إنّما أشكو بَثِّى وحُزْنى إلى الله
نبيل جلهوم
منذ ومِنْ لَدُنْ أن خلق الله أبينا -أبو البشر- آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام , ومرورا بالأنبياء والصحابة والسلف الصالح ومن بعدهم وحتى يومنا , والحياة لا تخلو من كثير من المصائب والمحن التى قد تصيب هذا الكائن الآدمى ذلك الضعيف المسمى بالإنسان , فهذا يُبتلى فى إعاقة ولده ، وذاك فى ماله ، وهذا فى أمله , وهذا فى حاضره , وآخر فى وظيفته , وهذا فى بدنه , وهذا فى طموحه , وهذا فى دراسته , وذاك فى صحته ، وآخر فى راحة باله ، وآخر فى جيرانه , وآخر فى تعسر زواجه ، وهذا فى طلاقه ، وهذا فى رزقه , وهذا فى نفسيته , وآخر فى عقمه وحرمانه من الذرية ، وذاك فى فِراق أهله وعشيرته , وهذا فى خسارته مع تجارته , وآخر فى عقوق أبنائه وهكذا تتوالى وتتنوع المصائب والمحن .
فاللهم إن أردت بنا أو بأحد من خلقك بلاء أو فتنة فلا تجعلها فى ديننا ياأرحم الراحمين.
واقبضنا إليك غير خزايا ولامفتونين , موحّدين مؤمنين مسلمين وأمِتْنا على كلمة التوحيد ياعظيم.
وهنا ومع البلاء والإبتلاء لا يجد المرء المبتلى ولايمتلك سوى بثّ وشكوى يرفعها إلى ربه بكلتا يديه الضعيفتين وبقلبه المكلوم الذى أصبح لايتوقف توجعا وتألما فظل ينبض ألما وتوجعاً بدلا من أن ينبض فرحا وسعادة وحياة وسكينة , حتى أجهده وأضناه التعب وأعياه التفكير , بثٌُّ وشكوى لربه يرفعها لعلها تخفف عن نفسه وتسرّى عنه وعنها ، بثّ وشكوى لربه لعله يجدد بها روحه ، لعله يجد بها نفسه التى تاهت منه طويلا فظل تائهاً يبحث عنها , بث وشكوى لعله يحاكى بها ربه لعله يصل بها الى رحمته , لعلّه ولعلّه ولعلّه .
ولقد شاء المولى أن يبتلي عباده كى يسمع شكواهم إليه ، فتلك حكمته , فما الشكوى إليه إلا تحقيق لعبوديته.
وفي سير الأنبياء والصحابة دروس للمصابين وهم يشكون ما أصابهم إلى ربهم فتكون عاقبة شكواهم سكون القلب وتفريج الكرب وزوال الغُمّة و إغاثة النفس واستشعار معية ربانية لايرتاح المبتلى إلا فى ظلالها .
فاللهم ،، إنا قد إلتجأنا إليك ، وبك اعتصمنا ، وعليك توكلنا ، وإلى ركنك آوينا , لا فارج لهمنا ولا كاشف لبلوانا سواك ياربى ويارب كل شيء ومليكه لا إله إلا أنت ، ياصاحب الركن الشديد أشهدك أنى قد آويت ولجأت الى ركنك الشديد فارزقنى حسن البثّ اليك والشكاية ولاتحرمنى منك حسن الإجابة والمظلّة والرعاية والستر و الكفاية , واصرفنى ربى عن كل مافيه من الشيطان إغواء وغِواية , فأنا الضعيف الذى لاأملك حولا ولاقوة إلا بك .
رُدّنى إليك ردا جميلا ، وانسج لى حبلا جديداً من جميل حبالك الربانية لا أفارقه , أتعلّق به وأمسك واعتصم وألٌفَّهُ على روحى ونفسى لفّاً فأتحّصن به وأصُدَّ كل تعب ونصب وحزن , ياصاحب كل نجوى ويا أنيس كل مكلوم , اللهم وإن تكالبت الدنيا ومن فيها على عبدٍ لك من عبادك فلم يجد الراحة ولم يهنأ بالسعادة ولم يصل الى ماكان يصبو اليه ويأمل , فاللهم اليك البثّ والشكوى وعليك المستند ولك التفويض , ارزقنا والمسلمين هذا الحبل الربانى المتين من عندك , واجعل اللهم أوله عندك وآخره عندى واشدده شدا جميلا فلا ينفرط حتى مماتى، وامنن علىّ والمسلمين بفضل منك ورحمة مَنّاً كثيرا , وأنزل رحمة من رحمتك وكرما من كرمك وحفظا من حفظك وهداية من هدايتك وتيسيرا من تيسيرك وكفاية من كفايتك ، فلا يكن لأحد بعدك سلطانٌُ علىّ حتى ألقاك وأنت عنى راضٍ ياصاحب الرضا وياعظيم الفضل وياكثير الجود والكرم.
إذا أرهقتك هموم الحياة ومسّك منها عظيم الضرر
وذقت الأمرين حتى بكيت وضج فؤادك حتى انفجر
وسدت بوجهك كل الدروب وأوشكت تسقط بين الحفر
فيمّم وقُمْ إلى الله في لهفة وبُثَّ الشكاة لرب البشر
رب ، إليك بثى وإليك حزنى :.
ربى إنى أشكو إليك حالى وأشكو لك منى.
فكن يارباه سندى وعونى.
وباعد بين هوى نفسى وبينى.
وتبْ علىّ من سوء التمنّى.
رباه ألا تعفو؟ ألا تصفح مولاى عنى؟
ألم تكن مولاى دوما بى رؤوفا ؟
ومن قبل دوما عند حسن ظنى؟
رب ، إليك بثى وإليك حزنى :.
ربى صرت أحمل همى فى قلبى.
و لن أبوح به إلا إليك ربى.
ولن أشكو ولن أجزع.
وكيف ذاك وأنت حسبى !!
ألست أنت بكافى أمرى ؟
ألست أنت خلقت نفسى؟
ألست أنت ألست ربى؟
رب ، إليك بثى وإليك حزنى :.
ربى إن لم تُصبّرنى وتُصيّرنى مع من يدعونك بالغداة والعشى ..
يريدون وجهك لا تعد دوما عيناهم عنك ..
لا يريدون الحياة الدنيا وزينتها.
فإلى من ترسلنى ؟ وإلى أى مكان تُصيّرنى وبرفقة من ستؤينى وتجعلنى ؟
ربى إن أنا تركت عيناى تعدُ عنك وعن طاعتك وتبتعد.
فإلى من أعُدْ وإلى من أتقرّب وإلى من أقدّم له طاعتى؟
وأبعث إليه بأنينى وشكايتى وبثى وحزنى ؟
رب ، إليك بثى وإليك حزنى :.
ربى إن لم تخلصنى من زينة الحياة الدنيا.
فماذا تكون الزينة التى ستشغلنى بها عنك وعن جنتك؟
ربى إن جعلتنى ممن أغفلت قلبه عن ذكرك ..
فلمن يكون ذكرى وإبتهالى وخشوعى وتذللى؟
إلهى إن أنت أعرضتَّ عنى بوجهك الجليل ..
فمن له جلالٌُ كجلال وجه ربى؟
رب ، إليك بثى وإليك حزنى :.
ربى إن جعلتنى ممن اتّبع هواه ..
فحتى متى وإلى أى زمان ستتركنى لهواى متبعا ..
وله أكون خاضعا فأظل أتوه وأضل وأشقى وأتخبط.
رب إن جعلت أمورى كلها فرطا.
فمن يأخذ بيدى ليصلح الفرط ويهدينى الى مايرضيك عنى.
رب ، إليك بثى وإليك حزنى :.
ربى، وكل بنى آدم خطاء هكذا قال رسولى وقدوتى.
فارزقنى إستغفارا وتوبة تمحو ذلتى وبها يذهب همى وحزنى.
ربى أنت أكبر من تصاريف الحياة كلها.
وأنت ربى أكبر من تناهيد العناء كلها.
وأنت ربى أكبر من كل حزنٍ فى ضلوعى ساكنٌُ.
فإن لم يكن بك غضب علىّ ربى فلا أبالى ولن أبالى .
إلا أن عافيتك ورحمتك هى أوسع فاكتبها لى ربى.
رب ، إليك بثى وإليك حزنى:.
ربى قد أُصلى فجرى وفى الظهر فى لفّتى البيضاء يكون ثوبى ..
يصلون علىّ فى المسجد ثم يذهبوا بى حيث قبرى.
فاجعلنى فى ذمتك ربى دوما وزيّن بالسعادة باقى عمرى.
فكم من نفسٍ أصبحتْ صُبحها بعافيةٍ بها روح ونبضِ ..
ثم فى المساء وقد صارت في عداد الموتى فرحماك ربى..
فياغوثى لك أشكو فكن غوثى يامن أنت ربى .
رب ، إليك بثى وإليك حزنى:.
ربى إن بقيتُ وحدى لا أحد يسمعنى.
ربى إن بقيت وحدى لا أحد يطبطب على كتفى.
فمن يأخذ حزنى على محامل العطف ياسيدى.
رب إن صرخت من قمة قلبى وآآه من صراخ قلبى.
فمن غيرك يلطف بقلبى ..
ويسمع صيحتى وصرخى.
ربى إن جزعت من جرحى.
فكيف للنور أن يتسلل إلى روحى و قلبى.
وكيف للأمل أن أنير به حياتى أو أتلمس به دربى.
رب ، إليك بثى وإليك حزنى:.
إليك بثى إليك حزنى.
وإنى واثق بك ربى.
فليس يخيب بالله الرجاء.
وحاشا أن ترد لنا كفوفٌُ.
تعالى الله عن رد الدعاءِ.
تعالى الله عن رد الدعاءِ .