ابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ 33
33
ابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ
رضوان سلمان حمدان
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }المائدة35
المعاني المفردة[1]
وَابْتَغُواْ: اطلبوا. تقرّبوا.
الْوَسِيلَةَ: هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود، والوسيلة أيضًا: عَلم على أعلى منزلة في الجنة، وهي منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وداره في الجنة، وهي أقرب أمكنة الجنة إلى العرش. وهي القربة التي ينبغي أن يطلب بها. قال الراغب: الوسيلة: التوصل إلى الشىء برغبة، وهى أخص من الوصيلة، لتضمنها معنى الرغبة، وحقيقة الوسيلة إلى الله مراعاة سبيله بالعلم والعبادة وتحرى مكارم الشريعة، وهى كالقربة. والواسل: الراغب إلى الله - تعالى..
تُفْلِحُونَ: تفوزون. تنجون من النار وتدخلون الجنة.
في ظلال النداء[2]
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ﴾. . فالخوف ينبغي أن يكون من الله . فهذا هو الخوف اللائق بكرامة الإنسان . أما الخوف من السيف والسوط فهو منزلة هابطة . لا تحتاج إليها إلا النفوس الهابطة . . والخوف من الله أولى وأكرم وأزكى . . على أن تقوى الله هي التي تصاحب الضمير في السر والعلن؛ وهي التي تكف عن الشر في الحالات التي لا يراها الناس ، ولا تتناولها يد القانون . وما يمكن أن يقوم القانون وحده - مع ضرورته - بدون التقوى؛ لأن ما يفلت من يد القانون حينئذ أضعاف أضعاف ما تناله . ولا صلاح لنفس ، ولا صلاح لمجتمع يقوم على القانون وحده؛ بلا رقابة غيبية وراءه ، وبلا سلطة إلهية يتقيها الضمير .
﴿وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ﴾. .
اتقوا الله؛ واطلبوا إليه الوسيلة؛ وتلمسوا ما يصلكم به من الأسباب . . وفي رواية عن ابن عباس : ابتغوا إليه الوسيلة؛ أى ابتغوا إليه الحاجة . والبشر حين يشعرون بحاجتهم إلى الله وحين يطلبون عنده حاجتهم يكونون في الوضع الصحيح للعبودية أمام الربوبية؛ ويكونون - بهذا - في أصلح أوضاعهم وأقربها إلى الفلاح . وكلا التفسيرين يصلح للعبارة ؛ ويؤدي إلى صلاح القلب ،
وحياة الضمير ، وينتهي إلى الفلاح المرجو . ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. .
هداية وتدبر[3]
1. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِى وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ «.[4]
2. يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله فيما أخبرهم ووعدهم من الثواب، وأوعد من العقاب.. أجيبوا الله فيما أمركم ونهاكم بالطاعة له في ذلك، وحققوا إيمانكم وتصديقكم ربكم ونبيكم بالصالح من أعمالكم. واطلبوا القربة إليه بالعمل بما يرضيه. وجاهدوا أيها المؤمنون أعدائي وأعداءكم في سبيلي، يعني: في دينه وشريعته التي شرعها لعباده، وهي الإسلام، وأتعبوا أنفسكم في قتالهم وحملهم على الدخول فـي الحنيفية المسلمة كيما تنجحوا فتدركوا البقاء الدائم، والخلود فـي جنانه.
3. عن أبي وائل : ? وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ? ، قال : القربة في الأعمال . وقال ابن زيد : المحبة تحبّبوا إلى الله ، وقرأ : ? أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ ? .
4. لفظ التوسل يراد به ثلاثة معان :
أحدها : التوسّل بطاعته . فهذا فرض لا يتمّ الإيمان إلاّ به .
والثاني : التوسّل بدعائه وشفاعته وهذا كان في حياته ، ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته .
والثالث : التوسّل به . بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته . فهذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه ، لا في حياته ولا في مماته ، لا عند قبره ولا غير قبره ، ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم . وإنما ينقل شيءٌ من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة . أو عن مَن ليس قوله حجة ، وهذا هو الذي قال أبو حنيفة وأصحابه ، إنه لا يجوز . ونهوا عنه حيث قالوا : لا يسأل بمخلوق ، ولا يقول أحد : أسألك بحق أنبيائك . قال أبو حنيفة : لا ينبغي لأحدٍ أن يدعوا إلاّ به . وأكره أن يقول : بمعاقد العز من عرشك ، أو بحق خلقك . وهو قول أبي يوسف . قال أبو يوسف : بمعقد العز من عرشه هو الله . فلا أكره هذا . وأكره أن يقول : بحق فلانٍ ، أو بحق أنبيائك ورسلك ، وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام. قال القدوري: المسألة بخلقه لا تجوز . لأنه لا حق للخلق على الخالق . فلا تجوز وفاقاً.
وهذا الذي قاله أبو حنيفة وأصحابه - من أن الله لا يسأل بمخلوق - له معنيان : أحدهما هو موافق السائر الأئمة الذين يمنعون أن يقسم أحد بالمخلوق ، فإنه إذا منع أن يقسم على مخلوق بمخلوق ، فلأن يمنع أن يقسم على الخالق بمخلوق ، أولى وأحرى . وهذا بخلاف إقسامه سبحانه بمخلوقاته : ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ [ الليل : 1 ] ، ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾[ الشمس : 1 ] ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً﴾[ النازعات : 1 ] ، ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفّاً﴾[ الصافات : 1 ] - فإن إقسامه بمخلوقاته يتضمن من ذكر آياته الدالة على قدرته وحكمته ووحدانيته ، ما يحسن معه إقسامه . بخلاف المخلوق ، فإن إقسامه بالمخلوقات شرك بخالقها . كما في " السنن " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [من حلف بغير الله فقد أشرك]. وقد صححه الترمذي وغيره . وفي لفظ : [فقد كفر]. وقد صححه الحاكم . وقد ثبت عنه في " الصحيحين " أنه قال : [من كان حالفاً فليحلف بالله . وقال : لا تحلفوا بآبائكم . فإن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم]. وفي " الصحيحين " عنه أنه قال : [من حلف باللات والعزّى فليقل : لا إله إلاَّ الله]. وقد اتفق المسلمون على أنه من حلف بالمخلوقات المحترمة ، أو بما يعتقد هو حرمته - كالعرش والكرسي والكعبة والمسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والملائكة والصالحين والملوك وسيوف المجاهدين وترب الأنبياء والصالحين وسراويل الفتوّة وغير ذلك . . . - لا ينعقد يمينه ، ولا كفارة في الحنث بذلك . والحلف بالمخلوقات حرام عند الجمهور ، وهو مذهب أبي حنيفة ، وأحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد . وقد حكى إجماع الصحابة على ذلك.
5. الوسيلة المطلوبة هى الأعمال الصالحة، والعمل الصالح يحتاج فى أدائه إلى عزيمة تقهر العقبات، وتسترخص النفس والنفيس، وهذا هو الجهاد المؤدى إلى الفلاح.
6. الجهاد من الجهد: وهو المشقة والتعب، وسبيل اللّه: هي طريق الحق والخير والفضيلة والحرية للأمة، والجهاد في سبيل اللّه يشمل جهاد النفس بكفها عن أهوائها، وحملها على العدل في جميع الأحوال، وجهاد الأعداء الذين يقاومون دعوة الإسلام.
7. الجهاد في سبيل الله ضمانٌ للمؤمن أن يظل المنهج الذي آمن به موصولاً إلى أن تقوم الساعة، وذلك لا يتأَتّى إلا بإشاعة المنهج في العالم كله. والنفس المؤمنة إذا وقفت نفسها على أن تجاهد في سبيل الله كان عندها شيء من الإيثار الإيماني. وتعرف أنها أخذت خير الإيمان وتُحب أن توصّله إلى غيرها، ولا تقبل أن تأخذ خير الإيمان وتحرم منه المعاصرين لها في غير ديار الإسلام، وتحرص على أن يكون العالم كله مؤمناً، وإذا نظرنا إلى هذه المسألة نجدها تمثل الفهم العميق لمعنى الحياة، فالناس إذا كانوا أخياراً استفاد الإنسان من خيرهم كله، وإذا كانوا أشراراً يناله من شرِّهم شيء.
إذن فمن مصلحة الخيِّر أن يشيع خيره في الناس؛ لأنه إن أشاع خيره فهو يتوقع أن ينتفع بجدوى هذا الخير وأن يعود عليه خيره؛ لأن الناس تأمن جانب الرجل الطيب ولا ينالهم منه شر.
فقوله الحق: { وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ } يصنع أمة إيمانية مُتحضرة، حتى لا تترك الفرصة للكافر بالله ليأخذ أسباب الله وأسراره في الكون. فمن يعبد الإله الواحد أولى بسرّ الله في الوجود، ولو فرضنا أنه لن تقوم حرب، لكننا نملك المصانع التي تنتج، وعندنا الزراعة التي تكفي حاجات الناس، عندئذ سنحقق الكفاية. وما لا تستعمله في الحرب سيعود على السلام. ويجب أن تفهموا أن كل اختراعات الحياة التقدمية تنشأ أولأً لقصد الحرب، وبعد ذلك تهدأ النفوس وتأخذ البشرية هذه الإنجازات لصالح السلام.
[1] . تفسير ابن كثير. والتفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج. وأيسر التفاسير لكلام العلي الكبير. والوسيط في تفسير القرآن الكريم.
[2] . في ظلال القرآن.
[3] . توفيق الرحمن. ومحاسن التأويل. والتفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج. تفسير الطبري. خواطر محمد متولي الشعراوي.
[4] . الأذان - صحيح البخارى. حديث 617.