اهدنا الصراط المستقيم
اهدنا الصراط المستقيم
الشيخ العلامة: محمد أبو زهرة
1 ـ قال الله تعالى:[إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] {الحجرات:11} .
ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه).
ويقول عليه السلام: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه).
2 ـ تلك نصوص القرآن المحكمة، وآياته البيِّنة، و ذلك قول النبي صاحب الرسالة ومبلِّغ وحي الله تعالى إلى خلقه، وقد تحققت تلك النصوص، وطبقها المسلمون والإسلام غضُّ الإهاب، واضح المعالم، بيِّن الأركان، لا يتبع أحد هواه ،ومن يتَّبع هواه يتبعه في خاصة نفسه، لا في عموم الأمور، فلا زيغ ولا تأويل بغير الحق، ولا انحراف عن الهداية، ولا دعوة إلى الغَواية، ولا شطط في القول، ولا تنابز بألقاب الكفر والفسوق والعصيان.
ولكن سرعان ما جاءت الفتن تموج كموج البحر، وتتعاقب تعاقبها، وتثير سحاباً كثيفاً حول الحقائق الإسلامية، وتغشى الإسلام بغواش من الظلم، ويتحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ويل للعرب من شر قد اقترب) وعندئذ وفي غمرة هذه الفتن، وجدت بين المسلمين نحل مختلفة وآراء متباينة، وصار الشح مطاعاً، والهوى متَّبعاً، وابتلانا الله تعالى بما ابتلى به الأمم قبلنا، وصحَّ قول النبي صلى الله عليه وسلم فينا: (افترقت اليهود على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، إحداها الناجية).
3 ـ ولا نريد أن نتكلم هنا في أسباب الافتراق، وكيف دخلت تلك الفتن الطخياء العمياء، ومن ارتكب كِبْرها، وبذر بذور الشر التي أنبتتها، ولكن نقول: إن الواقعة قد وقعت، وفتنت قلوب، و انحرفت عقول واضطربت الآراء، وتناحرت في الماضي، ولا تزال تطلع على طائفة من آثارها في الحاضر، فقد تغايرت أسماء المسلمين ما بين إسماعيلية واثنا عشرية وسنية وزيدية ودرزية، إلى آخر ما يظهر ومالا يظهر.
والآن نحن نريد الوحدة، ولابد أن يكون للمسلمين عنوان واحد، وإن اختلفت المذاهب في الفروع لا في الأصول، وقد دعوت إلى ذلك في بحوث محصتها، وفي كتب دوَّنتها، وفي رسائل أرسلتها، وقلت: لا طائفية، ولكن مذهبية، فالمذهبية اختلاف فكري في الفروع، والطائفية تحيُّز وتميُّز وتفرق، والمذهبية لا تورث ولا تنتقل، ولكن تختار اختياراً فكرياً، فقد يكون ابن الحنفي جعفرياً، وابن الجعفري شافعياً، كما يكون ابن المالكي شافعياً أو حنفياً أو حنبلياً، أما الطائفة فإنها على حسب المنطق الذي نراه الآن تورث وكأنها عرض من الكيان الشخصي فيرث ابن السنِّي سنيَّته، وابن الجعفري جعفريَّته، كما يرث ملامح أبيه وقامته وخواصَّه العقلية في كثير من الأحيان.
4 ـ دَعَوْنا إلى هذا وكررناه، وردَّدناه في المجالس والنوادي، ولم نتعرض لسلامة ما عند هذا، ولا سلامة آراء هذا المذهب، وتركنا كل مذهب لأهله، وليختر كل واحد ما يريد، ولكن وجدنا الآن أقوالاً تتردد، من أن لسلامة الوحدة يجب أن يقر السني ما عليه الشيعي، ويقول :إن التعبد على طريقته ليس فيها شيء، وذكر لنا رجل قال إنه يدعو إلى الإسلام في أمريكا، ويذكر أنه قد هدى الله تعالى على يديه بعض الأمريكان، وأنه في سبيل إنشاء مسجد، ولا يعوقه عن الدعاية إلى الإسلام إلا رميُه بالانحراف الديني لأنه شيعي إمامي، وقد تذاكرنا في هذا الموضوع في مجلس طويل الزمن، وانتهينا إلى أن الوحدة العامة لا تكون بدولة واحدة، ولكن تكون إلاً بإيمان جامع يقر كل واحد منا تحت ظله كل ما عند الآخر ما دام في هذه الدائرة.
وقد رأينا وضع دستور يكون هو الدستور الجامع لأهل القبلة، ويكون من الواجب أن يكون التعبُّد في كل مذهب ما دام تحت ظله جائزاً، ورأيت أن يجتمع جميع من العلماء في المذاهب المختلفة ما بين سنية وشيعية ويعلنوا في مشارق الأرض ومغاربها ذلك الدستور الإسلامي على أنه الصراط المستقيم، ولأننا نخشى أن تموت هذه الفكرة نسارع فنعلن ما ينبغي أن يكون عليه الدستور، وهو الصراط المستقيم الذي نضرع إليه سبحانه أن يهدينا إلى سبيله، وبعد تفكير عميق في مصادر الإسلام وموارده، وما علم من هذا الدين بالضرورة انتهينا إلى مبادئ عشرة: هي دعائم الإسلام، والأمر الجامع بين أهل الإيمان .
5 ـ وأولها: الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى واحد أحد، فرد صمد، ليس بوالد ولا ولد، وليس له كفواً أحد . ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، ولا يحل في أحد من عباده، وهو منزَّه عن الحوادث: [لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ] {الشُّورى:11} .
وهو سبحانه وتعالى متَّصف بكل ما وصف به نفسه أو سمى به نفسه من أنه قادر مريد عالم جبار قهار غفار للذنوب رؤوف رحيم، وأن علمه أزلي قديم، وأنه باق، ولا يتغيَّر علمه، ولا تتغير إرادته، تقدست ذاته عن الشبيه، ولا تبديل لكلماته ولا تغيير لإرادته، وهو على كل شيء قدير، وقد أحاط بكلِّ شيء علماً، وهو بكل شيء عليم.
6 ـ وثانيها: أن محمدا رسول الله تعالى وخاتم النبيين، وبه ختم الوحي ولا وحي بعده، ولا رسول بعده، ولا نبي بعده، وأن الوحي انقطع بانتقال النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه ليس أحد من المسلمين في منزلة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى:[لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] {النور:63} . وأن علم الشرع من الكتاب والسنة، فلا طريق للعلم غيرهما، ولا شرع في أمر يناقضهما، وأن كل علم لا يلتمس منهما ولا يستند عليهما لا يصح أن يكون من علم الإسلام.
7 ـ وثالثها: أن القرآن الكريم كتاب الله تعالى، ومعجزة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه هو الذي تواتر إلينا، وهو الذي نقرؤه، وهو الذي يتفق مع العَرْضة الأخيرة التي عرضها النبيُّ صلى الله عليه وسلم على جبريل الأمين، وأنه لم يعتره تغيير ولا تبديل، ولا زيادة ولا نقص، وأن من يقول إنه زيدَ عليه أو نقص منه ليس من أهل القبلة مهما تكن مكانته عند بعض المسلمين، وأنه لا يوثق به ولا تقبل له رواية، ولا يعد قوله في أي باب ديني مستنداً يستند إليه، لأنه خلع الربقة، وفارق جماعة المؤمنين، وضل ضلالاً بعيداً، ولأنه طعن في أصل الدين ولب اليقين، وخالف كل جماعة المؤمنين، وفيهم الطاهر سلالة الأطهار الإمام جعفر الصادق، فقد صرح بأن القرآن كله متواتر لم يحدث فيه نقص ولا زيادة، وأن من يقول ذلك يثير الشك في شرع الله وأحكامه.
8 ـ ورابعها: أن القرآن الكريم هو الصادق في الإخبار عن النبيين السابقين، وهو سجلُّ معجزاتهم، وهو الجامع لشرائع الإسلام، وقد روى علي رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ستكون فتنة "،قلت: ما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال: "كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعوه حتى قالوا: [إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ] {الجنّ:2} . من قال به صدق، ومن عمل به أجر، و من حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم". روى الشيعة هذا الحديث في أسانيدهم، ورواه الترمذي في سننه.
وإنه يجب الأخذ بأحكام القرآن كلها، فما أحله أحللناه وما حرمه حرمناه على أنفسنا، وقد وضع نظام الزواج والطلاق، ورسم فيهما الحدود بين الحلال والحرام، وقال: [وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] {البقرة:229} .
وقد حرم الخبائث ما ظهر منها وما بطن، ومما حرم :اتخاذ الأخدان، ومنع أن تكون العلاقة بين الرجل والمرأة من قبيل اتِّخاذ الأخدان، فقال سبحانه:[ َانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ] {النساء:25} . وقد قال الله تعالى: [اليَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ] {المائدة:5} ـ اتخاذ الأخدان هو يشبه ما نسميه في عصرنا اتخاذ الخلائل فيتفق الرجل مع امرأة على أن يعاشرها كما يعاشر زوجه، ويعترف بمن يعقبه منها ومنه المتعة التي حرمها النبي صلى الله عليه وسلم بالنص وحرمها القرآن بالعموم ـ فتحريم الأخدان ثابت بالنص القرآني، سواء أكان باتفاق قولي، أم كان باتفاق فعلي.
9 ـ وخامسها: الأخذ بالسنة النبويَّة الصحيحة، سواء أكانت متواترة أو مشهورة، أم كانت أخبار آحاد، ولكلِّ واحد من هذه الأنواع مرتبته في الاستدلال، فلا يعارض خبر الآحاد السنة المتواترة، ولا المشهورة ويؤخذ بأخبار الآحاد في الأمور العملية لا في شئون الاعتقاد، ويؤخذ بالمتواتر فيهما، لأنها تفيد العلم.
والأخذ بالسنة أمر مقرر في الإسلام مجمع عليه، فقد قال الله تعالى:[ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا] {الحشر:7} . ويقول الله تعالى:[مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ] {النساء:80} . وقد روى الشيخان البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالديه والناس أجمعين).
وقد روى الشيخان أيضاً عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث من كُنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله و رسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار) وأن كل حديث ثبتت صحته، ولم يعارض أصلاً من أصول الإسلام، فإنه حجة سواء روي عن طريق الأئمة آل البيت أم روي عن طريق غيرهم، وإنه في هذا السبيل تتكون لجنة علمية تعمل على جمع الأحاديث المتفق عليها في كتب السنة، وكتب فقهاء الشيعة، وتتخذ أصلاً من أصول الاجتماع، ويترك ما هو موضع اختلاف، لأهل كل مذهب أن يأخذ بمذهبه فيه.
10 ـ والسادس: اعتبار المسلمين جميعاً عدولاً فيما بينهم، فكل من هو من أهل القبلة فهو من أهل الإيمان، يوثق به في القول وفي العمل، وفي الرواية، إلا أن يكون فاسقاً، أو منكراً لأمر عُلم من الإسلام بالضرورة، أو مدَّعياً التغيير والتبديل في القرآن الكريم، فإنه بذلك يخرج عن حدود الإسلام.
ولا يصحُّ أن يرمى مسلم بالكفر والفسوق والعصيان ما دام متبعاً مقررات الشرع لا يخالف أمراً من أموره، ولقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت كلمته عليه) ويقول صلى الله عليه وسلم: (أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ) ولا يصح لعن المسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه مسلم: (إنَّ اللعّانين لا يكونون شهداء يوم القيامة).
11 ـ وسابعها: اعتبار أهل القبلة جميعاً من أهل النجاة، ما داموا يؤمنون بالله واليوم الآخر والكتاب والنبيين ولا ينكرون أمراً من المقررات الإسلامية، والمرتكبون منهم يعاقبون بمقدار ما ارتكبوا إلا أن يتغمدهم الله بالغفران والتوبة، وقد قال الله تعالى:[وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا] {النساء:111} .ولقد قال سبحانه وتعالى:[إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا] {النساء:40} .
12 ـ وثامنها: أن سب المؤمنين لا يجوز، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (سباب المؤمن فسوق)، وإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار والذين أسلموا قبل صلح الحديبية على الأقل هم الذين رضي الله عنهم، ورضوا عنه فقد قال تعالى في الشهادة السرمدية لهم: [لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا] {الفتح:18} .
وقد قال تعالى في الغنائم مبيناً أوصاف المهاجرين والأنصار وما يجب على الأخلاف من بعدهم: [لِلْفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ] {الحشر:10} .
13 ـ والتاسع: المسلمون جميعاً أمة كما قال تعالى:[وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً] {المؤمنون:52} . وأنهم تتكافأ دماؤهم، وهم جميعاً يد على سواهم، وأنه لابد من لزوم جماعتهم، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث لا يغل عليهم قلب مسلم، إخلاص العمل لله، والنصيحة للمسلمين، ولزوم جماعتهم) وقال تعالى: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا] {آل عمران:103} .
وإن لزوم الجماعة الإسلامية يقتضي ألا توالي طائفة من المؤمنين أعداء الله ورسوله الذين عرفوا بالممالأة على المسلمين وتشريدهم في بقاع الأرض، لا يألوهم إلا خبالاً، قد بدت البغضاء من أفواههم، ولقد قال تعالى: [لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ] {المجادلة:22} . وقال تعالى:[لَا يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ] {آل عمران:28} .
وإن لزوم الجماعة يقتضي التَّواصي بالحق، والتعاون على الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
14 ـ وعاشر هذه الأمور: ألا يتواكل المؤمنون، فيبطئ أحدهم أو جماعة منهم منتظراً أن يكون العمل من غيره، بل ليعلم كل مؤمن أنه على ثغر من ثغور الإسلام، لا يصح أن يؤتى الإسلام من جانبه، فإنه إذا انتظرت كل جماعة ما تعمله الأخرى لم يعمل لنصرة الإسلام أحد، بل ليشعر كل مؤمن أننا الآن نحن المسلمين في مذأبة من الأرض، قد صار التعاون فيها فرض عين لا فرض كفاية، والجهاد بالقول والعمل والدعوة فرض عين على كل مسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (جاهدوا المشركين بأنفسكم وألسنتكم وأموالكم) [وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ] {التوبة:105} .
هذه مبادئ عشرة لو اتخذناها دستوراً لكانت الصراط المستقيم، وليتعبد من بعدها كل متذهب على تفسير المذهب الذي يختاره [اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ(6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ(7) ]. {الفاتحة}. .
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر مجلة لواء الإسلام ،العدد الثامن،السنة الثالثة عشرة: ربيع الثاني 1379هـ.