إنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ
الشيخ عبد العزيز رجب
بعد حمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله ،اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد ،وعلى آله وصحبه ومن والاه،وبعد
فما رأيناه منذ أيام من حبس نظام مبارك وأعوانه ،ومن قبله نظام زين العابدين بن علي ،والدور على بقية الطغاة والظالمين ،أصاب الإنسان بالتعجب والدهشة ،ولم يملك نفسه إلا أن يقول سبحان الله المقتدر الجبار الغالب على أمره الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ،فهو القاهر فوق عبادة .
فمن كان يظن أو يحلم أن هذا سيحدث في يوم من الأيام ،لكنها قدرة الله ،إنها آية من آيات الله تتجلى على عبادة ليعلموا أن الله على كل شيء قدير ،وأن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ،وكيف أن الله يمهل الظالمين ،ولكنه لا يهملهم ،فإذا أخذهم لم يفلتهم ،أو كما قال الله تعالى : {وأملي لهم إن كيدي متين }[ الأعراف (183) ] .
وما روى عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله ليملي للظالم ، فإذا أخذه لم يفلته " ، ثم قرأ : ? وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ? [ هود (102) ] متفق عليه .
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن لماذا انتقم الله منهم وعجل بعقابهم فى الدنيا ؟وجعلهم عبرة لمن اعتبر؟
لأنهم ظلموا كثيرا وطغوا تجبروا كثيرا ،ونسوا أن الله عزيز ذو انتقام ؟
إنها دعوة المظلومين وما أكثرهم ،ودعوة الأرامل الذين فقدوا أزواجهم إما في غياهب السجون ظلما ،وإما موتا من الأمراض التي كانوا سببا في جلبها للبلاد ،أو الموت من الفقر الذي أحدثوه في مصرنا العزيزة .
نسوا أن دعوة المظلوم لا ترد ،وأن الله سينتصر لها ولو بعد حين ،فقد جاء عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " واتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب، يرفعها الله فوق الغمام، يقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين".متفق عليه
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا * * * فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبه * * * يدعو عليك وعين الله لم تنم
وما نهاية الظالمين عنا ببعيد ،فقد دخل ابن بقية الوالي العباسي الظالم على عبد صالح فلطمه لطمة شديدة على وجهه فقام العبد الصالح وقال: لأردن عليك بسهام الليل. قال: اذهب أنت وسهامك فقام العبد الصالح في الليل والليل ظلام، والناس نيام، يرفع دعاءه وشكواه إلى من يسمع دبيب النملة السوداء تحت الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، يقول: يا رب إن ابن بقية لطمني وأنت تعلم أنه لطمني، اللهم كما لطمني بيده فقطعها له في الدنيا يا رب العالمين. وما كانت إلا أيام معدودة، وهجم القاهر العباسي على هذا البلد فاستولى عليه وقتل وأسر، وأخذ الوالي فقتله وقطع يده وعلقها على باب المدينة، فمر به العبد الصالح فخر لله ساجدًا.
وهذا سعيد بن زيد الصحابي المبشر بالجنة تتهمه أروى بنت أويس أنه سلب جزءً من أرضها ظلمًا – وكانت كاذبة – ورفعت الأمر إلى والي المدينة مروان بن الحكم فاستدعاه وسأله، فقال: كيف وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا طوقه إلى سبع أرضين" فصدقه مروان وصرفه لكن المرأة لم تسكت عنه، وراحت تشيع حوله الشائعات، فلم يجد بُداً إلا أن يدعو الله ويقول: [اللهم إن كانت كاذبة فاعمي بصرها، واقتلها في أرضها] وفي رواية: [واجعل قبرها في دارها] فعمي بصرها وكانت تقول: أصابتني دعوة سعيد وبينما هي تمشي في دارها تتلمس الجدران إذ سقطت في بئر لها فكانت البئر قبرها.
لم يتعلموا ممن سبقهم من الظالمين والطغاة والسفاكين فأصابهم مثل ما أصابهم وما هى من الظالمين ببعيد: قال تعالي:{أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)} (الفجر).
فهذه وإن كانت آية في الظالمين أرانا الله إياها ليدرك هؤلاء الطغاة أن الله وحده هو المنتقم الجبار القوى العزيز المتعال ،وأنه على كل شيء قدير ، فهي كذلك آية لنا لنعتبر مما حدث ،ولا نغتر بالدنيا ،ولا نظلم أحدا أبدا ،كما قال سبحانه { فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى (26)} [النازعات : 26،25]
ولتتعلق قلوبنا بالله وحده ،فهو الناصر والمعين ،وهو النافع والضار ،والمعطى والمقتدر وهو على كل شيء قدير، فتعلقوا بالله وحده ولا تتعلقوا بأحد سواه.
فهذه قصة ابنة العابد العالم حاتم الأصم – رحمه الله – أراد أن يخرج للحج فقالت: يا أبت اخرج فلست برازق، فخرج، ومرت بهم الليالي والأيام، وأوشك المال والطعام على النفاذ، وقامت الأم وأولادها يوبخون هذه البنت ويتهموها أنها السبب في خروجه، فقامت باكية تدعو ربها سبحانه وتعالى أن يفرج الكرب وأن يزيل الهم، فما أن انتهت من صلاتها ودعائها حتى طرقهم أمير البلد الذي مر ببابهم يطلب الماء البارد فلما شرب منه أحس كأن الماء ليس من ماء الدنيا وكأنه من مياه الجنة، فأخرج كيسًا فيه دنانير ذهبية وقال لمن معه: من أحبني فليضع في الإناء مثل ما وضعت، ودخل الإناء على أهل الدار مملوء بالدنانير الذهبية، ففرح الجميع وسعدوا أما الفتاة فراحت تبكي بكاء شديدًا، فاندهشوا لحالها وسألوها ما الذي يبكيك قالت: أماه، اخوتاه: نظر مخلوق إلينا فاستغنينا فكيف لو نظر الخالق إلينا.
نسأل الله –عزوجل- أن يتم علينا النصر ،وأن يجنبنا الظلم والطغيان ما ظهر منه ولا بطن ،وأن يأخذ بأيدينا إليه أخذ الكرام لديه ،وأن يجعل بلدنا وسائر بلاد المسلمين أمنا وأمانا ورخاء واستقرارا .اللهم آمين يا رب العالمين
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم