حكم دفع الزكاة لمنكوبي الشعب السوري

د. عامر أبو سلامة

يسأل بعض الإخوة, عن حكم دفع الزكاة, للمنكوبين من أبناء الشعب السوري, هل هذا جائز, أم أنه لا يجوز؟

نقول بعد حمد الله تعالى, والصلاة والسلام على رسوله الأمين, وآله الأكرمين, وصحابته أجمعين, وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين:

الشعب السوري يمر بمحنة كبيرة, وتحل به كارثة ضخمة, وإن مصاب هذا الشعب أليم, وجرحه عميق, آهات وأنات في كل بيت, شهداء وجرحى في كل مدينة وقرية, معتقلون بالألوف, مشردون ونازحون لا يحصون عدداً, أيتام وأرامل, منكوبون وكثير(خربت بيوتهم).

ذلك أن هذا الشعب, قام ليؤدي واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والنصح والتغيير, وقول الحق عند سلطان جائر, ورأى أن هذا النظام المجرم لابد من الوقوف في وجهه, نصرة للحق, وإبطالاً للباطل, وهذه المسائل من الواجبات الشرعية, التي جعلها هؤلاء الإخوة على عاتقهم, ونهضوا بواجب القيام بها, كل ذلك بالطرق السلمية, وكان شعارهم الأساس في هذا الشأن, سلمية هذه الثورة, ورفضوا ماعدا هذا, خرجوا إلى الشوارع متظاهرين, وفي الميادين معتصمين, وللشعارات مرددين, وللمبادئ التي يريدونها يهتفون.

إلاّ أن النظام الفاجر, الذي اعتاد القهر والظلم والقمع, لم يرق له هذا الحراك المبارك, فقابله بالحديد والنار, قتلاً وتنكيلاً وتعذيباً, لهؤلاء السلميين, الذين خرجوا بصدور عارية.

أدخل النظام الفاجر دباباته وآلته العسكرية, إلى المدن والقرى, وارتكب جرائم وفظائع في حق هذا الشعب الأعزل, لم يرحم صغيراً, ولم يقدر كبيراً, ولم يفرق بين ذكر وأنثى, بل مارس عمليات اجتثاث بكل ما تحمل الكلمة من معنى, فالوضع العام يحكي قصة مأساة شعب, على يد نظامه الفاجر المجرم, الذي لا يعرف قيمة من قيم السماء والأرض, يلتزم بها ويعمل على ضوئها, فلا هم له إلاً كيف يبقى على كرسي الحكم, لينهب أكثر, ويمارس الفجور بكل مفرداته, ومنها تكميم الأفواه, وسجن الأحرار, وتعذيب الأبرار, وقتل الأخيار, وتشريد الثوار.

لذا يا أيها الإخوة الكرام في كل مكان, يجب علينا أن نقوم بواجب النصرة لهؤلاء الإخوة الذين يقومون بهذا الواجب العظيم في التصدي لهذا النظام المجرم, وأن نعينهم ولو بدرهم من أجل تجاوز هذه المحنة التي هم فيها.

يقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) [المائدة] ولاشك أن دفع زكاة مالك لهذا الشعب المنكوب, من أعظم أبواب البر, وأوسع أبواب التقوى. وفي الحديث المتفق عليه, عن زيد بن خالد الجهني- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (من جهز غازياً في سبيل الله, فقد غزا, ومن خلف غازياً في أهله بخير, فقد غزا).

والمسلم أخو المسلم, فلا يخذله, ولا يسلمه, ويجب عليه أن ينصره, ومثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتناصرهم وتعاطفهم, مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى, كما جاء في الحديث المتفق عليه, من حديث النعمان بن بشير- رضي الله عنه.

وهاهم إخوانكم في سورية, يعانون ما يعانون على يد هذا النظام المجرم, فأين المدد الإسلامي, لنصرتهم والوقوف إلى جانبهم في نكبتهم؟؟؟!!!!

وبناء على ما تقدم, فإنه يجوز دفع الزكاة, لشعب سورية المنكوب, لأن إغاثتهم واجب شرعي, وضرورة إنسانية, ورحمتهم لازم ضروري (ومن لا يرحم الناس, لا يرحمه الله) كما جاء في الحديث المتفق على صحته.

يقول الله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله) [التوبة]

وإخوانكم أبناء الشعب السوري المنكوب, فيهم أُسَرُ الشهداء- رحمهم الله- الذين تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً, ونساء, فهؤلاء يدخلون في صنف الفقراء والمساكين, وفيهم أسر المعتقلين الذين لا يجدون ما يسد الرمق, يدخلون قطعاً في هذا الصنف, وفيهم المشردون والنازحون الذين انقطعوا عن أهليهم وأموالهم, فيدخلون في أكثر من صنف في الآية الكريمة, وفيهم الذين أحرقت منازلهم ومحالهم ودكاكينهم, فما عادوا يملكون شيئاً, ومنهم الذين يطاردهم الشبيحة, فترك أهله وعمله فيحتاج إلى إغاثة, فآية الزكاة تشمله, ومنهم من يشمله قوله تعالى: (وفي سبيل الله) إن أخذناها على مذهب جمهور العلماء, تنطبق عليهم, إذ هم في جهاد سلمي, لكن فيه آلام وجراح, وإن أخذنا بقول بعض العلماء في توسيع مفهوم وفقه (وفي سبيل الله) فإنا نجد بغيتنا في هذا المقام فيسعنا حتى ندخل فيه كثير من الحالات التي تنتظم المفرغين لعمل الثورة, وما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب.

فابذلوا أيها المسلمون زكاة أموالكم, لشعب سورية المنكوب, ولكم الأجر والثواب- بإذن الله تعالى- ادفعوا الزكاة لأبناء الشهداء وللأرامل والثكالى, ادفعوا زكاتكم لأبناء المعتقلين, ادفعوا زكاتكم للأيتام, ادفعوا زكاة أموالكم لنصرة الحق, ادفعوا زكاة أموالكم لدفع الظلم, ادفعوا زكاة أموالكم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ادفعوا زكاة أمولكم للمشردين, ادفعوا زكاة أموالكم للذين صاروا يفترشون الأرض, ويلتحفون السماء, ويعيشون بالعراء, ادفعوا زكاة أموالكم, لشعب تسلط عليه الآلة العسكرية فتحرق الأخضر واليابس, ادفعوا زكاة أموالكم للجرحى, ولتأمين العلاج, وقد حرمهم النظام من هذا, فأغلق المستشفيات, وصارت المساجد دور علاج. الله...الله في إخوانكم, فإن الله سائلكم عنهم يوم القيامة, ماذا قدمتم لهم؟؟

بل نقول: يجب إعطاء المنكوبين في سورية, من المال ما يغطي حاجات المحنة التي هم فيها, ومن كل الجوانب, ولا نقتصر على الزكاة فحسب,

واعلموا أن الله يعوضكم ويخلفكم خيراً مما قدمتم, قال تعالى: (وما أنفقتم من خير فهو يخلفه) [ سبأ]

وفي صحيح مسلم, من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (ما نقصت صدقة من مال)

وفي الحديث المتفق عليه, عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : (ما من يوم يصبح فيه العباد, إلاّ ملكان ينزلان, فيقول أحدهما: اللّهم أعط منفقاً خلفاً, ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً)

ولا يستقلنّ المرء ما يبذل, ودرهم سبق ألف درهم, وفي الحديث المتفق عليه, عن عدي بن حاتم- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: (اتقوا النار ولو بشق تمرة).

والحمد لله رب العالمين.