أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ 35
أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ..
45
رضوان سلمان حمدان
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) }الأنفال
المعاني المفردة[1]
وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ: أى لا تعرضوا عنه بمخالفة أمره، وأصله " تتولوا " حذفت منه إحدى التاءين تخفيفا. والتولى الإعراض، أو الانصراف، والمعنى لا تنصرفوا.
لا يَسْمَعُونَ: لا ينقادون.
الإعراب[2]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ: أَيُّـ: منادى مبني على الضم، "هَا": للتنبيه، والموصول "الَّذِينَ" عطف بيان.
وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ: جملةٌ حالية من الواو في " تَوَلَّوْا "..
المناسبة[3]
لما خاطب اللّه المشركين والكفار بقوله : وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ أتبعه بتأديب المؤمنين بالأمر بطاعة اللّه والرسول إذا دعاهم للجهاد وغيره لأن الكلام من أول السورة إلى هنا في الجهاد. ومن عادة القرآن مقابلة الأشياء ببعضها ، فلما حذر الكافرين ، اقتضى تنبيه المؤمنين لئلا يتقاعسوا عن الدفاع عن الدين وإجابة دعوة النبي الكريم صلّى اللّه عليه وآله وسلم.
في ظلال النداء[4]
إن الهتاف هنا للذين آمنوا ليطيعوا الله ورسوله ، ولا يتولوا عنه وهم يسمعون آياته وكلماته . . إن هذا الهتاف هنا إنما يجيء بعد جميع مقدماته الموحية . . يجيء بعد استعراض أحداث المعركة؛ وبعد رؤية يد الله فيها ، وتدبيره وتقديره ، وعونه ومدده؛ وبعد توكيد أن الله مع المؤمنين ، وأن الله موهن كيد الكافرين . فما يبقى بعد ذلك كله مجال لغير السمع والطاعة لله والرسول . وإن التولي عن الرسول وأوامره بعد هذا كله ليبدو مستنكراً قبيحا لا يقدم عليه إنسان له قلب يتدبر وعقل يتفكر . . ومن هنا يجيء ذكر الدواب في موضعه المناسب! ولفظ « الدواب » يشمل الناس فيما يشمل ، فهم يدبون على الأرض ، ولكن استعماله يكثر في الدواب من الأنعام ، فيلقي ظله بمجرد إطلاقه؛ ويخلع على { الصم البكم الذين لا يعقلون } صورة البهيمة في الحس والخيال! وإنهم لكذلك! إنهم لدواب بهذا الظل . بل هم شر الدواب! فالبهائم لها آذان ولكنها لا تسمع إلا كلمات مبهمة؛ ولها لسان ولكنها لا تنطق أصواتا مفهومة . إلا أن البهائم مهتدية بفطرتها فيما يتعلق بشؤون حياتها الضرورية . أما هؤلاء الدواب فهم موكولون إلى إدراكهم الذي لا ينتفعون به . فهم شر الدواب قطعا!
{ إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون } . .
{ ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم } . .
أي لأسمع قلوبهم وشرحها لما تسمعه آذانهم . . ولكنه - سبحانه- لم يعلم فيهم خيرا ولا رغبة في الهدى فقد أفسدوا استعداداتهم الفطرية للتلقي والاستجابة؛ فلم يفتح الله عليهم ما أغلقوا هم من قلوبهم ، وما أفسدوا هم من فطرتهم . ولو جعلهم الله يدركون بعقولهم حقيقة ما يدعون إليه ، ما فتحوا قلوبهم له ولا استجابوا لما فهموا . . { ولو اسمعهم لتولوا وهم معرضون } . .
لأن العقل قد يدرك ، ولكن القلب المطموس لا يستجيب . فحتى لو أسمعهم الله سماع الفهم لتولوا هم عن الاستجابة .
والاستجابة هي السماع الصحيح . وكم من ناس تفهم عقولهم ولكن قلوبهم مطموسة لا تستجيب!
هداية وتدبر[5]
1. قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله أطيعوا الله ورسوله، فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه ولا تدبروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفين أمره ونهيه وأنتم تسمعون أمرَه إياكم ونهيه، وأنتم به مؤمنون.
2. هذا نداء واضح من الله عز وجل للمؤمنين، وأمر محدد منه بطاعة الله والرسول؛ لأن الإيمان هو الاعتقاد الجازم القلبي بالله وبملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، وعلى المؤمنين أن يؤدوا مطلوب الإيمان. ومطلوب الإيمان - أيها المؤمنون - أن تنفذوا التكاليف التي يأتي بها المنهج من الله عز وجل، ومن المبلغ عنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الأوامر وفي النواهي.
الطاعة لله تكون في الأمر الإجمالي، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون في اتباع الحكم التفصيلي التطبيقي الذي يأتي به رسول الله للأمر الإجمالي. وكذلك تكون طاعة الرسول واجبة في أي أمر أو حكم؛ لأن الله قد فوض رسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك:{ مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ }[النساء: 80].
ويتمثل التفويض من الحق سبحانه وتعالى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في قول الحق تبارك وتعالى:{ وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ }[الحشر: 7].
3. احذروا أن تكونوا مثل الذين قالوا : سمعنا وهم لا يسمعون ، وهم المنافقون والمشركون ، فإنهم يتظاهرون بالسماع والاستجابة ، وليسوا كذلك ، والحال أنهم لا يسمعون أبدا.
4. إن ثمرة السماع الفهم والتصديق وثمرتهما الإرادة وثمرتها الطاعة فلا تصح دعوى السماع مع الإعراض.
5. ذكر الله تعالى (رسوله) هنا للدلالة على أن من يطع الرسول يطع الله تعالى.
6. هَذِهِ الآيَةُ بَيَانٌ شَافٍ وَإِيضَاحٌ كَافٍ فِي أَنَّ الْقَوْلَ لا يَكُونُ إلا بِالْعَمَلِ، وَأَنَّهُ لا مَعْنَى لِقَوْلِ الْمُؤْمِنِ: سَمِعْت وَأَطَعْت، مَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ قَوْلِهِ بِامْتِثَالِ فِعْلِهِ; فَأَمَّا إذَا قَصَّرَ فِي الأَوَامِرِ فَلَمْ يَأْتِهَا، وَاعْتَمَدَ النَّوَاهِيَ بِاقْتِحَامِهَا فَأَيُّ سَمْعٍ عِنْدَهُ ؟ أَوْ أَيُّ طَاعَةٍ لَهُ ؟ وَإِنَّمَا يَكُونُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْمُنَافِقِ الَّذِي يُظْهِرُ الإِيمَانَ، وَيُسِرُّ الْكُفْرَ، وَذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: { وَلا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ } الآيَةَ يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُنَافِقِينَ، فَالْخِبْرَةُ تَكْشِفُ التَّلْبِيسَ، وَالْفِعْلُ يُظْهِرُ كَمَائِنَ النُّفُوسِ.
7. صورت الآيات الكافرين بالأنعام السارحة، التي لا تسمع ولا تعي، ولا تستجيب لدعوة الحق.
8. قال الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - " أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له أن يدعها لقول أحد ".
9. أرشدت الآيات إلى شيئين: الأمر بطاعة اللّه والرسول، والتحذير من مخالفة أمرهما ونهيهما. وشأن المؤمنين سماع الحق، والاهتداء بنوره، وإطاعة الأوامر، واجتناب النواهي والزواجر. وهؤلاء هم فئة المؤمنين المصدقين، وأكمل الناس وأرشدهم.
لطائف
10. الملحظ الجميل أنه سبحانه لم يقل: ولا تولوا عنهما. قياساً بالأسلوب البشري. لكنه قال: { وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ } أي أنه سبحانه وتعالى قد وحد الكلام في أمرين اثنين؛ طاعة الله وطاعة الرسول، ولأن الرسول مبلغ عن الله فلا تقسيم بين الطاعتين؛ لأن طاعة الرسول هي طاعة لله تعالى.
أو نقول: إن التولي لا يكون أبداً بالنسبة إلى الله، فلا أحد بقادر على أن يتولى عن الله؛ لأن الله لاحقه
ومدركه في أي وقت.
11. هذا الأمر بطاعة الله تعالى والرسول بلاغ من الله، والبلاغ أول وسيلة له الأُذن، لأن الأُذن أول وسيلة للإدراكات، ولذلك فإنّ الرسول يبلغ الأوامر بالقول للناس، ولم يبلغهم بالكتابة؛ لأن كل الناس لا تقرأ، فأبلغ صلى الله عليه وسلم الناس قولاً كما أمر أن يكتب القرآن ليظل محفوظا.
12. ثمرة بعث الرسول أن يبلغ الناس، ولذلك أخذنا حكما هاماً من الأحكام من قوله الحق تبارك وتعالى:{ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } [الأنفال: 20]. أخذنا من هذا القول أن من لم يبلغهم المنهج لا يحاسبون. ولكن أيكفي السماع في أن نعلم المنهج. لا، لا يكفي في السماع أن نعلم أن هناك رسولاً جاء ليعقب على رسول سبق، ولكن عليك أن تبحث أنت. فإن كان في الأرض من لم يبلغه هذا فهو ناجٍ، وإن كان قد بلغه خبر رسول ولم يبلغه المنهج الكامل فعليه أن يبحث بنفسه، بدليل أن الإنسان يبحث عن أهون الأشياء بمجرد أن يسمع عنها، ويشغل نفسه بالبحث. وجزء من التبعة في ذلك يقع على المسلمين الذين لم يجدُّوا ويبلغوا منهج الله ودين الله إلى غيرهم.
113. {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}.
[1] . صفوة التفاسير ـ للصابونى. زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة. تفسير العلامة محمد العثيمين.
[2] . مُشكِل إعراب القرآن- أ.د. أحمد بن محمد الخراط.
[3] . التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج.
[4] . في ظلال القرآن- سيد قطب.
[5] . تفسير الطبري. روح المعاني. صفوة التفاسير. أحكام القرآن لابن العربي. خواطر الشعراوي. التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج.