(فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)

عمر بن عبد المجيد البيانوني

قال الله سبحانه: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، فقد خلق الله الإنسان (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) من حيث: الخَلْق والصورة، ومن حيث الفطرة السوية والعقل والإيمان بالله تعالى، فذلك أعظمُ أمرٍ فضَّل اللهُ به الإنسانَ على غيره من المخلوقات، ثم قال عزَّ وجلَّ: (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) وهو مَنْ انتكس عن الفطرة والإيمان بالله، فمَنْ ضلَّ عن الإيمان بالله بلغ انحطاطُه أسفلَ سافلين من عبادته لغير الله تعالى، وتخبُّطه في الظلمات، وابتعاده عن طريق الحقِّ، وتعطيله لعقله الذي أكرمه الله به، وفسَّر جماعةٌ من السلف (أَسْفَلَ سَافِلِينَ) أي: في النار يوم القيامة، لضلالهم وكفرهم بالله تعالى، ولهذا قال تعالى: (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) فهؤلاء لم يُرَدُّوا إلى أسفل سافلين لإيمانهم بالله وعملهم الصالح. (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) لا يشوبه كدر ولا انقطاع. 

فالإيمان والعمل الصالح هو خير ما يرتقي بالإنسان ويفضله على غيره وقد تكرر في القرآن ذِكْر: (آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) في مواضع كثيرة، مما يؤكد ارتباط العمل الصالح بالإيمان، فالإيمان لا بدَّ أنْ يثمر عملاً صالحاً ويقود صاحبه إلى الخير، وإلا فهو دعوى لا بيِّنة عليها ولا برهان.

فمن ثمرات الإيمان: الأخلاق الحسنة والسلوك السليم والعمل الصالح، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) متفق عليه. وقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً، أوْ لِيَصْمُتْ) متفق عليه.

فالإيمان هو المنبع الأساسي لكلِّ فضيلة، وهو المقوِّم لسلوك الإنسان، فكلما ازدادَ الإيمانُ وقوي وارتفع، ظَهَرَ ذلك في سلوك الإنسان وجوارحه.

جعلك الله من المؤمنين الذين يقودهم إيمانهم إلى العمل الصالح، وحفظك الله وعافاك مِنْ أن تُرَدَّ إلى أسفل سافلين، فاللهم يا مقلِّب القلوب والأبصار ثبِّت قلوبَنا على دينك وطاعتك، ولا تضلنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

وصلَّى اللهُ على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.