في حب الله (12)

عبد المعز الحصري

[email protected]

أهل الحجاب عن الفهم عن الله تعالى

اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم والوهن وأكرمنا اللهم بنور الفهم وافتح علينا بمعرفة العلم و حسن أخلاقنا بالحلم و سهل لنا أبواب فضلك وانشر علينا من خزائن رحمتك واجعلنا هداة مهديين لاضآلين ولامضلين برحمتك  يا ارحم الراحمين ،

اعلم أخي المؤمن أنّ هناك حجب تسعة بين كثير من المسلمين  وربهم ويزيد عليم أهل المغضوب عليهم والضآلين الحجاب العاشر ألا وهو الكفر( اوالشرك  ) ونعوذ بالله ان يدركنا "  اللهم إني أعوذ بك من أن أشرك بك شيئا أعلمه ، وأستغفرك لما لا أعلمه " الحديث .

إن كنت لا تدري أنك في حجاب عن الفهم عن الله فتلك مصيبة وإن كنت تدري وأنت راض فالمصيبة أعظم .

كيف تدخل على الحضرة الإلهية – في صلاتك - وأنت لم تنو خلع حجب تسعة لبستك من فكرك –  بل من مفرق رأسك - حتى أخمص قدميك ،  فجعلت غشاوة على عينيك ورانا على قلبك وذنوبا بين يديك ورجليك لم تغسلهما بماء التوبة النصوح ،

 قل لي بربك كيف يسجد قلبك أو تخشع جوارحك وهذا حالك ،  بل أين فلاحك ونجاحك  مع قوله تعالى  "  قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)  " ، سورة المؤمنون   أما علمت أخي – هداني الله وايّاك – أنّه اذا سجد القلب فلا يرفع الا برؤية أهل الجنة وهم يتزاورون  وتصبح بمنزلة الاحسان " أعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك؟.. " الحديث

 وانظر الى صدقك مع الله وأنت واقف بين يديه  " إياك نعبد وإياك نستعين "

صدق القائل : إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وان كنت تدري فالمصيبة أعظم

قال حذيفة بن اليمان  رضي الله عنه  :  ( كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر  مخافة أن يدركني) .

و في رواية للأحنف بن قيس انه قال: قال الخليل بن أحمد: الناس أربعة:

رجل يدري ويدري انه يدري فذاك عالم فخذوا عنه

ورجل يدري وهو لا يدري انه يدري فذاك ناس فذكروه

ورجل لا يدري وهو يدري انه لا يدري فذاك طالب فعلموه

 ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذاك أحمق فارفضوه

نستفيد مما سبق أنه لابد لذي لب أن يعرف أنه من أهل الحجاب أم لا  لاسيما أن الله تعالى بين له طريق الخير وطريق الشر لقوله تعالى : (( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ )) البلد:10 ،

وقد يكون الرجل من أهل الحجاب وهو لايدري ولايدري أنه لايدري فتلك الطامة الكبرى عليه وعلى أهل بيته – لأنه قدوتهم -  ان لم يدرك نفسه ولم يؤدبها الادب النبوي الرفيع ويحاسب نفسه على الكلمة والهمز واللمز والا قد ترجع عليه اللعنات وهو لايدري .

قلت : أهل الحجاب كل من لم يخلص في عمله " أو نيته "  ولم يوافق عمله " أو نيته"   سنة     النبي صلى الله عليه وسلم
لاشك أنّ الكفار هم أهل الحجاب عن الفهم عن الله – بسبب الكفر أو الشرك  - في الدنيا وهم محجوبون عن  رؤية الله تعالى في الآخرة  لقوله تعالى" كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون "  الآية 15 المطففين   ،
 والذي يخص موضوعنا هو أهل الإيمان ولهم تسعة حجب تحجبهم عن الفهم عن الله واليك سيدي الحجب العشرة " واذكرك بأن حجاب الشرك أو الكفر يخص أهل المغضوب عليهم والضآلين "
الحجب العشرة بين العبد وربه لابن قيم الجوزية :
1- الجهل بالله
2- البدعة
3 - حجاب أهل  الكبائر الباطنة : مثل الكبر والغرور...
4- حجاب أهل الكبائر الظاهرة : قد تكون هناك معصية صغيرة فتكبر بعدة أشياء وهي ستة  ، كما يلي
أ-    الإصرار والمواظبة على الذنب .
ب-  استصغار الذنب .
ج-  السرور بالذنب  .     
د- ان يتهاون بستر الله عليه .
هـ -  أن يكون رأساً يقتدى من بعده .
ع- المجاهرة .
5  - حجاب أهل الصغائر.
6-  حجاب أهل الغفلة عن الله .
7-  حجاب أهل الفضلات والتوسع في المباحات .
8-  حجاب أهل العادات والتقاليد والأعراف .
9-  حجاب المجتهدين المنصرفين عن السير الى المقصود .
10- الشرك . 
ومعلوم بالضرورة أنّ المحسنين ليسوا من أهل الحجاب عن الفهم عن الله لأن الله نور بصيرتهم ووجوههم من أثر السجود كذلك كل من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان   ترى وجهه نضر الى ربه ناظر في الجنة .
سأل رسول الله صلي الله عليه وسلم حارثه ((كيف اصبحت يا حارثه)) فقال: الحمد لله...اصبحت مؤمنا حقا..قال الرسول _صلي الله عليه وسلم_ان لكل قول حقيقه...فما حقيقة ايمانك؟؟؟
قال:عزفت نفسي عن الدنيا ، فاستوى عندي ذهبها ومدرها وكأني أرى عرش ربي بارزا وكأني انظر الي اهل الجنه يتزاورون فيها والي اهل النار يتضاغنون فيها...من اجل ذلك (أظمأت نهاري وأسهرت ليلي)
قال الرسول _صلي الله عليه وسلم_((يا حارثه عرفت فالزم)) ثم نظر الي اصحابه وقال((عبد نور الله بالايمان قلبه)) .
وقد يكون أهل الحجاب ممن يأمر الناس وينسى نفسه " أتامرون الناس بالبر
وتنسون أنفسكم"  او ممن اضله  الله على علم ، فان أول من تسعر بهم النار ،
الشهيد والعالم والكريم أو الجواد .

أخرج الإمام مسلم في صحيحه:عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول الناس يقضى فيه يوم القيامة ثلاثة: رجل أستشهد ، فأتى به فعرفه نعمته فعرفها فقال: ما عملت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى قتلت. قال : كذبت ولكن قاتلت ليقال هو جرئ ، فقد قيل . ثم يأمر به فيسحب على وجهه حتى ألقي في النار.

ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القران ، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما عملت فيها ؟ قال : تعلمت فيك العلم وعلمته وقرأت فيك القران . فقال : كذبت ولكنك تعلمت ليقال هوعالم فقد قيل وقرأت القران ليقال :هو قارئ فقد قيل . ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.

ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله ، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال: ماعملت فيها ؟ فقال : ما تركت من سبيل تحب ان ينفق فيها إلا انفقت فيها لك.قال:كذبت ولكنك فعلت ليقال : هو جواد فقد قيل.ثم امر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.

وفي لفظ : فهؤلاء أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة.

صدق القائل : كل هم وذكر لغير الله فهو حجاب بينك وبين الله  . المرجع حال أهل الحقيقة مع الله  لسيدي أحمد الرفاعي ص77

سأل رجل يحيى بن معاذ الرازي  ما حجاب القلوب : قال الاستكفاء بالمربوب ، قيل وما العيش الجميل  قال  العيش مع الجليل . المرجع حال أهل الحقيقة مع الله  لسيدي أحمد الرفاعي ص 84

قلت :  اهل الحجاب عن الله : هو كل من اتبع هواه و نصب الاوثان  - أي الشهوات -   حول قلبه فسجدت جوارحه لها  فقد يرى المنكر معروفا والمعروف منكرا ،    بل قد يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف لأن فكره تشرب المحيط الفاسد الذي حوله لفساد في قلبه أولعاعة نالتها يداه ، وقد استلب فكره لشهواته وسولت له نفسه وزين له الشيطان سوء عمله وأضله الله على علم فانسلخ وشذّ بفكره عن الطريق المستقيم لمتاع زائل ناله من حطام الدنيا " علم أو مال ... "  فمال به – أوحجبه - هذا أو ذاك عن الفهم عن الله  ، وربما شغله الشيطان بالنعمة عن المنعم وهو لايدري أنه لايدري وهنا تصبح الامة في ضياع اذا كان أمثال  هذا – الذي يدّعي الفهم -  في موقع القيادة أو رب اسرة .... ولقد سمعت من سيدي الشيخ الدكتور محمد هشام البرهاني حفظه الله يقول " ضاعت الامة بشئيين العلم والادب " قلت أراد الشيخ – أكرمه الله وأعزه  -  ادّعاء العلم وقلة العلماء  وسوء الادب وهذين الامرين يوجبان الحجاب عن الفهم عن الله .

جاء في كتاب  حال أهل الحقيقة مع الله لسيدي أحمد الرفاعي رحمه الله ... قيل لسيدي منصور الرباني رضي الله عنه : بأي شيء يعرف العبد أنه غير محجوب من ربه  قال : اذا طلبه ولم يطلب منه ، وأراده ولم يرد منه ، وأن لايختار على اختياره شيئا ، وان اختار له النار ، وكل من ليس في قلبه سلطان الهيبة ، ونار المحبة وأنس  الصحبة فهو محجوب .

اللهم أتمم لنا نورنا وأصلح لنا  شأننا وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين واحشرنا في زمرة  العالمين العاملين  تحت لواء سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام  برحمتك يا أرحم الراحمين آمين .

سبحان  ربك رب العزة عما يصفون   ، وسلام على المرسلين  ، والحمد لله رب العالمين.