النداء الرابع والستون

رضوان سلمان حمدان

عليك صلاة ربك ما تجلى

ضياء واعتلى صوت الهداة

رضوان سلمان حمدان

[email protected]

{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } الأحزاب56

مدخل[1]

إمـام الـمرسلين فداك iiروحي
رسـول العالمين فداك عرضي
ويـا  علم الهدى يفديك iiعمري
ويـا  تـاج التقى تفديك iiنفسي
فـداك  الكون يا عطر iiالسجايا
فـلـو جـحد البرية منك iiقولا
وذكـرك يـا رسـول الله iiزاد
ومـا لـجنان عدن من iiطريق
ولـم  تنطق عن الأهواء iiيوماً
عـلـيك  صلاة ربك ما iiتجلى
يـحار اللفظ في نجواك iiعجزا
ولـو  سـفكت دمانا ما iiقضينا











وأرواح  الأئـمـة والـدعـاة
وأعـراض  الأحـبـة iiوالتقاة
ومـالـي  يـا نبي iiالمكرمات
ونـفس  أولي الرئاسة iiوالولاة
فـمـا لـلناس دونك من iiزكاة
لـكبوا  في الجحيم مع iiالعصاة
تـضـاء بـه أسـارير الحياة
بـغـيـر هـداك ياعلم iiالهداة
وروح القدس منك على صلات
ضـياء  واعتلى صوت iiالهداة
وفـي  الـقلب اتقاد iiالموريات
وفـاءك  والـحقوق iiالواجبات

] لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متحدث هذا العصر أن يصغي إلى ما يقال من أن دين الإسلام كذب وأن محمداً خداع مزور. وآن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة فإن الرسالة التي أداها ذلك الرسول ما زالت السراج المنير مدة اثني عشر قرناً لنحو مائتي مليون من الناس _ والعدد اليوم أكثر من مليار وثلاث مئة مليون _ أفكان أحدكم يظن أن هذه الرسالة التى عاش بها ومات عليها هذه الملايين الفائقة الحصر والإحصاء أكذوبة وخدعة؟!

أما انأ فلا أستطيع أن أرى هذا الرأي أبداً ولو أن الكذب والغش يروجان عند خلق الله هذا الرواج، ويصادفان منهم مثل هذا القبول،فما الناس إلا بله مجانين،فوا أسفا ! ما أضعف أهله وأحقهم بالرثاء والرحمة.

وبعد، فعلى من أراد أن يبلغ منزلة ما في علوم الكائنات ألا يصدق شيئا ألبته من أقوال أولئك السفهاء، فإنها نتائج جيل كفر، وعصر جحود وإلحاد، وهي دليل على خبث القلوب، وفساد الضمائر، وموت الأرواح في حياة الأبدان. ولعل العالم لم ير قط رأيا أكفر من هذا وألأم ؟

والله إن الرجل الكاذب لا يقدر أن يبني بيتا من الطوب، فهو إذا لم يكن عليماً بخصائص الجير والجص والتراب وما شاكل ذلك فما ذلك الذي يبنيه ببيت.. وليس جديراً أن يبقى على دعائمه اثني عشر قرناً يسكنه الملايين من الأنفس، ولكنه جدير أن تنهار أركانه، فينهدم، فكأنه لم يكن. وما الرسالة التي أداها إلا حق صراح، وما كلمته إلا قول صادق. كلا، ما محمد بالكاذب، ولا الملفق، وهذه حقيقة تدفع كل باطل، و تدحض حجة القوم الكافرين. كان عادلاً صادق النية كان ذكي اللب شهم الفؤاد، لوذعيا، كأنما بين جنبيه مصابيح كل ليل بهيم، ممتلئا نوراً، رجلاً عظيماً بفطرته، لم تثقفه مدرسة، ولا هذبه معلم، وهو غني عن ذلك. ويزعم المتعصبون من النصارى أن محمداً لم يكن يريد بقيامه إلا الشهرة الشخصية، ومفاخرة الجاه والسلطان. كلا – وأيم الله – لقد كان في فؤاد ذلك الرجل ابن القفار والفلوات، المتوقد المقلتين، النفس، المملوء رحمة وخيرا وحكمة وحجة – أفكار غير الطمع الدنيوي، وكيف لا، وتلك نفس صامتة كبيرة، ورجل من الذين لا يمكنهم إلا إن يكونوا مخلصين جادين، فبينما ترى آخرين يرضون الاصطلاحات الكاذبة، ويسيرون طبق الاعتبارات الباطلة اذ ترى محمدا لم يرضى إن يتلفق بمألوف الأكاذيب، ويتوشح بمبتدع الأباطيل. إذا فلنضرب صفحا عن مذهب الجائرين أن محمدا كاذب، ونعد موافقتهم عارا، وسبة، وسخافة، وحمقا، فلنربأ بأنفسنا عنه. وإن ديناً آمن به أولئك العرب الوثنيون وأمسكوه بقلوبهم النارية لجدير ان يكون حقا وجدير ان يصدق به وإنما أودع هذا الدين من القواعد هو الشيء الوحيد الذي للإنسان ان يومن به وهذا الشيء هو روح جميع الأديان وراوح تلبس أثوابا مختلفة وأثوابا متعددة وهو في الحقيقة شيء واحد وبإتباع هذه الروح يصبح الإنسان إماماً كبيرا لهذه المبعد الكبير – الكون- جاريا على قواعد الخالق تابعا للقوانين لا مجادلا عبثا ان يقاومها ويدافعها. لقد جاء الإسلام على تلك الملل الكاذبة والنحل الباطلة فابتلعها وحق له أن يبتلعها لأنه حقيقة وما كان يظهر الإسلام حتى احترقت فيه وثنيات العرب وجدليات النصارى وكل ما لم يكن بحق فانه حطب ميت. أيزعم الافّاكون الجهلة انه مشعوذ محتال؟ كلا ثم كلا ما كان قط ذلك القلب المحند الجائش كأنه تنور فِكر يضور ويتأجج - ليكون قلب محتال ومشعوذ ، لقد كانت حيته في نظره حقاً وهذا الكون رائعة كبيرة.مثل هذه الأقوال، وهذه الأفعال ترينا في محمد أخ الإنسانية الرحيم، أخانا جميعاً الرؤوف الشفيق وابن أمنا وأبينا الأول . واني لأحب محمداً لبراءة طبعة من الرياء والتصنع، ولقد كان ابن القفار رجلاً مستقل الرأي، لا يقول إلا عن نفسي ولا يدعي ما ليس فيه ولم يكن متكبراً، ولكنه لم يكن ذليلاً َضِرعاً، يخاطب بقوله الحر المبين قياصرة الروم وأكاسرة العجم، يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة وللحياة الآخرة، وكان يعرف لنفسه قدرها، ولم تخل الحروب الشديدة التي وقعت معه مع الأعراب من مشاهد قوة، ولكنها كذلك لم تخل من دلائل رحمة وكرم وغفران، وكان محمد لا يعتذر من الأولى ولم يفتخر من الأخرى.

وما كان محمداً بعابث قط، ولا شاب من قوله شائبة لعب ولهو بل كان الأمر عنده أمر خسران وفلاح، ومسالة فناء وبقاء ولم يكن منه بازائها إلا الإخلاص الشديد والجد المرير. وفي الإسلام خلة أراها من اشرف الخلال وأجلها وهي التسوية بين الناس، وهذا يدل على اصدق النظر وأصوب الرأي، فنفس المؤمن رابطة بجميع دول الأرض، والماس في الإسلام سواء..

إلى أن قال: وسع نوره الأنحاء، وعم ضوؤه الأرجاء، وعقد شعاعه الشمال بالجنوب والمشرق بالمغرب، وما هو إلا قرن بعد هذا الحادث حتى أصبح لدولة العرب رجل في الهند، ورجل في الأندلس، وأشرقت دولة الإسلام حقباً عديدة بنور الفضل والنُْبِل، والمروءة، والبأس والنجدة، ورونق الحق والهدى على نصف المعمورة [2][

في ظلال النداء

صلاة الله على النبي ذكره بالثناء في الملأ الأعلى؛ وصلاة ملائكته دعاؤهم له عند الله سبحانه وتعالى . . ويا لها من مرتبة سنية حيث تردد جنبات الوجود ثناء الله على نبيه؛ ويشرق به الكون كله وتتجاوب به أرجاؤه . ويثبت في كيان الوجود ذلك الثناء الأزلي القديم الأبدي الباقي . وما من نعمة ولا تكريم بعد هذه النعمة وهذا التكريم . وأين تذهب صلاة البشر وتسليمهم بعد صلاة الله العلي وتسليمه ، وصلاة الملائكة في الملأ الأعلى وتسليمهم؛ إنما يشاء الله تشريف المؤمنين بأن يقرن صلاتهم إلى صلاته وتسليمهم إلى تسليمه؛ وأن يصلهم عن هذا الطريق بالأفق العلوي الكريم الأزلي القديم .

هداية وتدبر[3]

1.     الصلاة من الله ليست بمعنى الدعاء، إنما هي تنفيذ مباشر ورحمة شاملة وعامة، ويكفي

من رحمته تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أنْ جعله خاتم الرسل، فلا يستدرك عليه أحد، يكفيه من رحمته وإنعامه وثنائه عليه أنْ قرن اسمه باسمه؛ لذلك خاطبه بقوله: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}. يكفيه من تكريم الله له أنه سيقبل شفاعته يوم القيامة، لا لأمته فحسب، إنما للخَلْق جميعاً، يكفيه أن الله تعالى خاطب كل رسله بأسمائهم المشخِّصة لهم، وخاطبه هو بالوصف المكرم في{ياأَيُّهَا النَّبِيُّ...} و{ياأَيُّهَا الرَّسُولُ...}.

2.     أما عن صلاة الملائكة، فهي دعاء، واقرأ: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَاتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[غافر: 7-9].

فإذا كان الخَلْق جميعاً محلَّ صلاة الملائكة واستغفارهم ودعائهم، حتى الذين أذنبوا منهم، ثم تابوا، فما بالك برسول الله، وهو هادي الناس جميعاً.

3.     أما الصلاة من المؤمنين، فهي الاستغفار، واستغفارهم ليس لرسول الله، إنما هو استغفارهم لأنفسهم؛ لأن رسول الله جاء رحمةً لهم، وما دام جاء رحمةً لهم كان من الواجب ألاَّ يغيب توقيره عن بالهم أبداً فَهُمْ إنِ استغفروا، فاستغفار عن الغفلة عنه صلى الله عليه وسلم، أو عن أنهم لم يتقدم اسمه، فيصلون عليه.

والمؤمن حين يُصلِّي على رسول الله، ماذا يملك من عطاء يُؤدِّيه لرسول الله؟ ماذا بأيدينا؟ لذلك تأمل لفظ صلاتك على رسول الله، إنك لا تقول أصلي، ولكن تقول: اللهم صَلِّ على محمد، أو صلَّى الله على محمد، فتطلب مِمَّنْ هو أعلى منك أنْ يُصلي على رسول الله؛ لأنه لا يوجد عطاء عندك تُؤدِّيه لرسول الله.

إذن: فالصلاة من الله الرحمة العامة المطلقة، والصلاة من الملائكة الدعاء، والصلاة من المؤمنين الاستغفار.

4.     سُئِلَ سيدنا رسول الله: يا رسول الله تلك صلاة الله، وتلك صلاة الملائكة، فما الصلاةُ عليك؟ يعني كيف؟ قال صلى الله عليه وسلم: " قولوا اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العاملين، إنك حميدٌ مجيدٌ " ".

5.     ذكر ابن القيم 39 فائدة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم منها:

 امتثال أمر الله سبحانه وتعالى  . . حصول عشر صلوات من الله على المصلي مرة .. يكتب له عشر حسنات ويمحو عنه عشر سيئات ..  أن يرفع له عشر درجات.  . أنه يرجى إجابة دعائه إذا قدمها أمامه فهي تصاعد الدعاء إلى عند رب العالمين.  . أنها سبب لشفاعته صلى الله عليه وسلم إذا قرنها بسؤال الوسيلة له، أو إفرادها.  . أنها سبب لغفران الذنوب..  أنها سبب لكفاية الله ما أهمه..  أنها سبب لقرب العبد منه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.  . أنها سبب لصلاة الله على المصلي وصلاة الملائكة عليه.  . أنها سبب لرد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة والسلام على المصلي.  . أنها سبب لطيب المجلس، وأن لا يعود حسرة على أهله يوم القيامة.  . أنها سبب لنفي الفقر.  . أنها تنفي عن العبد اسم ( البخيل ) إذا صلى عليه عند ذكره صلى الله عليه وسلم . . أنها سبب لإلقاء الله سبحانه وتعالى الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض، لأن المصلي طالب من الله أن يثني على رسوله ويكرمه ويشرفه، والجزاء من جنس العمل فلا بد أن يحصل للمصلي نوع من ذلك.  . أنها سبب للبركة في ذات المصلي وعمله وعمره وأسباب مصالحه لأن المصلي داع ربه أن يبارك عليه وعلى آله وهذا الدعاء مستجاب والجزاء من جنسه.  . أنها سبب لعرض اسم المصلي عليه صلى الله عليه وسلم وذكره عنده كما تقدم قوله  صلى الله عليه وسلم: {إن صلاتكم معروضة عليّ} وقوله  صلى الله عليه وسلم: {إن الله وكّل بقبري ملائكة يبلغونني عن أمتي السلام} وكفى بالعبد نبلاً أن يذكر اسمه بالخير بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم . . أنها سبب لتثبيت القدم على الصراط والجواز عليه لحديث عبدالرحمن بن سمرة في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: }ورأيت رجلاً من أمتي يزحف على الصراط ويحبو أحياناً ويتعلق أحياناً، فجاءته صلاته عليّ فأقامته على قدميه وأنقذته] {رواه أبو موسى المديني وبنى عليه كتابه في "الترغيب والترهيب" وقال: هذا حديث حسن جداً[ ..  أنها سبب لدوام محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وزيادتها وتضاعفها، وذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يتم إلا به لأن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب واستحضاره في قلبه واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه فسيتضاعف حبّه له وتزايد شوقه إليه، واستولى على جميع قلبه، وإذا أعرض عن ذكره وإحضار محاسنه يغلبه، نقص حبه من قلبه، ولا شيء أقر لعين المحب من رؤية محبوبه ولا أقر لقلبه من ذكر محاسنه، وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه والحس شاهد بذلك.  . أنها سبب لهداية العبد وحياة قلبه، فإنه كلما أكثر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وذكره، استولت محبته على قلبه، حتى لا يبقى في قلبه معارضة لشيء من أوامره، ولا شك في شيء مما جاء به، بل يصير ما جاء به مكتوباً مسطوراً في قلبه ويقتبس الهدي والفلاح وأنواع العلوم منه، فأهل العلم العارفين بسنته وهديه المتبعين له كلما ازدادوا فيما جاء به من معرفة، ازدادوا له محبة ومعرفة بحقيقة الصلاة المطلوبة له من الله.

               

[1] . http://www.saaid.net/mohamed/66.htm من موقع صيد الفوائد.

[2] . الفيلسوف الانجليزي توماس كارليل الحائز على جائزة نوبل حيث قال في كتابه الإبطال كلامًا طويلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب به النصارى.

[3] . تفسير الشعراوي.