رسالة إلي حبيبتي
خليل الجبالي
حضر إلي مكتبي ذات صباح ، واشتكي لي نفسه بجفاء الزمان له ، وكثرة الأعباء عليه، وكبر سنه في الدنيا بعد العناء فيها.
اشتكي لي غربته وهو بين يدي زوجته، وكيف تسير الحياة روتينية، جافة ، صماء ، صامتة إلا من حاجيات الدنيا العادية والضرورية.
فنظرت في عينيه فوجدت وحشة من الحب والحنان ولم أجد بين جانبيه الأنس والود ، شعرت أنه يفقدهم في تعامله، كما أنه يفتقدهم في تعاملات زوجته له، فمشاغل الدنيا جسام، وأعباءها ثقال ، وكل من الزوجين يرمي بالتبعة علي الآخر ، لأن كلاً منهما يشعر أن لديه مهام لابد أن يقوم بها وليس لديه الوقت، ويكأن الحب والود ليس من ضمن مسئولياتهم!.
فأردت أن أخرجه مما هو فيه، فسحبت أطراف الحديث منه إلي ما هو ألطف من ذلك فقلت له:
هلا أرسلت رسالة حب إلي زوجتك عبر المحمول؟
فقال مستغرباً : إنها ليست عشيقتي حتي أراسلها!.
فقلت أيوجد هناك أفضل من الزوجة أن تكون عشيقة؟
فقال : لقد كبر سننا علي الحب ءأراسلها كالحبيبة؟!.
فقلت: وهل الزوجة أقل من أن تكون حبيبة؟!.
أليست من اختارها عقلك شريكة حياتك؟
قال: نعم
أليست من خفق قلبك لها حباً ؟
قال : نعم
قلت له : أتحب أن تكون بيدك عصى سحرية،
تلين بها قلب زوجتك، وتفتح بها عقلها لمتطلباتك،
وتفرش لك الأرض ورداً عند قدومك، وتودعك عبيراً عند رواحك.
فهز رأسه منسجماً للكلام، وسابحاً في ماضي الغرام، ومنتظراً لمزيد من الأحلام .
فقلت له : ليتنا نتعلم من حبيبنا محمد صل الله عليه وسلم حلو الكلام، ولغة الحوار وكيف كان يتعامل حباً مع زوجاته، وليناً في جانبه لهن عند العسرات أوضيق المقال.
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة: أنى لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت عنى غضبى.. أما إذا كنت عنى راضية فإنك تقولين لا ورب محمد.. وإذا كنت عني غضبى قلت: لا ورب إبراهيم؟؟ رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً لعائشة في حديث أم زرع الطويل والذي رواه البخاري: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع" أي أنا لك كأبي زرع في الوفاء والمحبة فقالت عائشة بأبي وأمي لأنت خير لي من أبي زرع لأم زرع!!
هل أدركت يا عزيزي قيمة الكلمة التي كان يتحسسها رسول الله صل الله عليه وسلم في التعامل مع أهله.
كيف بك لو سمعت صوت رسالة وصلت جوالك من صديق حميم ؟
فقال : أكون مسروراً وفرحاً.
فقلت له : ولما لا تجعل زوجتك في فرح وسرور.
فتبسم منشرحاً الصدر، مدركاً لمقصد حواري معه.
قلت له :هل سمعت حديثاً لرسول الله يقول : الكلمة الطيبة صدقة؟
فقال : نعم، صدق رسول الله صل الله عليه وسلم.
فقلت أليس هناك أطيب من كلمة طيبة ترسلها إلي أهلك لا تكلفك وقتاً ولا جهداً.
ألا ترسل لها رسالة حب تحتوي علي كلمة واحدة!
أو عبارة بسيطة لن تجهد ذهنك في ترتيبها، فقط أكتب ما يجول في خاطرك لها من حب وود.
لماذا يا عزيزي نراسل غيرنا ونبخل علي أنفسنا.
ألم يكفنا قول الحبيب محمد صل الله عليه وسلم : (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي )الراوي: عائشة المحدث: ابن جرير الطبري - المصدر: مسند عمر .
فقام ضاحكاً من مكانه، مستبشراً بالحديث ، قائلاً وهو ينطلق : سأفعلها ، إن شاء الله سأفعلها وأرسل لها رسالة حب.