همّتك على قدر همّك (01)

جمال زواري أحمد ـ الجزائر

[email protected]

إن النفوس تتفاوت في ميزان الله عز وجل ، وكذلك في ميزان الحياة الدنيا ، فهناك نفوس وأرواح تهيم حول العرش وأخرى تحوم حول الحش ، كما قال ابن القيم رحمه الله :(فالنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة ، والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات وتقع عليها ، كما يقع الذباب على الأقذار).

والهمم سبب هذا التفاوت ، فكلما كانت الهمة أعلى وأسمى ، كلما كانت المكانة أرفع وأشرف ، وكلما كانت الهمة أحط وأسفل ، كلما كانت القيمة أوضع وأنزل ، فالهمة هي التي تصنع القيمة صعودا ونزولا ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :(العامة تقول قيمة المرء ما يحسن ، والخاصة تقول قيمة المرء ما يطلب).

والهمم الصانعة للقيمة والمكانة في الدنيا والآخرة تكون على قدر ما يحمله أصحابها من هم ، فطبيعة الهم ونوعه ومجاله ، هي من تحدد مستوى همة المرء ، فمن كان همه صلاحا وإيمانا وتقوى وعملا وعلما وإصلاحا ودعوة إلى الله واهتماما بقضايا أمته ، تكون همته وأهميته على قدر هذا الهم ، فبقدر ما تكن مهتما وذو هم ، تكن هامّا وذو همة ، كما روي أن عبد الله بن عمر وعروة بن الزبير ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان اجتمعوا بفناء الكعبة ، فقال لهم مصعب : تمنوا ، فقالوا له : ابدأ أنت ، قال : ولاية العراق وتزوج سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة ، فنال ذلك ، وتمنى عروة الفقه وأن يؤخذ عنه الحديث ، فنال ذلك ، وتمنى عبد الملك بن مروان الخلافة فنالها ، وتمنى عبد الله بن عمر الجنة.

ومن كان همه :(لقمة لينة ومركبا فارها وحلّة جميلة ونومة مريحة وامرأة وضيئة ومظهرا كاذبا ولقبا أجوفا) كما قال الإمام البنا رحمه الله ، تكون همته وقيمته وأهميته على قدر هذا الهم ، وكما قال أبو نواس وهو يتحدث عن هذا الهم المنحط الصانع للهمة الوضيعة:

إنما الدنيا سماع        ومدام ونـــــــــدام

فإذا فاتك هـــــذا         فعلى الدنيا السلام

وقد صنف حاتم الطائي صاحب هذا الهم في قائمة الصعاليك لمّا قال :

لحى الله صعلوكا مناه وهمّه       من العيش أن يلقى لبوسا ومطعما

وقول الآخر :         

إذا ما الفتى لم يبغ إلا لباسه    ومطعمه فالخير منه بعيد

لذلك فإن أصحاب الهمم العالية كانوا يعتبرون هم المطعم والملبس دون سواهما سبّة وإهانة ودنو مقام ونزول همة ، لا تليق بأصحاب المروءات ، فقد غضب الزبرقان بن بدر من الحطيئة لمّا قال فيه :

دع المكارم لا ترحل لبغيتها        وأقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

واشتكاه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فجعل عمر يهون من الأمر عن الزبرقان ويقول له: إنما هو معاتبة وليس هجاء ، فقال الزبرقان : أتبلغ بي مروءتي وهمتي أن أقعد فقط للطعام والكساء.

كما كانوا يعتبرون صاحب هذا الهم والهمة ليس جديرا بالحياة أصلا إذا عاش على هامشها ، كما قال قطري بن الفجاءة :

وما للمرء خير من حياة       إذا ما عدّ من سقط المتاع

وهو نفس ميزان الرافعي رحمه الله لمّا أكّد أنه :(إذا لم تزد شيئا للدنيا ، فأنت زائد على الدنيا).

فمرتبة سقط المتاع أو الزيادة على الدنيا ، هي مرتبة الإنسان المهدور الخالي الوفاض الفارغ السجل المنعدم الإنجاز ، فكلما كان نصيبك من الهدر في وقتك وأخلاقك وإمكانياتك ومهاراتك وجهدك ومالك كبيرا ، كلما كان استحقاقك لهذه المرتبة السافلة والهم السلبي والهمة المنحطة كبيرا كذلك ،

مقوّمات الهمّة العالية :

هناك عشارية من العوامل والمقوّمات ، من شأنها كلّما توفرت في تفكير الفرد وسلوكه وفعله وممارسته ، صنعت له همّا إيجابيا ، ومن ثم همّة عالية ، هذه المقومات العشرة هي :

1) ــ قوّة الإرادة وصحّة العزيمة :

فالانطلاقة الصحيحة للوصول إلى همة عالية في أمري الدنيا والآخرة ، هي ضرورة توفر إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف ، وإن تطرق إليها سرعان ما يتم تجاوزه وتقويتها من جديد ، بعيدا عن الأحلام الوردية والأمنيات الخيالية التي ليس لها دليل عملي يصدقها ، وهي الإرادة التي أشار إليها الإمام البنا رحمه الله كأحد أهم مقومات القوة النفسية العظيمة الصانعة للتغيير الإيجابي على مستوى الفرد والمجتمع والأمة :(إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف) ، ومع الإرادة القوية لا بد من عزيمة صحيحة ، لتكون الانطلاقة نحو القمة والتميز جادة ، كما قال ابن القيم :(إذا طلع نجم الهمة في ظلام ليل البطالة ، وردفه قمر العزيمة ، أشرقت أرض القلب بنور ربها).

فالإرادة هي ما يدفعك للخطوة الأولى على طريق أهل الهمم والقمم ، أما العزيمة فهي ما يبقيك على هذا الطريق ، حتى الوصول إلى منتهى الغاية ، ومن فقدهما(الإرادة والعزيمة) ، فلا يحلم بأن يكون من السابقين وأهل مرتبة الأولية في أي مجال من مجالات الحياة .

2) ــ وجود الحرقة وتوهّج الشغف :

       ومن المقومات التي تكون وقود ا لصناعة الهمة لدى الفرد كذلك ، ضرورة توفر الحرقة ووجود الحرارة داخل قلبه وكيانه ، فتجعله كالمرجل ، لا تتركه يهنأ ولا يستكين ، بل تدفعه دفعا إلى سلوك طريق أهل الهمم والقمم ، فيكون بها جفولا من منطق أصحاب العقول المستريحة ، الذي عبّر عنه الإمام أحمد رحمه الله ، وهو يخاطب أبا سعيد  الحداد الواسطي لما دخل عليه الحبس  قبل الضرب، فقال له: يا أبا عبد الله عليك عيال، ولك صبيان وأنت معذور، كأنه يسهّل عليه الإجابة.  فقال له الإمام أحمد  : أأنجو بنفسي وأضر بهؤلاء؟؟ (وكان طلبة العلم يتجمعون حول السجن ، ينتظرون رأي الإمام ليكتبوه) : إن كان هذا عقلك يا أبا سعيد فقد  استرحت.

وحرارة الباطن هذه من علامات فتح الله على العبد ، وفقدانها أو خفوت جذوتها من علامات الخذلان ، كما قال ابن عطاء الله السكندري :(إن علامة الفتح للعبد ثوران الحرارة في الباطن).

هذه الحرقة هي التي تشكل قوة الدافعية لدى الفرد نحو الهم والهمة والقمة .

ومع وجود هذه الحرقة والحرارة الداخلية ، الصانعة للتسخين الملهم والدافع نحو الهمة ، لا بد من توهّج الشغف لدى الساعي نحو معالي الأمور ، بحيث كلما ازداد شغف المرء واهتمامه بما هو وقود للهمة العالية ، كلما كان له نصيب وافرمنها ، ويعرف شغف الفرد بذلك من عدمه ، من خلال حديثه والمواضيع التي يطرقها ، ومن خلال القضايا الشاغلة لباله وتفكيره ، ومن خلال الأعمال التي يبذل جهده للقيام بها ، ومن خلال الرفقاء الذين يخالطهم ويسير معهم ، ومن خلال الكتب التي يقرأها ، وغيرها من الدلائل ، فإذا أردت أن تتأكد هل أنت على طريق أهل الهمم العالية ، أم أن ذلك مجرد أمنية لا يقوم عليها دليل ؟

فأنظر هل أنت شغوف بما فيه الكفاية ، بما يوصل إلى علو الهمة ؟ وهل الشغف بهذا المعنى دائم لديك ، أم هو مؤقت ؟

فوجود الحرقة وحرارة الباطن أو التسخين الملهم ، مع توهج الشغف بما هو سلما نحو العلياء ، من المقومات المهمة لإيجاد الهم الإيجابي والهمة العالية.

3) ــ المسارعة إلى الخيرات والفضائل والزيادة المستمرة فيها:

ومن مقومات علو الهمة لدى المؤمن تحديدا ، ومن دلائلها العملية ، المسارعة إلى الخيرات في كل حين ، وعدم تضييع أي فرصة تتاح له في فعلها ، والإقبال على الفضائل ، كما قال الله تعالى وهو يصف أهل الهمم العالية من المؤمنين :( أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ )(المؤمنون61).

لذلك كان تفويت فرص فعل الخيرات عند أهل الهمم من أعظم المصائب في الدنيا ، كما سئل أحدهم : ما أعظم المصائب عندكم ؟ قال : أن تقدر على المعروف ، ولا تصطنعه حتى يفوت.

ومع المسارعة إلى الخيرات والاستمرار والمداومة والمنافسة عليها ، يضاف إليها الزيادة المستمرة والصعود الدائم في ذلك ، كما قال ابن الجوزي رحمه الله وهو يتحدث عن بعض صفات أهل الهمم العالية هؤلاء :( إن من الصفوة أقواما منذ استيقظوا ما ناموا، ومنذ قاموا ما وقفوا، فهم في صعود وترق كلما قطعوا شوطا نظروا فرأوا قصور ما كانوا فيه فاستغفروا).

وكما وصف إبراهيم الحربي الإمام أحمد رحمهما الله :(قد صحبته عشرين سنة ، صيفا وشتاء ، حرّا وبردا ، ليلا ونهارا ، فما لقيته يوما إلا وهو زائد عليه بالأمس).

ففيما يتعلق بعلو الهمة في أمر الآخرة والطريق إلى الله تحديدا ، لا بد من المسارعة والمداومة ، فكل الطرق التي يسلكها العبد في الدنيا ، المطلوب فيها التأني والتريّث وعدم العجلة والمسارعة ، وتجد الإشارات الغالبة فيها المادية والمعنوية : قف ، تمهّل ، تأنى ، إلا الطريق إلى الله عز وجل ، فالأفضل فيه المسارعة  والمسابقة ، فإن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فأفعل ، والإشارة فيه كما حددها المولى سبحانه وتعالى في كتابه:( وَسَارِعُوا)(آل عمران133) ، (فَاسْتَبِقُواْ)( البقرة148).

كما إن الإسراف في كل شيء مذموم ، إلا في فعل الخيرات فهو ممدوح ومطلوب ، كما قال الحسن بن سهل :(لا خير في الإسراف ، ولا إسراف في الخير).

4) ــ النجاح في أمر الآخرة والدخول على الله من كل الأبواب:

ومن مقومات علو الهمة ودلائلها العملية لدى المؤمن كذلك النجاح في أمر الآخرة ، وتحقيق أسباب النجاة والسلامة والعافية يوم القيامة ، لأنه ما فائدة همّة ونجاح دنوي مهما كان كبيرا ومدويا ، إذا كانت عاقبته النار ، لذلك كان ميزان السلف رضي الله عنهم ومقياسهم للنجاح والفشل هو أمر الآخرة ، لأنه هو الدائم وما دونه مهما كان يكون مؤقتا ، فقد سأل حاتم الأصم حامد اللفاف رحمهما الله : كيف أنت في نفسك يا حامد ؟ قال : بسلامة وعافية.

فقال له حاتم : يا حامد إنما السلامة بعد الصراط ، وإنما العافية في الجنة.

كما أنهم كانوا يعتبرون الراحة الحقيقية هي الراحة الأبدية في الجنة ، أمّا ما دون ذلك فهي كلها راحات مؤقتة ، قد تكون نهايتها شقاء دائم ، كما سئل الإمام أحمد رحمه الله : متى يجد العبد طعم الراحة ؟ قال : عند أول قدم يضعها في الجنة.

فالنجاح في أمر الآخرة هو الفوز الحقيقي ، ومن قصرت همته عن ذلك ، فقد خاب وخسر ، مهما كان نجاحه الدنيوي ، كما قال الله تعالى:( َمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ )(آل عمران185).

 ومن دلائل النجاح في أمر الآخرة تغليب كفة الحسنات دائما ، والسعي الحثيث لتثقيلها وترجيحها على كفة السيئات ، لأنه لا همة في أمر الآخرة لمن غلبت وحداته عشراته ، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .

ومن دلائلها كذلك تقديم عربونها وثمنها عمليا ، كما روى رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: (سَلْ) فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: (أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟) قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: (فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ)( رواه مسلم).

ومن دلائل النجاح في أمر الآخرة كأحد مقومات علو الهمة لدى المؤمن ، الدخول على الله من كل الأبواب ، وعدم احتقار أي عمل صالح ومعروف مهما كان صغيرا أو بسيطا ، لأن القطرات المستمرة الكثيرة تصنع جدولا ، والجداول تصنع نهرا متدفقا من الخير ، وقد كان الدخول على الله من كل أبواب الخير هو منهج سيدنا أبي بكر رضي الله عنه وهو سيد أهل الهمم ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه  قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا ؟ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا ، قَالَ : فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا ، قَالَ : فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا ، قَالَ : فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ )(رواه مسلم).

فالنفس التوّاقة عالية الهمة ، هي التي يكون منتهى همتها النجاح في أمر الآخرة ، ومن ثم جنة الخلد ، كما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله عن نفسه وهمته :( إن لي نفساً تواقة ، ما تمنت شيء إلا نالته ، تمنت الإمارة فنالتها ، وتمنت الخلافة فنالتها ، وأنا الآن أتوق للجنة وأرجو الله أن أنالها).

5) ــ معرفة قيمة الوقت ومغالبة الأعذار :

لا يمكن لمن لا يعرف قيمة الوقت أن يطمع في سلوك أهل الهمم ، كما لا يمكن لمن يشكو الملل والسآمة ووفرة الوقت ، إلى الحد الذي يجعله يقتل وقته في اللعب واللهو والعبث ، أن يمني نفسه بهمة عالية ، كما قال الإمام البنا رحمه الله :(والمجاهد الذي ينام ملء جفنيه ويأكل ملء ماضغيه ويضحك ملء شدقيه ، ويمضي وقته لاهيا لاعبا عابثا ، هيهات أن يكون من الفائزين ، أو يكتب في عداد المجاهدين).

فالباحث عن علو الهمة والساعي لها بجد ، يكون تعامله مع الوقت وموقفه منه كما يلي :

ــ إدراك أن الوقت هو الحياة ، وأن الواجبات أكثر من الأوقات.

ــ إدراك أنه مسؤول عن هذا الوقت يوم القيامة ، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعـن ماله من أين أكتسبه وفيـم أنفقه وما عمـل فيما علم )(رواه الترمذي).

ــ أن يملك الغيرة على وقته من أن يذهب أو يضيع سدى.

ــ الندم على تضييع أي جزء من وقته في غير فائدة في دينه ودنياه ، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:(ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه ، نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي).

ــ أن يحرص على أن يكون منحناه البياني في صعود دائم إلى الأعلى ، فمن تساوى يوماه فهو مغبون.

ــ أن يجفل من الفراغ والفارغين ، بحيث لا يكون من أهل الغبن في فراغهم وصحتهم ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) (رواه البخاري).

ــ أن يدرك عاقبة عقوق الوقت ، كما قال أحد السلف :( من أمضى يوما من عمره في غير حق قضاه أو فرض أدّاه أو مجد أثلّه أو حمد حصّله أو خير أسّسه أو علم اقتبسه ، فقد عق يومه وظلم نفسه).

فإذا أردت أن تكون عالي الهمة بحق ، فأعرف قيمة الوقت وأستثمره الاستثمار الأمثل في ما يساعدك على الوصول إلى تحقيق غايتك ، فيومك هو نفس يوم كل الذين وصلوا إلى القمة من أهل الهمم على مدار التاريخ ، فيومهم 24 ساعة كما هو يومك ، إذا ليس من المستحيل أن تصل إلى ما وصلوا إليه .

كذلك من المقومات الصانعة لعلو الهمة والمرتبطة بعامل معرفة قيمة الوقت مغالبة الأعذار ، فلا همة لمن تصرعه الأعذار من أول وهلة ، وتكبّله وتمنع انطلاقته ، حتى إن لم توجد اصطنعها ، بل الساعي بثقة نحو علو الهمة ، يغالب أعذاره مهما كانت ويتجاوزها ، ولا يسلّم لها زمام همته ، أما المستجيب لكل عذر يعترض طريقه ، ويلتفت إلى كل ما يلهيه ، يبقى  في مؤخرة القافلة ــ هذا إن كان منها أصلا ــ 

وقد أقعدت الأعذار التي تكون في الكثير من الأحيان واهية ومصطنعة ، الكثيرين من الذين يملكون الكثير من مقومات أهل القمم والهمم ، لأنهم لم يستطيعوا ولم يحاولوا ولم يسعوا إلى مغالبة هذه الأعذار وتجاوزها.

 يتبـــــــع...........