المسابقة الكبرى
أ.د. عماد الدين خليل(*)
يقول الله سبحانه وتعالى: "لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ" (الحشر:20).
هذه واحدة من المعادلات القرآنية التي تمنح المسلم المزيد من الاطمئنان إلى المصير، وبالتالي من اجتياز رحلة الحياة الدنيا بعيداً عن المخاوف والأحزان.. من التحرّر منها بعبارة أدق.. ولكن الفوز العظيم هذا لن يتم بدون ثمن كبير يكافئه!
لقد كتب على المسلم الذي اختار دخول المسابقة الكبرى أن يكون عدّاءً من طراز أوّل، أن يسارع في الخيرات وأن يسبق إليها.
هذا هو قدرنا، أن يساهم كل واحد منا، وبما يسّره الله تعالى له، في صناعة الحياة الإسلامية، حلقة من حلقاتها، أو جزئية من جزئياتها، أن يغذّي بعطائه رافداً من روافدها، التي قد تبدو للوهلة الأولى صغيرة منحسرة، ولكنها عندما تلتقي وتتجمع، وتصب جميعاً في بحر الدعوة الكبير، يمكن أن تغيّر الخرائط والمقدّرات وتعد بالكثير.
وليس مهماً بعد هذا أن نقطف الثمار هنا في الحياة الدنيا، أو هناك في الحياة الأخرى، بل إنها هناك أولى ببذل المزيد من الجهد لأنها تقترن بالخلود، بينما هي هنا سريعة منصرمة، كانعدام الحياة الدنيا نفسها!!
إن القرآن الكريم يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه بهذا المعنى، كي لا يستعجل القطاف، وكي لا يجعل من الجزاء في الحياة الدنيا خاتمة المطاف، فيصاب وأصحابه بالإحباط الذي هو السكين الذي يذبح النشاط الدعوي من الوريد إلى الوريد: "وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون" (يونس: 46)، "وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب" (الرعد: 40)، "فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون" (غافر: 77).
إننا بانتمائنا إلى خيمة الله سبحانه، وإمساكنا بحبله المتين، قبالة كل خيام الآخرين الممزقة، وحبالهم المقطوعة، يجب أن نكون أسعد خلق الله، وأكثرهم فرحاً وتوحّداً واطمئناناً وائتماناً ذاتياً.
فما الذي يخيفنا أو يحزننا ونحن نجتاز رحلة موقوتة لا تتجاوز بتعبير رسول الله صلى الله عليه وسلم الجلوس للحظات تحت ظل شجرة في الصحراء القائظة، ثم تركها والمضي بعيداً؟ رحلة يصفها القرآن الكريم بحفل تعارف لا يكاد أحدنا خلالها يتعرف جيداً على أصحابه ثم ما يلبث أن يغيب عنهم، فيطويه ويطويهم النسيان، "ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم" (يونس:45).
ما الذي يخيفنا أو يحزننا ونحن موعودون، إن عرفنا كيف نتعامل مع طرفي المعادلة، بالفوز العظيم؟!
بعد هذا كلّه، ألا يحق لنا أن نرفع تهنئتنا من الأعماق لكل الذين قدموا "شيئاً" من أجل صناعة الحياة الإسلامية كما أراد لها الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم أن تكون؟ لكل الذين قدموا علاجاً لمريض كي يشفى، أو ديناراً لفقير كي يشبع، أو بنوا وشيّدوا ما يعين المرضى والجائعين على اجتياز أحزانهم ومتاعبهم.
إن الطريق مفتوح، والأبواب مشرعة على مصاريعها لكل أولئك الذين يطمحون بالفوز العظيم، والذين ينتظرون الحصول على الجائزة الكبرى يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون(101) لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون(102) لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون(103)" (الأنبياء).
(*) مفكر إسلامي – أكاديمي عراقي