله شهيدا..... فادخل أخوه الذي أسر له بقصة الأمانة يده في جيب ابي علي المغربي ليأخذها و يحافظ عليها ، فإذ بأبي علي يحرك يده ويمسك يد صاحبه بضعف شديد ....خائفا على الأمانة ،فلما عرفه ترك يده .... فنزلوا به الى مستشفى قريبة ...فكان كل من يراه من الاطباء يقول : لا تتعبوا انفسكم ....هذا الرجل طبيا لن يعيش...... واجمع الاطباء على ان الرجل يعاني سكرات الموت ولا توجد طريقة لإنقاذه..... ، ثم أتى احد الاطباء المجاهدين العرب ...وتولى انقاذه ......والاخوه المجاهدون يقرأون عليه القرآن ..... حتى شفاه الله وعافاه ... ولم يصدق الاطباء ان ذلك الرجل الذي رأوه على تلك ستكتب له الحياة و النجاة ، فهذا من فضل الله ، و قد تكون كرامة من الله عز وجل هيأها ربه له ، لأنه حافظ على الأمانة .
فعليك أخي المجاهد أن تكون من أولئك المخلصين ، الأمناء على ما بين أيديهم يراعون الحقوق التي عليهم فلا يضيعوها و يحافظون عليها و يقيمون بها خير قيام و يؤدونها لأصحابها خيرر أداء ، نسأل الله النصر المؤزر القريب ، بفضلك و و قوتك و كرمك يا أكرم الأكرمين ، يا مولانا يا رب العالمين .