الإحسان ومكانته
رضوان سلمان حمدان
الإحسانُ خلقٌ كريم وعمل من أفضل الأعمال، بل مرتبةُ الإحسان في الدّين هي أعلى المراتب، فللإسلام مراتبُه الثلاث: الإسلام والإيمان والإحسان، فالإحسان أعلى مراتِب الإيمان، أمر الله به فقال: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)﴾ ]البقرة[، ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ ]القصص: من الآية 77[، جاء في القرآنِ بيانُ فضلِ المحسنين، وأنّ الله أحاطهم بعنايته وأيّدهم بنصره، فأخبر جلّ وعلا أنّه مع المحسنين: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)﴾ ]النحل[، معيّةٌ خاصّة تقتضي هدايتَهم وعونَهم وأن يمدَّهم بنصرٍ منه وتأييد، وأيضًا جاء في القرآن بيانُ حال المحسنين، وأنّ الإحسانَ سببٌ ينقذ الله به العبدَ من المهالك، فيجعلُ له من كلّ همٍّ فرجًا، ومن كلّ ضيق مخرجًا، ومن كلّ بلاءٍ عافية، ويخلّص مِن مكر أعدائه، الإحسانُ خلقٌ يكتسِب أهلُه الثناءَ من الله ثم الثناءَ من عباده، وقال عن موسى وهارون: ﴿سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122)﴾ ]الصافات[.
مواضع الإحسان:
الإحسانُ في الصلاة أداءُ أركانِها وواجباتِها واستكمالُها بأداء سننِها، أداؤها في الوقتِ الذي أوجب الله أن تؤدّى فيه، أداؤها في المسجِد والجماعة، فكلّ هذا من إحسان العبادةِ لله: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)﴾ ]الذاريات[.
والإحسانُ في الزكاة إخراجُها وإحصاؤها وإيصالُها إلى مستحقّيها قال الله: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)﴾ ]المعارج[.
والإحسان فيما بين العبد وبين عباد الله، فقد أوجب الله على المسلم الإحسان إلى الوالدين: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ ]الإسراء: من الآية 23[ بالإحسان للرّحم بصلتها كما أمر الله به، والرغّبة بالإحسان إلى الجيران والإحسان إلى المساكين والإحسان إلى الأيتام والإحسان إلى الأرامل، فكلّ ذلك من المعروفِ الذي ينال المسلم ثوابَه يومَ قدومِه على الله. بَل أمرنا نبيّنا بالإحسان حتّى للبهائم، يقول: "دخلَت امرأة النارَ في هرّة؛ لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خَشاش الأرض" ]رواه البخاري[.
الإحسان إلى الأولادِ بتربيتهم على الخير وبتوجيهِهم لطرقِ الهدى، وحملهم على الأخلاقِ الفاضلة، والنأيِ بهم عن كلّ الأعمال الرذيلة والرديئة، نحسِن إليهم بالإنفاق عليهم، ونحسِن إليهم بتزويجهم وإحصانِهِم عمّا حرّم الله عليهم، نحسِن إلى الزّوجة بالإحسان إليها ومعاشرتِها بالمعروف، بل قد أمَر الله المسلمَ أن يكونَ إحسانه لامرأته حتّى في فراقها: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ ]البقرة[.
ومن نماذج الإحسان الإحسان في التحية يقول تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ (النساء: من الآية 86).