يا ثورتي العظيمة.. أرى لك فألَ يوسف عليه السلام
يا ثورتي العظيمة..
أرى لك فألَ يوسف عليه السلام
عُبادة قدورة
أراد إخوة سيدنا يوسف أن يقتلوه فلم يمُتْ! ثم أرادوا أن يُمْحَى أثرُه فارتفع شأنُه! ثم بِيعَ ليكون مملوكاً فأصبح ملكِاً! ثم أرادوا أن تمحى محبته من قلب أبيه فازدادت! قالها للهِ كلمةً: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ).
وقالها ثوارنا الأبطال: (الموت ولا المذلة) وقالوها: (يا الله.. ما لنا غيرك يا الله)، (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
فلا تقلقلوا ثُوّارَنا من مكر أعداء الله، فالله خير الماكرين.. أما ضيق الحال في أيام ثورتنا فما أراها إلا قليلاً من سنوات يوسف العجاف التي سيأتي بعدها: (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ).
عندما كان يُوسف في السجن دخل معه فَتَيان، كان يوسفُ الأحسنَ بشهادتهما وشهادة كل السجناء (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).. لكن الله أخرجَهما قبله! وظلّ هو - رغم كل مميزاته - بعدهما في السجن بضعَ سنين! الأول خرج ليُصبح خادماً، والثاني خرج ليُقْتَلَ، ويوسف انتظر كثيراً! لكنه خرج ليصبح عزيز مصر، وتقر عيناه بلقاء والديه، وليفرح فرح الصابرين .
إخوتي.. ما تأخرت نصرة ثورتكم عن ثورات الربيع العربي الرائع في قطاف ثمارها إلا لأن الله عز وجل اختص لبلاد الشام مكانة ودوراً رائداً في المستقبل القريب، على أيديكم أنتم إن شاء الله كما اختص ليوسف ملك مصر.
وما هذا التمحيص الحاصل في بلاد الشام إلا تهيئة لمرحلة قادمة ودور عظيم بعظم تضحياتكم، ومن يدري لعل الله سبحانه كتب أن يطهر بلاد الشام من الرجس على أيديكم ثم يفتح القدس تحت ضربات أبطال الشام، و اعلموا أنه كلما ازداد البلاء وكلما امتدت فترة التمحيص، كان الدور المنوط بالفئة المؤمنة أكبر و أجلّ.
ولا تحزني سورية الغالية إن سبقتك مصر وتونس وليبيا إلى الحرية.. فدائماً ما يبقى إعلان المركز الأول.. لآخر الحفل.
أما إخوتنا الصامتون الخائفون الذين تخلفوا عن الثورة إلى يومنا هذا، ما أراهم إلا إخوة يوسف عليه السلام الذين أخطؤوا بخذلانهم لإخوتهم الثوار، وسيعودون إلى رشدهم إن شاء الله تعالى، وسيعلمون أن الله اختصكم له وآثركم عليهم.
(قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
وسنقول لهم إن شاء الله: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم، تعالوا نضع أيدينا بأيديكم نتعاضد ونتلاحم للإخاء والبناء من جديد.
إلى كل ثوارنا الأبطال أقول: أبشروا وأملوا، تأكدوا أن الله لا ينسى.. وأن الله لا يضيع أجر المحسنين.. تبارك وتعالى.
ثم لا أجد أعمق فهماً ولا أفصح بياناً ولا أروع معنىً ولا أفضل فألاً من خاتمة السورة خاتمة لمقالي :
(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ * حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ * لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
إلى كل آمالنا بالنصر المتأخرة : تزيني أكثر، فإن لكِ فألَ يوسف .