المسلم ومحاسبة النفس

عبد الرحمن المقدسي

عبد الرحمن المقدسي

الحمد لله الذي أمرَ بمحاسبةِ النفوس، وجعلَ عملها للصالحاتِ خيراً من الجلوس، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، الذي رفعَ بالمحاسبةِ الرؤوس، وأشهدُ أنّ سيدنا محمداً عبده ورسولُه، صلى الله عليه وسلمَ وعلى آله وصحبه ومن سارَ على نهجهِ إلى يوم الدين، ثم أما بعد:

أخي المسلم: هل خلوت بنفسك يوماً فحاسبتها عما بدر منها من الأقوال والأفعال؟ 

وهل حاولت يوماً أن تعد سيئاتك كما تعد حسناتك؟ بل هل تأملت يوماً طاعاتك وحملك لدعوة الله؟! فإن وجدت أن كثيراً منها مشوباً بالرياء والسمعة وحظوظ النفس او التقصير فكيف تصبر على هذه الحال، وطريقك محفوف بالمكاره والأخطار؟! وكيف القدوم على الله وأنت محمل بالأثقال والأوزار, وقد أخذت على عاتقك أن تنهض بأمتك لترتقي بها عنان السماء فتسود بحكم القرآن العالم أجمع.

 والله سبحانه وتعالى بيّن لنا كيف يكون أتباع الأنبياء، يكونون ربّانيّين علماء حملة دعوة، أي عالمين بالحلال والحرام، آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، يعلمون ما يجري حولهم ويُحذّرون أمتهم من أي خطر يُحدِقُ بهم، " وسيرة نبيّنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيّنت كيف كان الصحابة الكرام كذلك، وعلى أكتافهم قامت الدولة الإسلامية الأولى، وكي نكون أهلاًً لتنزّل النصر وأهلا ً لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية، علينا إعداد أنفسنا كما تمّ إعداد الصحابة رضوان الله عليهم، الذين كانوا أهلا ً لإقامة الدولة الإسلامية الأولى، فكان لزاماً علينا أن نحاسب أنفسنا حسابا في كل صغيرة وكبيرة, وكيف لا؟! فنفسية الانسان ان لم يضبطها الانسان بالقاعدة الفكرية ألا وهي العقيدة وأدركت هذه النفسية صلتها بالله أنها مخلوقة لخالق وتركت لشهواتها ونزواتها تمرددت ودب فيها العصيان وحب الدنيا فهلكت وأهلكت, ولذلك كان لابد من تذكير ومحاسبة ومراجعة للنفس بين الحين والأخر ليعيد الداعية حساباته في علاقاته الثلاث, مع ربه أولا ونفسه والأخرين.

قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أتقو الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون، ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم) [الحشر:18،19].

هذه الآية العظيمة تعدُّ أصلاً في باب محاسبة النفس ومعاتبتها كما جاء في كتب التفاسير، بل تدل هذه الآية على وجوب محاسبة النفس ولومها على تقصيرها وتفريطها في جنب الله، وتذكيرها بيوم لقاء الله والوقوف بين يديه سبحانه, فيوم غد قريب، ويوم القيامة آت لا محالة، والعبد واقف بين يدي الله ولا بد، والله جل وعلا محاسبه وسائله عما قدم في هذه الحياة، فكان من الخير للإنسان أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب، وأن يزنها قبل أن يوزن, وأن يهيئها للعرض على الله جل وعلا.

فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم يحث على محاسبة النفس فيقول: (الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أَتبع نفسه هواها، وتمنى على الله ) رواه البيهقي والترمذي وابن ماجه.

وكذا السلف الصالح رضوان الله عليهم أسهبوا في هذا الموضوع وأثرَوه:

حيث قال ميمون بن مهران رضي الله عنه: "لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه"، ولهذا قيل: النفس كالشريك الخوّان، إن لم تحاسبه ذهب بمالك. اغاثة اللهفان لابن القيم

وروي عَنِ الْحَسَنِ رضي الله عنه أنه قَالَ: " إِنَّ الْمُؤْمِنَ قَوَّامٌ عَلَى نَفْسِهِ، يُحَاسِبُ نَفْسَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّمَا خَفَّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَوْمٍ حَاسَبُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا شَقَّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَوْمٍ أَخَذُوا هَذَا الأمْرَ مِنْ غَيْرِ مُحَاسَبَةٍ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَفْجَأُ الشَّيْءَ يُعْجِبُهُ، فَيَقُولُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَشْتَهِيكَ، وَإِنَّكَ لَمِنْ حَاجَتِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا مِنْ صِلَةٍ إِلَيْكَ، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَيَفْرُطُ مِنْهُ الشَّيْءُ فَيَرْجِعُ إِلَى نَفْسِهِ، فَيَقُولُ: مَا أَرَدْتُ إِلَى هَذَا، مَا لِي وَلِهَذَا، وَاللَّهِ لا أَعُودُ إِلَى هَذَا أَبَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ". الزهد والرقائق لابن المبارك

عَنْ أَبِي الأَغَرِّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: "مَكْتُوبٌ فِي حِكْمَةِ آلِ دَاوُدَ: حَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لا يَغْفَلَ عَنْ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ: سَاعَةٍ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهِ، وَسَاعَةٍ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٍ يَخْلُو فِيهَا مَعَ إِخْوَانِهِ الَّذِينَ يُخْبِرُونَهُ بِعُيُوبِهِ وَيَصْدُقُونَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَسَاعَةٍ يَخْلُو فِيهَا بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ لَذَّاتِهَا، فِيمَا يَحِلُّ وَيُحْمَدُ، فَإِنَّ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ عَوْنًا عَلَى تِلْكَ السَّاعَاتِ. ابن ابي الدنيا

وذكر أيضا عن الحسن قال: "لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه: ماذا أردت تعملين؟ وماذا أردت تأكلين؟ وماذا أردت تشربين؟ والفاجر يمضي قدما قدما لا يحاسب نفسه". وقال: "إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته". اغاثة اللهفان لابن القيم

ومن مواقف السلف الصالح في محاسبة النفس: ما روي عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، ذُكِرَ أَنَّهُ مِنْ وَلَدِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، قَالَ : " كَانَ تَوْبَةُ بْنُ الصِّمَّةِ بِالرَّقَةِ ، وَكَانَ مُحَاسِبًا لِنَفْسِهِ ، فَحَسَبَ ، فَإِذَا هُوَ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً ، فَحَسَبَ أَيَّامَهَا ، فَإِذَا هِيَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ أَلفَ يَوْمٍ وَخَمْسُ مِائَةِ يَوْمٍ ، فَصَرَخَ وَقَالَ : يَا وَيْلَتِي ! أَلْقَى الْمَلِيكَ بِأَحَدٍ وَعَشْرِينَ أَلْفَ ذَنْبٍ ، كَيْفَ وَفِي كُلِّ يَوْمٍ عَشْرَةُ آلَافِ ذَنْبٍ " ، ثُمَّ خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ ، فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ. مختصر منهاج القاصدين- الزهد والرقائق للبغدادي

وعن عَبْد الجبار بْن النضر السلميً ، قال : مر حسان بْن أبي سنان بغرفة (بيت) فقال : مذ كم بُنِيَت هذه؟ قال: ثم رجع إلى نفسه فقال: وما عليك مذ كم بنيت ، تسألين عما لا يعنيك ، فعاقبها بصوم سنة. تهذيب الكمال

وعَنْ نُسَيْرِ بْنِ ذُعْلُوقٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ أَبُو أُمَيَّةَ الْغِفَارِيُّ، قَالَ: " كُنَّا فِي غَزَاةٍ لَنَا، فَحَضَرَ عَدُوُّهُمْ، فَصِيحَ فِي النَّاسِ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الرِّيحِ، إِذَا رَجُلٌ أَمَامِي وَهُوَ يُخَاطِبُ نَفْسَهُ، فَيَقُولُ: أَيْ نَفْسِي ، أَلَمْ أَشْهَدْ مَشْهَدَ كَذَا وَكَذَا ؟ فَقُلْتِ لِي: أَهْلُكَ وَعِيَالُكَ، وَأَطَعْتُكِ فَرَجَعْتُ. أَلَمْ أَشْهَدْ مَشْهَدَ كَذَا وَكَذَا؟  فَقُلْتِ لِي: أَهْلُكَ وَعِيَالُكَ، فَأَطَعْتُكِ فَرَجَعْتُ. وَاللَّهِ، لأَعْرِضَنَّكِ الْيَوْمَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَخَذَكِ أَوْ تَرَكَكِ، فَقُلْتُ: لأَرْمُقَنَّهُ الْيَوْمَ، فَرَمَقْتُهُ، فَحَمَلَ النَّاسُ عَلَى عَدُوِّهِمْ، فَكَانَ فِي أَوَائِلِهِمْ ، ثُمَّ إِنَّ الْعَدُوَّ حَمَلَ عَلَى النَّاسِ، فَانْكَشَفُوا (انسحبوا)، وَكَانِ فِي حُمَاتِهِمْ، ثُمَّ حَمَلُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ، فَكَانَ فِي أَوَائِلِهِمْ، ثُمَّ حَمَلَ الْعَدُوُّ، وَانْكَشَفَ النَّاسُ، فَكَانَ فِي حُمَاتِهِمْ، قَالَ: فَوَاللَّهِ، مَا زَالَ ذَلِكَ دَأْبَهُ حَتَّى رَأَيْتُهُ صَرِيعًا، فَعَدَدْتُ بِهِ وِبَدَابَّتِهِ سِتِّينَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ طَعْنَةً".  ابن ابي الدنيا

ولَرُب سائل يسأل: كيفَ يحاسب المسلم نفسه؟ وما هي الخطوات العملية في ذلك؟

ذكرَ ابنُ القيم رحمه الله أن محاسبةَ النفس تكون كالتالي :

1. البدءُ بالفرائض ، فإذا رأى فيها نقصٌ تداركهُ: وهذا أمر بديهي للمسلم حامل الدعوة الفطن الذي يقتدي بالرسل وأتباعهم في حمل دعوته, فتراه على فروضه قائما, كالصلاة في وقتها, ونفقة عياله وتعليمهم, وحثه لأهل بيته وزوجته على حمل الدعوة جنبا الى جنب معه, بل يحاسب نفسه اشد الحساب ان تراخت تلك النفس الأمارة بالسوء عن حمل الدعوة, وطلبت الدعة والراحة, فتراه يتصل بالناس يفقههم ويعلمهم, ويشاركهم أفراحهم وأتراحهم فهو جزء من الأمة, مدركاً أنه يجب عليه محاسبة نفسه قبل وأثناء وبعد العمل, فقبل الاقدام على العمل يسأل عن الحكم الشرعي في ذلك, فالأصل في الأفعال التقييد بالحكم الشرعي, وأثناء العمل يخلص نيته لله دون مراء ولا رياء, مقتدي بالعمل وفق طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبعد انتهاء او القيام بالعمل يراجع نفسه ويحاسبها على تقصيرها من هذا العمل.

فلا راحة بعد اليوم أيها المسلم, فان كنا ننام ونلتقي بالأهل والإخوان, فعدونا لا ينام ولا يغفل عن الكيد بنا وبالإسلام, وأي مسلم حامل للدعوة هذا من كان اسمه في الحصاد ومنجله مكسور!! بل لعمري من هانت عليه دعوته التي هي تاج فروضه وعماد دينه هان عليه سائر الدين والعياذ بالله!!

روي عن ابي بكر الصديق رضي الله عنه انه قال: إن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة .فتاوى ابن تيمية

2. النظرُ في المناهي (أي المحرمات): فإذا عرَف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبةِ والاستغفارِ والحسناتِ الماحية. عَنْ أَبِيْ عَبْدِ اللهِ النُّعْمَانِ بْنِ بِشِيْر رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: (إِنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُوْرٌ مُشْتَبِهَات لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاس،ِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرأَ لِدِيْنِهِ وعِرْضِه، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيْهِ. أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَىً . أَلا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهيَ القَلْبُ) رواه البخاري ومسلم

وكوننا مسلمين حملة دعوة فنحن أبعد الناس عن الحرام وكيف لا؟! فهل يليق بأتباع الرسل الوقوع في الحرام أو حتى مشتبهات الأمور ونحن القدوة والأسوة للناس, فما بال بعض الشباب ليسوا من أهل المساجد ولا من أهل القرآن أو دروس التجويد والتلاوة, وما بال بعضهم لوالديهم عاقين, وما بالهم قد اعتراهم بعض اليأس والقنوط من نصر الله لعباده وخاصة محنة اخوانهم في الشام, فلهم في احتلال التتار لبغداد وسرعة عافية الأمة ودحر الكفار في وقت قياسي عبرة وعظة, قال تعالى: (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء)آل عمران140. فعيون أمتنا ترنو إلينا صباح مساء, تراقبنا وتقتدي بنا فنحن رجال دولتهم القادمة قريبا إن شاء الله, فما ظنكم برب العالمين, الذي لا تنام عينه؟!

3. محاسبةُ النفس على الغفلةِ: وإن من أعظم أسباب الغفلة الجهل بالله عز وجل وأسمائه وصفاته. والحق أن كثيرًا من الناس لم يعرفوا ربهم حق المعرفة، ولو عرفوه حق المعرفة ما غفلوا عن ذكره، وما غفلوا عن أوامره ونواهيه؛ لأن المعرفة الحقيقية تورث القلب تعظيم الرب ومحبته وخوفه ورجاءه، فيستحي المسلم العارف بربه أن يراه خالقه على معصية، أو أن يراه غافلاً. فأُنس الجاهلين بالمعاصي والشهوات، وأُنس المسلمين بالذكر والطاعات. وإن من أعظم أسباب الغفلة حب الدنيا والانغماس في شهواتها. فحين ذُمت الدنيا في الأحاديث لم يكن يعني السلف الصالح حال الدنيا التي نحن عليها اليوم, بل تلك الدنيا التي يُطبق حكم الله فيها, فيؤمر بالمعروف وينهي عن المنكر, تلك الدنيا التي عاشوها بالفتوحات والانتصارات بحلو أيامها وعزها, ومع ذاك ذموها ومقتوها. فماذا عسانا نقول عن حالنا اليوم؟!!! فمَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ, قلب متعلق بالدنيا وأخر بالآخرة!! فاللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا.

4. محاسبةُ النفس على حركاتِ الجوارح: ككلامِ اللسان ، ومشيِ الرجلين ، وبطشِ اليدين ، ونظرِ العينين: ماذا أردتُ بهذا؟ ولمن فعلته؟ وعلى أي وجه فعلته؟ عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:« إستحيوا من الله حق الحياء قال قلنا يا رسول الله إنا نستحيي والحمد لله, قال ليس ذاك, ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ولتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء» رواه الترمذي

وحفظُ الرأس وما وعى يكون بحفظ ما فيه من الحواس من سمع وبصر ولسان، فلا تتحرك إلا فيما يُرضي ربَنا عز وجل، ويكون كذلك بحفظ العقل مما قد يفسده ماديا من خمر أو مخدرات أو حتى فكريا من مفاهيم كفريه أو مفاهيم مضللة أو ذهنيا من الانشغال باللغو من القول والأغاني وتوافه الأمور. وحفظ البطن وما حوى يكون بأن لا نأكل ولا نشرب إلا حلالا طيبا ونتجنب الحرام ويكون بحفظ الفروج عن الحرام كي لا يقر في الأرحام إلا حلالاً، قال صلى الله عليه وآله وسلم: « مَنْ يَضْمَنْ لي ما بيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بيْنَ رِجْلَيْهِ أضْمنْ لهُ الجَنَّة ». متفقٌ عليهِ

أخواني الكرام: هذه دعوة للجميع, في محاسبة النفس والوقوف عليها طويلاً, وأَطرها على الحق أطراً, وسوقها إلى الجنة مرغمة, فالنفس كالبعير الهائج الثائر, ان لم تروّضها أوردتك المهالك, فلابد لك من زجرها وجرها جراً الى الطاعات ولو مرغمة, عن أبي هريرة، قال: استضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (عجبت لأقوام يُقادون إلى الجنة في السلاسل وهم كارهون) حلية الاولياء

أخي الحبيب: كم صلاةٍ أضعتَها؟ كم جُمُعَةٍ تهاونتَ بها؟ كم صدقةٍ بَخِلتَ بها؟ كم معروفٍ تكاسلتَ عنه؟ كم منكرٍ سكتَّ عليه؟ كم نظرةٍ محرمةٍ أصبتَها؟ كم كلمةٍ فاحشةٍ أطلقتها؟ كم مرة من المرات لم تحضر درس علم واثاقلت الى الدنيا؟ وكم من مسلم تقاعستَ عن حمل الدعوة إليه؟ إن كان المرء سيُسأل عن كل صغيرة وكبيرة فعلها في دنياه أو حتى سكت عنها، فأي أرض ستقله، وأي سماء ستظله؟؟

رباااه... الغوث الغوث رباااه

عباد الله: إننا موعودون بخلافة على منهاج نبوة محمد صلى الله عليه وسلم, وهذه الخلافة تحتاج لرجال من مستوى الخلافة الراشدة أي مستوى الصحابة الكرام, فهل نحن كذلك؟!!

أخي الحبيب: اعلم أن أعدى عدوٍ لكَ نفسُكَ التي بين جنبيك، وقد خُلِقتْ أمارةً بالسوءِ ميالةً إلى الدعة والراحة، وقد أُمرتَ بتقويمها وتزيكتها وفطامها عن موارِدِها، وأن تقودَها بسلاسلِ القهْرِ إلى عبادةِ ربِها، فإن أنتَ أهملتها ضلّتْ وشَرِدتْ، وإن لزمتَها بالتوبيخِ رَجونا أن تصيرَ مُطمئنة، فلا تغفلنّ عن تذكيرِها .

فإياك إياك أن تغتر بطاعة، إياك إياك أن تغتر بعلم ومكانة وجاهة، كن دائماً على وَجَلٍ ومحاسبة للنفس, فإن العبرة بالخواتيم، أسأل الله أن يحسن لنا خواتيمنا ويبارك لنا في أعمارنا وأن يقينا شر أنفسنا ويعيننا عليها... إنه ولي ذلك والقادر عليه

وآخِرُ دعوانا أنْ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته