المقامة السّحَريّة
صالح أحمد
الجو صافٍ، والنّسيم يعيش لحظات من السّلام مع كل ما في الكون، يهب طريّا نديّا في ابتهال، يداعب كل شيء في طريقه بسكينة؛ كأنما يدعوه لمشاركته التسبيح في وقار وخشوع... والليل يستلقي على حافة الوجود، يميس ميس الواقف على حرف... قليلا ويغادر مُخليا مكانه لخيوط فجر جديد، فجر يبزغ مع صوت النّداء الخالد "الله أكبر... أشهد أن لا إله إلا الله..."
الكل في الـكل في نجوى الـروح تـغمُرُنا رحـمـاك فاقبلنا يـا ربِّ وانظُرنا وعـلى نَوازِعنا | تسبيح لـلـواحد يـا عالم الأسرار لا حُجبَ لا أستار يـا فالق الأنوار أعـمارنا أعذار فانصرنا يا جبّار | الغفار
كلّ السّر فاشٍ سوى سرّ الجذبة في طريق النّور... إنه سرّ اتصال الرّوح بالرّوح... صدى عطش القلوب إلى موارد الرّحمات، ولهفة القلب المحموم إلى الرّحيق المختوم... صرخة المنى الأغلى... "بل الرّفيق الأعلى؛ بل الرّفيق الأعلى"... والحال في اتصال...
الـكـون ليلٌ يجتاح روحي شوق يـعـلـو ويجذبها تـسـمو مقاصِدُها يـا قـلـبَ دُلجَتِنا | داجوالـحبّ بحرٌ شوقٌ طغى أمواج لـتظلّ في معراج فـوق الدّنا أبراج القربُ فيك سِراج | ساج
في السّحَرِ لا يستوون:
غارقٌ ومفارق... النّوم يأكل ذا.. والشّوق يضني ذاك... والبقايا عوالق..
يـا غافلا والموت الـنومُ موتٌ ليس يَرغَبُهُ طـيـنٌ هباءٌ ذي عوالقُها | يطلبهالـكلّ ماضٍ والدّنا إلا غـريبٌ في الدّنا شَبَحُ عشاقُها هانوا بما اجترَحوا | سَبَحُ
لا يستوون..
عاشقٌ أدلج... وغارقٌ لجّ... عاشقٌ اتخذّ الليل بحرا والدّعاء سفينا، والرّجاء ساحلا وسكنا... وغارقٌ اتخذ الليل لهوا... والمعاش هوى، واللذائذُ مهوى...
لا يستوون..
عاشقٌ اتخذ من السَّحَرِ شاهدا يبثه أسرار شوقه لمولاه... وتوقه لعلاه... ويقينه بتحقيق رجاه... وغارق اتخذ من السّحَرِ وعاءً لهواه.. وستارا لما جنت يداه... وجرحا ينزف أيامه ورُؤاه...
لا يستوون:
من قصده النّورُ
وليله القربُ
وعيشه الحبّ
ودعاؤه الطبّ
رجاه لن يبور
###
والعابثُ الغَرور
من ليله اللّعِبُ
وعيشه النّصَبُ
ودعاؤُهُ العَتَبُ
رجاهُ في ثُبور
في السّحَر... حيث يصحو الكون على تسابيح الخلق: النّجم والشّجر... الغيم والقمر... الموج والنّسيم... وكلّ عاشق حكيم... وعابد حليم... يقوم في وقار... يسبح الجبّار... أملهُ الوصل، والقربُ والقبول، في رحمة المولى، في جنة المأوى، جزاء المخبتين، في صادق النجوى...
في السّحر.. تفتح الأبواب.. وتُهَيَّأ الأعتاب... لقاصد الثّواب... تَسَربَلَ الدُّجى... دامِعَ العيون.. والرّوحُ في حنين... لجنة التائبين...
في السّحر... دربٌ لكل قاصد، فتحٌ لكل عابد، نورٌ لكل مريد...
في السّحر:
روح بـيـتٌ وأركـانُ كـأسٌ وولـدانُ والله رحــمـانُ | وريـحـانُفي بهجةٍ مـحـفوفةٌ بالنور والطاهرات الحور مـزيـده مذخور | وحبور