سلامة الصدور
د. نعيم محمد عبد الغني
حين نتأمل في أسباب تخلف أمتنا نجد أن الحقد والحسد والعداوة والبغضاء هما السبب الرئيسي، ولذا فالإسلام يحاول في تعاليمه أن يجعل المؤمن نقيا تقيا، صاحب قلب سليم، ويجعل لذلك ثوابا كبيرا، لأنها منزلة عليا (وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم).
وإن أول شيء فعله النبي عند تأسيس الدولة الإسلامية هو أنه آخى بين المهاجرين والأنصار، وحرص على تأليف القلوب بين الأوس والخزرج، وهذه نعمة امتن الله بها عليهم فقال: (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون).
وكان صلى الله عليه وسلم حريصا على هذه الألفة منبها عليها، فيقول: (أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم) وينهى الناس عن الغيبة والنميمة فإنها موغرة للصدور جالبة للعداوة، وفي الحديث الذي رواه الترمذي وأبو داوود وغيره، "لا يُبْلغني أحد عن أحد شيئًا، إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر".
ويشدد على حرمة النميمة الجالبين للعداوة والموغرين للصدور فيصفهم بأنهم شرار، فيقول –صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الإمام أحمد كذلك بإسناده عن يزيد بن السكن. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله . قال: "الذين إذا رؤوا ذكر الله عز وجل «ثم قال: ألا أخبركم بشراركم؟ المشاءون بالنميمة المفسدون بين الأحبة، الباغون للبرآء العيب».
عن سفيان بن دينار قال: " قلت لأبي بشر: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيراً ويؤجرون كثيراً، قلت: ولم ذاك؟ قال: لسلامة صدورهم ".
تأملت ذلك الأثر فوجدت أن سلامة الصدر بين المسلمين هي الجالبة للمحبة بينهم، ومن ثم الوحدة والقوة، وأن هذه المحبة هي التي حثت عليها الشريعة الإسلامية، فالله تعالى يذكر النبي أن لين القول كان السبب الرئيسي في تأليف الناس حوله ونجاح الدعوة المحمدية، قال تعالى: (ولو كنت فظا غليظ القول لانفضوا من حولك)، وقال: (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم).
وبدأ نجاح الدعوة على هذا الأساس سلامة الصدر ومحبة الناس فيما بينهم، حتى كانوا المدينة الفاضلة، فهم في أحد الأعوام لا يختصمون أمام القضاء لأنهم أخذوا بأسباب المحبة، وسلمت صدورهم من الإحن والحقد والبغضاء، وفي الأثر أن سيدنا عمر تولى القضاء فلم يأته أحد، فسأله أبو بكر أمن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر قال لا، ولكنك يا خليفة رسول الله وليتني على قوم إذا مرض أحدهم عادوه وإذا افتقر أعانوه، وإذا ما ت شيعوه، دينهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ففيم يختصمون.
وهذه المحبة وسلامة الصدر هي التي جلبت للمسلمين النصر، فهم لا يبالون إن كانوا جنودا أم قادة، المهم هم يريدون خدمة الإسلام، فلم يكن بينهم حقد وحسد وغل وشر، فعمر بن الخطاب لم يكن يحسد خالدا حتى عزله عن قيادة الجيش، وإنما خشي أن يفتن به الناس ويردوا أسباب النصر لخالد ولا يقولون إن النصر من عند الله، ومن ثم عزله، ورجع خالد جنديا تحت إمارة أبي عبيدة بن الجراح، وحاول من حاول أن يوقع بين عمر وخالد، فيذهب إلى خالد ليكلمه عن عمر وأن أفعاله قد تحدث فتنة، فينفي ذلك خالدا، ويثني على عمر الذي بكى كثيرا عندما علم بموت خالد، وتلك كانت أخلاقهم العالية التي كانت جالبة لهم النصر.
لقد ذكروا للنبي أن فلانة تصوم وتصلي ولكن تؤذي جيرانها قال هي في النار، لأن الإيذاء مبني على حقد وصاحبه ليس سليم الصدر، ولا سليم القلب، ومن ثم يخشى عليه الخزي يوم القيامة، قال تعالى: (ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).
أما الصورة المقابلة فهي لرجل من أهل الجنة يعمل يسيرا ويؤجر كثيرا، لكنه ينام وليس في صدره شيء لأحد
عن أنس بن مالك قال بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته ماء من وضوئه معلق نعليه في يده الشمال فلما كان من الغد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلع ذلك الرجل على مثل مرتبته الأولى فلما كان من الغد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلع ذلك الرجل على مثل مرتبته الأولى فلما قام رسول الله صلى الله عليه و سلم اتبعه عبد الله بن عمرو بن العاصي فقال إني لا حيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاث ليال فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تحل يميني فعلت فقال نعم قال أنس فكان عبد الله بن عمرو بن العاصي يحدث أنه بات معه ليلة أو ثلاث ليال فلم يره يقوم من الليل بشيء غير أنه إذا انقلب على فراشه ذكر الله وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر فيسبغ الوضوء قال عبد الله غير أني لا أسمعه يقول إلا خيرا فلما مضت الثلاث ليال كدت أحتقر عمله قلت يا عبد الله إنه لم يكن بيني وبين والدي غضب هجرة ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لك ثلاث مرات في ثلاث مجالس يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت تلك الثلاث مرات فأردت آوي إليك فأنظر عملك فلم أرك تعمل كبير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ما هو إلا ما رأيت فانصرفت عنه فلما وليت دعاني فقال ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي غلا لأحد من المسلمين ولا أحسده على خير أعطاه الله إياه قال عبد الله بن عمرو هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق.
وكان هذا الصحابي من أهل الجنة لأنه اشترك معهم في سلامة الصدر، فالله تعالى ينزع ما في الصدور من غل، قال سبحانه: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وقال تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين).
روى الحاكم عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يحبس أهل الجنة بعدما يجوزون الصراط حتى يؤخذ لبعضهم من بعض ظلاماتهم في الدنيا فيدخلون الجنة وليس في قلوب بعض على بعض غل".
حين نتأمل القرآن نجد أن آيات عديدة تحث على أن يتآلف المسلمون وتتصافى صدورهم، فإذا برز من أحدهم ما يغضب الآخر فعليه أن يدفع بالتي هي أحسن: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم). وقال عز من قائل: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).
إذا المحبة بن الناس وسلامة الصدور مقصد من مقاصد الشريعة التي حثت عليها، ولذا فإننا سنحاول أن نعرف الأسباب التي توغر الصدور حتى نتجنبها
سليم الصدر
يطلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن
هو المعادي والشحناء : العداوة والتشاحن تفاعل منه وقال الأوزاعي : أراد بالمشاحن ها هنا صاحب البدعة المفارق لجماعة الأمة )
عن سفيان بن دينار قال : " قلت لأبي بشر : أخبرني عن أعمال من كان قبلنا ؟ قال : كانوا يعملون يسيراً ويؤجرون كثيراً ، قلت : ولم ذاك ؟ قال : لسلامة صدورهم