إنه ينادينا 3
د.عثمان قدري مكانسي
في سورة الصف ثلاثة نداءات للذين آمنوا متلازماتٌ
أولها : "يا أيها الذين آمنوا ؛ لِمَ تقولون ما لا تفعلون"
قيل: إن نفراً من الأنصار فيهم عبد الله بن رواحة قالوا في مجلسٍ :لو نعلم أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله لعملنا به حتى نموت. فأنزل الله تعالى هذا فيهم فقال عبد الله بن رواحة لا أبرح حبيسا في سبيل الله حتى أموت، فقتل شهيدا في مؤتة ، ثم قال تعالى"إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص " فالله يحب من عباده الصافّين المواجهين لأعداء الله في حومة الوغى يقاتلون في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثة يضحك الله إليهم : ( والضحك هنا بمعنى الرضا والقبول)
1- الرجل يقوم من الليل
2- والقوم إذا صفّوا للصلاة
3- والقوم إذا صفّوا للقتال " .... رواه ابن ماجه
وقال سعيد بن جبير في قوله تعالى" إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاتل العدو إلا أن يصافَّهم التزاماً بقوله تعالى " كأنهم بنيان مرصوص " يلتصق بعضه ببعض لا يختلفون ولا يتقهقرون فحياتهم وموتهم بيد الله مُقَدّر فممّ يخافون ومن أي شيئ يحترسون؟
وعلى هذا نرى شباب الأمة ينطلقون إلى معركة الحرية والكرامة لا يبالون بما قد يصيبهم يؤمنون بما كتبه الله عليهم ، ورغبتهم أن يقاتلوا في سبيل الله ،فإما أن يفوزوا بالشهادة وإما أن يؤوبوا بالنصر المبين. أما الخوف والجبن فسِمَة يمقتها رب العالمين ولا يريدها لعباده المؤمنين.
ثانيها: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10)" وهذا سؤال تقريري ينبه المولى تعالى به المؤمنين إلى أن الإيمانَ بالله ورسوله والجهادَ في سبيله بالنفس والمال له فوائد عظيمة في الآخرة والدنيا ، أما فوائد الآخرة فمختصرها بما يلي:
1- النجاة يوم القيامة من العذاب الأليم في النار نعوذ بالله أن نكون من وقودها.
2- غفران الذنوب كلها .
3- الفوز بالجنة والخلود في النعيم المقيم .
أما في الدنيا فهناك ما يحبّه المؤمنون ويريدون أن يفوزوا به في الدنيا قبل الآخرة ، بل إن الفوز به في الدنيا مُقَدّمة للفوز بالآخرة:
1- نصرُ الله تعالى والعلوّ على الكفر وأهله والسيادةُ التي يطمح إليها المسلمون في حياتهم الدنيا .
2- فتحُ الممالك والامصار ، والحياةُ الكريمة تحت ظلال السيوف.
3- والبشرى من الله للمجاهد في سبيله بالنصر نوع رائع من أنواع الفوز والتمكين.
ومن لا يُحِبُّ التمكين في الدنيا والفوز بالآخرة؟
ثالثها: " يا أيها الذين آمنوا ؛ كونوا أنصار الله ......" ومن نصرَ اللهَ نصرهُ الله ،إنه بيع وشراء ، نبيع أنفسنا ومالنا لله تعالى – ونحن ابتداءً ملكُه وعباده- فيعطينا ثمناً رائعاً يتشوف إليه كلُّ عاقلٍ لبيب وفطِنٍ أريب ، ويسوق القرآن دليلاً على ذلك مما فعله حواريّو عيسى ، ونحن أحقّ أن نفعله ، فقد روى ابن كثير رحمه الله " أنّ أتباع عيسى عليه السلام قالوا نحن أنصار الله على ما أرسِلتَ به ومؤازروك على ذلك، فبعثهم دعاة إلى الناس في بلاد الشام في الإسرائيليين " وهذا ما فعله الأنصار من الأوس والخزرج في بيعة العقبة أن يمنعوه من الأسود والأحمر إن هو هاجر إليهم ،فلما هاجر إليهم بمن معه من أصحابه وفـّوا له بما عاهدوا الله عليه فسمّاهم الأنصار.
ونحن – معشر المسلمين في سورية وبقاع الأرض كلها – إذ نعاهد الله تعالى أن نكون أنصاره في الدفاع عن دينه وإعلاء كلمته نرجو ثوابه ونسأله نصره الذي وعدنا به وأن يُظهرنا على عدونا وعدوّه فنكون خير خلف لخير سلف " فأيّدْنا الذين آمنوا على عدوّهم فأصبحوا ظاهرين" .