همسات إلى تلك القلوب التي أصابها اليأس
البراء كحيل
كلماتٌ منيرة للقلوبِ اليائسة الضعيفةِ التي اعتمدت على الخلق فخاب ظنّها وانقلب الرجاء إلى اليأس والأمل إلى القنوط
لمّا ترك ابراهيم عليه السلام زوجه هاجرَ رضي الله عنها وابنه اسماعيل عليه السلام في صحراءَ قاحلةٍ كالحة لا ماء فيها ولا غذاء ولا دواء ولا كساء ولا بشر ولا حجر ... سألته هاجرُ رضي الله عنها يا إبراهيم لمن تتركنا هاهنا في هذا المكان الموحش المخيف , فلم يردّ عليها فكررت سؤالها ثلاثاً ولم يجبْ إبراهيم .. فقالت : هل الله أمرك بذلك يا إبراهيم ؟ فأجاب عليه السلام : نعم , فقالت بلسان المؤمنة الصابرة المتوكلة على الله الواثقة بنصره وتأييده وعونه وكرمه , "إذاً لا يُضيعنا الله أبداً"
فبدّل الله الخوف بالأمان وجعل ذلك المكان الموحش أطهر بقاع الأرض وأكثر البلاد زيارةً وكرامةً وبدّل الجوع بالطعام والعطش بزمزمٍ خير مياه الأرض , وأبدل الوحدة والوحشة بالجماعة والنصرة
فسبحان من بيده ملكوت كلّ شيءٍ وإليه تُرجع الأمور
فكن مع الله ولا تبالي ولو كان العالم كلّه ضدّك .. ألم يقل خير الأنام عليه السلام :
ولو أنّ الأمّة اجتمعت على أن يضرّوك بشيءٍ لم يضرّوك إلاّ بشيءٍ قد كتبه الله عليك" "
ليكن القلب متعلقاً وصافياً بالخالق العظيم نقياً من أيّ شركٍ خفيٍ , فكيف تطلب نصر الله وأنت تشاركه عبيده في طلب النصرة ؟ أعجز الله عن نصرك وحده حتى جعلت في قلبك معيناً له في نصرتك ؟؟
حاشى لله !!! وهل يليق بمقام الربّ العظيم أن تجعله آخر من تسأل بعد أن تيأس من خلقه الضعفاء ؟؟ أنظرت إلى الله بعين الواثق وبقلب المتيقن وعقل المؤمن بأنّه لن يخيبّ رجاءك به ؟؟
أقسم ابن تيمية رحمه الله سبعين مرّة على هزيمة التتار في الشام فكانوا يقولون: له قل إن شاء الله فيجيب إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً .. لأنّه كان واثقاً بالله متوكلاً عليه وصدق فيه قول القائل :
وإني لأدعو الله حتى كأنني *** أرى بجميل الظن ما الله صانع
ألم يأت في الحديث الصحيح "أنا عندي ظنّ عبدي بي فليظنَّ بي ما شاء"
قيل : إنّ أحد الأولياء حمل متاعه وطعامه وشرابه ورحل إلى الحجّ وهو في الطريق على دابتّه في الصحراء وجد رجلاً يسير على قدميه بلا زادٍ ولا متاعٍ ولا ماء فقال له العبد الصالح : إلى أين يا عبد الله ؟ فقال الرجل إنّي أقصد الحجّ .. فقال العبد مستغرباً : بلا ماء ولا زاد ولا راحلة ؟ فقال الرجل : إنّي قصدت بيته ولن يضيّعني أبداً .. وتركه العبد الصالح وهو موقن أنّ الرجل هالكٌ لا محالة في هذه الصحراء الموحشة , ووصل العبد الصالح إلى البيت الحرام وهو في طوافه نظر فوجد الرجل صاحب الصحراء .. ولما رآه ذلك الرجل نظر إليه وقال له : يا ضعيف اليقين ألم يبلغنّي الله بيته ؟ نعم بذلك الإيمان وبُحسن التوكّل على العلاّم انتصر رجالٌ في غابر الزمان وإن أردنا المجد والأمان فعلينا التوكل على العزيز الرحمن من غير شكّ ولا شرك مُضلاّن عندها ننال رضى الحنّان المنّان ونستحق نصر ذي الجلال والإكرام
ليكن شعارنا في كلّ وقت وآنْ "يا الله ليس لنا سواك يا الله " .. شعاراً صادقاً لا كذباً ينطق به اللسان نابعاً من قلبٍ مليءٍ بالإطمئنان .. غير متعلقٍ بذي جاهٍ أو سلطان من بني الإنسان
كلماتٌ لعلّي من أكثر النّاس حاجة إليها لكنّني أحببت أن أشارك بها إخوةً لي وأخوات وجدت في قلوبهم بعض اليأس والإحباط نتيجة ما يحدث من تأمرِ وتخاذلِ من حولنا .. كلماتُ أرجو الله أن تكون البلسم لتلك القلوب المحبطة وتلك الصدور المثقلة باليأس لأنّها ظنّت النصر من البشر ولم تعلّق قلبها بربّ البشر .. وأخيراً .. لنقرأ هذه الآيات وكأننا ما قرأناها من قبل .....
(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِين)
" وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ "
"إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً"
"وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِين"
وأخيراً والله وتالله وبالله وأيم الله لتنتصرنَّ بلاد الشام وليسقطنّ طاغية دمشق شاء من شاء وأبى من أبى وماذلك على الله بعزيز إنّما صبر ساعة والفجر قادمٌ بعد ظلام الليل والأيام القادمة حُبلى وستلد بعون الله فجر الحرية القادم لبلاد الشآم.