أُمّ
أُمّ
د. عبد الكريم بكار
كل الأمهات عظيمات، لكن العظمة درجات .
تبدأ العظمة حين تنسى الأم كل تعبها وإجهادها في سبيل راحة أسرتها،وحين تدمج كل أمنياتها في بعض أمنياتهم .
الأم هي أساتذة المضحين،وأستاذة العطاء النقي وغير المشروط .
هذه حكاية واحدة من ملايين الأمهات،إنها حكاية أم محمد ، توفي زوجها أبو محمد، وهي في الخامسة والعشرين بعد تعرضه لحادث سيارة، وتقدم لها الخطّاب الأكفاء لكن حرصها على أن تتفرغ لتربية ابنها جعلها ترفض ...
حين صار محمد في الثانية عشرة قالت له أمه : يا بني إن المال الذي تركه لنا أبوك ـ رحمه الله ـ قد نفد،وإني سأتعلم الخياطة، لأنفق على البيت وعلى تعليمك، فاجتهد يا بني في دراستك، ووعدها محمد بذلك، ويدخل محمد الجامعة ويتفوق في دراسته، وحين عاد مساء أحد الأيام وجد أمه نامت وقد أكبت على القماش الذي تعمل على خياطته، فرقّ قلبه لها، وقال : أمي سأتحول إلى طالب منتسب، وأبحث عن عمل من أجل راحتك، فقالت الأم : لا يا ولدي هذا غير مقبول، ويجب أن تظل على ما أنت عليه وأنا يعينني الله ...
ويتخرج محمد من الجامعة، ويحصل على عمل جيد، وقد كان همه هو كيف سيقدم أول مرتب لأمه الحبيبة: هل يضعه بين يديها لتأخذ منه ما شاءت، أو يشتري لها شيئاً تحبه، أو يأخذها في رحلة جميلة ...؟؟ وفي صباح أحد الأيام وجد محمد وجه أمه شديد الصفرة، فسألها عن حالها، فقالت : يا بني أشعر بإعياء شديد لم أشعر به من قبل، فعرض عليها الذهاب إلى المستشفى، فرفضت، وقالت سأنام قليلاً، وأرتاح بعدها إن شاء الله . وذهب إلى عمله، وفي غيابه ساءت حالة الأم، وأخذها أحد الجيران إلى المستشفى، وبعد العصر جاء محمد إلى المنزل، فلم يجد أمه، فسأل الجيران فقالوا : هي في المستشفى، وهناك فوجئ بالخبر الصاعق: قد ماتت أم محمد بسكتة قلبية، وانتهى كل شيء !!
أقسم محمد أن يخصص ربع مرتبه ما دام حياً لإقامة المساجد وحفر الآبار وتركيب مبردات الماء صدقة جارية عن أمه ... ومضى على ذلك ثلاثون سنة ومحمد مستمر في ذلك، وذات يوم قال له ابنه خالد : أبي أعاهدك أن أسلك دربك، فإذا متَّ بعد عمر طويل، فإن ربع مرتبي سيكون من أجل إقامة المشروعات الخيرية صدقةً عنك ( ذرية بعضها من بعض )
اللهم بأسمائك الحسنى و برحمتك التي وسعت كل شيء اجمعنا بأمهاتنا وآبائنا في الفردوس الأعلى يا رب العالمين!!
وإلى أن ألقاكم في رسالة قادمة أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.