رمضان... دورةٌ تربوية (ثورية)!

حسن قاطرجي

[email protected]

ربما يظن بعض الناس أن رمضان (موسم فولكلوري) لزينة الشوارع ورفع اليافطات المرحّبة بقدومه وللتهيَؤ لموسم تجاري لسِلَع ومواد تَهْجُم على شرائها حشود كاسحة من الناس – وليس في الكلمة أي مبالغة – خاصة قبل الأيام القليلة من إعلان الشهر وثبوت قدومه حيث يتزاحم الزبائن في الأسواق! ويرى الراصد إذا كان يراقب أحد (المُولات) منظراً يروّعه وكأن إعلاناً عن قرب هجوم (مجاعة) دفع الناس بهذه الحشود للتزاحم على شراء المواد الغذائية وتخزينها... في ظاهرة مستغربة حوّلت رمضان تماماً عن هدفه وأجوائه...

هذا عدا الإعلانات عن المسلسلات - الهابط منها والسخيف والمضيّع للأوقات - في مخطط مدروس ممنهج بلا شك لإبعاد المسلمين عن المشاركة في دورة ربانية تربوية ثورية حقيقية اختار الله لها شهراً كاملاً مرتبطاً بنزول الكتاب العظيم– القرآن المجيد: (نورُ الله للعالمين) - وتتجلّى مجالات هذه (الثورة) في أنها:

1.    ثورة على (الذنوب) بالتوبة منها وتجديد العهد مع الله سبحانه وتعالى أن يكون رمضان بدايةَ انطلاقةٍ جديدة مع الطاعات والاجتهاد في العبادات.

2.    ثورة على (الطغيان النفسي) داخل كل إنسان إذا لم يزكِّ نفسَه بالاستعلاء على الآخرين عندما يكون غنياً أو قوياً أو ذكياً أو كثير الأتباع أو عظيم الجاه... لأن الصيام إذا أداه المسلم بوعي وفقهٍ يشعر - في جوعه وعطشه- بضعفه وافتقاره إلى الله عز وجل، كما يُشعره الجوع بآلام المحرومين وفقر المحتاجين فيدرك نعمة الله عليه وتتطامن نفسُه ويتواضع قلبُه.

3.    ثورة على (الشهوات والمألوفات) لأن الذي يفقه أبعاد شهر رمضان وما يُحدثه من تغييرات نوعية في نظام الحياة وكسر إسار العادات والمألوفات وما يُربي عليه الصائمين من التحرّر من استعباد الشهوة والتعالي عليها والإمساك بزمامها: تتحقق فيه معاني هذه الثورة ويشعر بالنجاح في إدارة الذات وإخضاعها لرب الأرض والسموات.

4.    ثورة على (الطغيان الخارجي) الذي يمارسه الطغاة الظَّلَمة في مواقع المسؤولية لأن الذي يحرّره الصيام من استعباد الشهوات ومقاومة الإغراءات يرِّبيه أن يكون قوياً عزيزاً حراً يرفض الاستعباد البشري ويختار لحياته عنوان (العبودية لله) و(الحرية والكرامة) اللائقيتن للإنسان في الاجتماع البشري.

وها هو رمضان هذا العالم – 1433هـ : صيف 2012م – وفي سياق التدافع الحادّ في بلادنا العربية بين الهوية الإسلامية التي أنتجت حضارة رائعة يوم كانت أمتنا مصطبغةً بها عزيزةً بالانتماء إليها تتفجر طاقاتُها إبداعاً وإنتاجاً وتُقيم العدل في الأرض وتنشر الرحمة بين الناس... وبين الهوية الهجينة – الخليط بين شيء قليل من الإسلام وشيء كثير من الدَّخنَ الغربي ثقافةً وقوانينَ وسياقاتٍ حياتية!! - ها هو يأتي في أوانه ولحظة اشتداد الحاجة إليه لتعميق العبودية لله وإعلان الحرية في علاقة الإنسان بالإنسان وتثبيت الهوية الحقيقية لأمتنا... وشرطُ كلِّ ذلك: فهمُ فلسفته (التي كتب عنها الداعية المفكر د. مصطفى السباعي في كتابه: فلسفة الصوم في الإسلام)، وإخلاصُ نيّته لله رب العالمين لأن الإخلاص هو حياة العبادات ومعيار قبولها وشرط الانتفاع بها وهو روحُ أهدافها ومقاصدها...