النظافة من منظور إسلامي

الشيخ عبدالعزيز رجب

الشيخ عبدالعزيز رجب

عضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين

عضو المجلس العام لنقابة الدعاة

الحمد لله الذي يحب المتطهرين، والصلاة والسلام على أطهر خلق الله أجمعين، اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الغر الميامين ، وعلى من تتبع أثرهم بالطهارة والتعبد لله رب العالمين.، وبعد .

لا شك أن النظافة لها تقديرها الكبير في الشريعة الإِسلامية ، فهي شرط لصحة الصلاة ،وهي من العوامل الأساسية في المحافظة على الصحة التي هي من أكبر نعم الله على الإنسان كما جاء عن سهل بن سعد – رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -  قال:« نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ ». رواه :البخاري.

كما أن الإسلام اعتنى بطهارة ونظافة باطن الإنسان، فقد اعتنى كذلك بطهارة ونظافة ظاهره، سواء في جسده أو ملبسه أو بيته أو طريقه، وغير ذلك ، ولا يعرف دين ولا نظام اهتم بنظافة الفرد وشملتها أحكامه مثل دين الإسلام.

فقد سبق الإسلام جميع الشرائع والقوانين للحض على النظافة ، فمنذ فجر التاريخ أمر الله  إبراهيم واسماعيل-  عليهما السلام -  أن يطهرا بيت الله الحرام:فقال سبحانه ]وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [[الحج : 26].

أهمية الطهارة والنظافة في الإسلام :

جعل الإسلام  الطهارة والنظافة نصف الإيمان:فعن أبي مالك الأشعري – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  : «الطهور شطر الإيمان». رواه مسلم.

وجعلها من  شعب الإيمان:فعن أبى هريرة– رضي الله عنه -  عن النبي - صلى الله عليه وسلم -   قال :« الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أفضلها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ». متفق عليه

وأمر الله بها نبيه وأمته ، فقال: ]ياأَيُّهَا الْمُدَّثّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ[ [المدثر:1-4].

وأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -  بها أمته:عن عبد الله بن بشر المازني – رضي الله عنه – قال:  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  : « قصوا أظافيركم وادفنوا قلاماتكم ونقوا براجمكم ونظفوا لثاتكم من الطعام واستاكوا ولا تدخلوا على قلحا بخرا ».الحكيم الترمزي وفيه ضعف.

وحث الله – سبحانه وتعالى - بيت النبي  - صلى الله عليه وسلم -   على الطهارة: فقال سبحانه:]إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً[ [الأحزاب : 33]

وجعل الطهارة والنظافة شرطًا  لصحّة الصّلاة، والطّواف، ومسّ القرآن:

ففى الصلاة قال تعالى :]   يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ... [[المائدة : 6]، وعن عمر – رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم -  : «لا تقبل صلاة إلا بطهور».  ابن حبان والترمزي ، وقال : صحيح.

وفي الطواف بالبيت :عن ابن عباس – رضي الله عنهما -  عن النبي - صلى الله عليه وسلم -   قال «الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه فمن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير ».رواه :الترمذى ، والحاكم ، والبيهقى

وفى القرآن : قال:] لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [[الواقعة : 79]

وحث على تنظيف البيوت، فعن عامر بن سعد عن أبيه – رضي الله عنهما -  عن النبي - صلى الله عليه وسلم -  قال: «إن الله طيب يحب النظافة، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم، ولا تشبهوا باليهود ».أخرجه الترمذي وقال: حديث غريب.

ومن أجل ذلك أوصى الإسلام بأن يكون المرء حسن المنظر كريم الهيئة في كل حالاته، في البدن والثياب، وفي المساجد والدور ومجامع الناس، وقد ألحق هذا الخلق الكريم بآداب الصلاة فقال تعالى:] يَابَنِى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ [[الأعراف:31]

وسن النبي اهتماماً بالطهارة والنظافة وحسن المظهر الاغتسال يوم الجمعة ، فعن سلمان الفارسي  – رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم -  :»لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى ». متفق عليه .

وسنن سنن الفطرة للنظافة والطهارة:فعن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  : «عشر من الفطرة: قص الشارب ، وإعفاء اللحية ، والسواك ، واستنشاق الماء ، وقص الأظافر ، وغسل البراجم "أي عقد الأصابع ". ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وانتقاص الماء ، قال الراوي : ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة » رواه مسلم .

حتى الفم شرع له ما ينظفه ويطهره ، فعن أبي بكر- رضي الله عنه- سمعت - صلى الله عليه وسلم -  :«السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ». رواه النسائي والطبراني.

وندب للمسلم أن يغتسل فيما لا يقل عن مرة كل سبع مرات:فعن أبي هريرة – رضي الله عنه -  فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  « لِلهِ عَلَى كلَّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فيِ كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامِ يَوْماً يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسِهُ وَجَسَدَهُ».متفق عليه.

علاج الإسلام لمشكلة عدم النظافة والطهارة:

وقد وضع الإسلام علاجا شافيا ليكون المجتمع والبيئة نظيفة طاهرة بعيدة عن الأمراض وغيرها ، من خلال عدة محاور:

المحور الأول: الفوائد التي تعود على  المحافظين على  الطهارة والنظافة:

فمن أعظم الفوائد التي تعود المسلم المتطهر دائما ، والمحافظ على نظافته باستمرار أن الله يحبه: فقال سبحانه :] وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهّرِينَ[[التوبة:108].، وقال :]اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ[ [البقرة : 222]

وعن عامر بن سعد عن أبيه – رضي الله عنهما – عن النبي - صلى الله عليه وسلم -  قال :« إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة كريم يحب الكرم جواد يحب الجود فنظفوا  أفنيتكم ( بيوتكم ) ولا تشبهوا باليهود ». رواه: ابن حبان و الترمزي:وقال: حديث غريب .

 وجعل من كرامة المؤمن نظافة  ثيابه ، فعن ابن عمر– رضي الله عنهما -  قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « من كرامة المؤمن على الله نقاء ثوبه ورضاه باليسير ». رواه الطبراني .

بل جعل من شروط من يدخل الجنة أنهم يحافظون على طهارتهم ونظافتهم ، فعن عائشة – رضي الله عنها -  قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -   « الإسلام نظيف فتنظفوا فإنه لا يدخل الجنة إلا نظيف ».رواه الطبراني وفيه نعيم بن مورع وهو ضعيف.

وعن أبي هريرة– رضي الله عنه -  ، عن النبي  - صلى الله عليه وسلم -   قال :« لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق تؤذي الناس».رواه: البيهقي .

وعن أبي هريرة– رضي الله عنه -  ، عن النبي  - صلى الله عليه وسلم -   قال :« بينما رجلٌ يمشي بطريق وجد غصن شوكٍ على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له» .متفق عليه

عن أبى برزة الأسلمى– رضي الله عنه -  قال :قلت  يا رسول الله دلنى على عمل يدخلنى الجنة؟  قال- صلى الله عليه وسلم -  :  أمط الأذى عن طريق الناس » البخاري فى الأدب المفرد وهو صحيح.

وعد تنظيف المكان والبيئة من الصدقات التى يحصل المسلم علي ثوابها إذا قام بها: فعن ابن عباس- رضي الله عنهما – قال : قال - صلى الله عليه وسلم -  :«ابن آدم ستون وثلاثمائة مفصل على كل واحد منها فى كل يوم صدقة فالكلمة الطيبة يتكلم بها الرجل صدقة وعون الرجل أخاه على الشىء صدقة والشربة من الماء يسقيها صدقة وإماطة الأذى عن الطريق صدقة». رواه البخاري في الأدب المفرد، والطبراني .

بل حرص النبى - صلى الله عليه وسلم -  على الصلاة على امرأة كانت تنظف المسجد:وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه -أنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ المَسْجِدَ ، أَوْ شَابّاً ، فَفَقَدَهَا ، أَوْ فَقَدَهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَسَأَلَ عَنْهَا ، أو عنه ، فقالوا : مَاتَ . قَالَ : « أَفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ » فَكَأنَّهُمْ صَغَّرُوا أمْرَهَا ، أَوْ أمْرهُ ، فَقَالَ : « دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ أو قَبْرِهَا » فَدَلُّوهُ فَصَلَّى عَلَيْهَا ، ثُمَّ قَالَ : « إنَّ هذِهِ القُبُورَ مَمْلُوءةٌ ظُلْمَةً عَلَى أهْلِهَا ، وَإنَّ اللهَ تعالى يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلاتِي عَلَيْهِمْ » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .

المحور الثاني : العقوبات على من لا يهتم بالطهارة والنظافة :

جعل عند المحافظة على الطهارة والنظافة إفساد ، والله لا يحب الإفساد فى الأرض بكل صوره ، فقال تعالى :]وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ[[ القصص:77]

ولا يحب الفحش والتفحش ، فعن سهل بن الحنظلية – رضي الله عنه -   قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم -   لأصحابه: إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلى إِخْوَانِكُمْ، فَأَصْلِحوا رِحَالَكُمْ، وَاَصْلِحُوا لباسَكم، حتى تكونوا كأنكم شامةٌ في الناس، فإن اللهَ لا يحبّ الفُحْشَ وَلا َالتَّفَحُّشَ » .رواه : أحمد ، وأبو داود ، والطبرانى ، والحاكم .

حتى ولوكان في وقت الحرب إلا لضرورة  ،  فقد قال أبو بكر – رضي الله عنه -  لجيش المسلمين يوصيهم :"لا تقطعوا ولا تخربوا عمرانا ولا تقطعوا شجرة إلا لنفع ولا تعقرن بهيمة إلا لنفع ولا تحرقن نحلا ولا تغرقنه". البيهقي

وحكم على البزاق فى الأماكن العامة خطيئة يجب كفاره عنها: فعَن أنس – رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -   قال:« البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها». متفق عليه.

وحذر أن نكون من اللعانين: فعن أبي هريرة – رضي الله عنه -  عن النبي - صلى الله عليه وسلم -    قال :«اتقوا اللعانين. قالوا: وما اللعانان؟ قال: الذى يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم ». رواه مسلم .

وعن أبى بكر – رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -   قال :«لعون من ضار مؤمنا أو مكر به». رواه : الدارقطنى و الترمذى وقال: غريب .

قال ابن القيّم- رحمه اللّه تعالى-:"من تطهّر في الدّنيا ولقي اللّه طاهرا من نجاساته دخل الجنّة بغير معوّق، وأمّا من لم يتطهّر في الدّنيا فإن كانت نجاسته عينيّة كالكافر لم يدخلها بحال. وإن كانت نجاسته كسبيّة عارضة دخلها بعد ما يتطهّر في النّار من تلك النّجاسة ثمّ لم يخرج منها ".إغاثة اللهفان (1/ 71).

حكم بالدية والضمان  إذا تأذى المسلمون: إذا وضع رجل حجر في الطريق  أو رمي قمامة فتعثر المسلمين أو تلف ماله أو مات بسببها فعليه الضمان والدية.

المحور الثالث:الوقاية: والوقاية خير من العلاج

فنهى عن البول في الماء الراكد:فعن جابر أن رسول الله نهى أن يبال في الماء الراكد". رواه مسلم .

أو يتنفس في الإناء ، فعن أبي قتادة – رضي الله عنه -  أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -  :« نهى أن يتنفّس في الإناء، وأن يمسّ ذكره بيمينه، وأن يستطيب بيمينه». متفق عليه.

وأن ينام على طهارة:عن عمرو بن عبسة– رضي الله عنه - قال: قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -  : «ما من مسلم يبيت على طهر ثمّ يتعارّ من اللّيل فيذكر اللّه ويسأل اللّه خيرا من خير الدّنيا والآخرة إلّا آتاه اللّه إيّاه». رواه : أحمد والطبراني.

و حث المجتمع على النّظافة ، فعن أبي سعيد – رضي الله عنه -  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  : «إن الله جميل يحب الجمال ويحب أن يرى أثر نعمه على عبده ». رواه: الطبرانى .

 وإماطة الأذى من الطرقات ، فعن ابن عباس- رضي الله عنهما – قال : قال - صلى الله عليه وسلم -  :« وإماطة الأذى عن الطريق صدقة». رواه البخاري في الأدب المفرد، والطبراني .

 وحث على تجميل البيئة، حتى ولو قامت الساعة ، فعن أنس – رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  :«إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فليغرسها». رواه البزار وقال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله أثبات ثقات.

وشجع على زراعة الأرض وتحويلها من الخراب إلى العمران ، فعن سعيد بن زيد – رضي الله عنه -  عن النبي - صلى الله عليه وسلم -   قال:« من أحيا أرضاَ ميتة فهي له« .رواه: أحمد وأبو داود والترمذي .

و نظافة البيت: فعنْ جابر – رضي الله عنه -  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:« ولا تبيتوا القمامة معكم في حجركم» . رواه :عبد بن حميد

و نظافة المسجد:فعن عزة بنت عياض قالت سمعت أبا قرصافة – رضي الله عنه -  أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم -  يقول:« ابنوا المساجد وأخرجوا القمامة منها فمن بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة قال رجل يا رسول الله وهذه المساجد التي تبنى في الطريق قال نعم وإخراج القمامة منها مهور حور العين».أخرجه الطبرانى وابن عساكر، قال الهيثمى : فى إسناده مجاهيل .

فإذا التزمنا بهذا السلوك الحميد وطهرنا داخلنا ونظفنا خارجنا ، وشاركنا مجتمعنا في أن يكون مجتمعا صحيا نظيفا نقيا ، لعشنا في سعادة في الدارين ، وتحققت فينا الأمة الخيرية ، وقدنا الدنيا كلها نحو الخير والصلاح والفلاح.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم