لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء 34
34
لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء
رضوان سلمان حمدان
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾المائدة51
سبب النزول[1]
في سبب نزولها ثلاثة أقوال:
أحدها أنها نزلت في أبي لبابة حين قال لبني قريظة إذا رضوا بحكم سعد إنه الذبح رواه أبو صالح عن ابن عباس وهو قول عكرمة.
والثاني أن عبادة بن الصامت قال يا رسول الله إن لي موالي من اليهود وإني أبرأ إلى الله من ولاية يهود فقال عبد الله بن أبي إني رجل أخاف الدوائر ولا أبرأ إلى الله من ولاية يهود فنزلت هذه الآية قاله عطية العوفي.
والثالث أنه لما كانت وقعة أحد خافت طائفة من الناس أن يدال عليهم الكفار فقال رجل لصاحبه أما أنا فألحق بفلان اليهودي فآخذ منه أمانا أو أتهود معه فنزلت هذه الآية قاله السدي ومقاتل.
المعاني المفردة[2]
أَوْلِيَاء: نصراء وحلفاء. الأولياء جمع ولى ويطلق بمعنى النصير والصديق والحبيب. والمراد بالولاية هنا: مصافاة أعداء الإِسلام والاستنصار بهم، والتحالف معهم دون المسلمين.
في ظلال النداء[3]
يحسن أن نبين أولاً معنى الولاية التي ينهى الله الذين آمنوا أن تكون بينهم وبين اليهود والنصارى . . إنها تعني التناصر والتحالف معهم . ولا تتعلق بمعنى اتباعهم في دينهم . فبعيد جداً أن يكون بين المسلمين من يميل إلى اتباع اليهود والنصارى في الدين . إنما هو ولاء التحالف والتناصر ، الذي كان يلتبس على المسلمين أمره ، فيحسبون أنه جائز لهم ، بحكم ما كان واقعاً من تشابك المصالح والأواصر ، ومن قيام هذا الولاء بينهم وبين جماعات من اليهود قبل الإسلام ، وفي أوائل العهد بقيام الإسلام في المدينة ، حتى نهاهم الله عنه وأمر بإبطاله . . بعد ما تبين عدم إمكان قيام الولاء والتحالف والتناصر بين المسلمين واليهود في المدينة . . وهذا المعنى معروف محدد في التعبيرات القرآنية . وقد جاء في صدد الكلام عن العلاقة بين المسلمين في المدينة والمسلمين الذين لم يهاجروا إلى دار الإسلام . فقال الله سبحانه : ﴿ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا﴾ . وطبيعي أن المقصود هنا ليس الولاية في الدين . فالمسلم ولي المسلم في الدين على كل حال . إنما المقصود هو ولاية التناصر والتعاون . فهي التي لا تقوم بين المسلمين في دار الإسلام والمسلمين الذين لم يهاجروا إليهم . . وهذا اللون من الولاية هو الذي تمنع هذه الآيات أن يقوم بين الذين آمنوا وبين اليهود والنصارى بحال ، بعد ما كان قائماًَ بينهم أول العهد في المدينة .
إن سماحة الإسلام مع أهل الكتاب شيء ، واتخاذهم أولياء شيء آخر ، ولكنهما يختلطان على بعض المسلمين ، الذين لم تتضح في نفوسهم الرؤية الكاملة لحقيقة هذا الدين ووظيفته ، بوصفه حركة منهجية واقعية ، تتجه إلى إنشاء واقع في الأرض ، وفق التصور الإسلامي الذي يختلف في طبيعته عن سائر التصورات التي تعرفها البشرية؛ وتصطدم - من ثم - بالتصورات والأوضاع المخالفة ، كما تصطدم بشهوات الناس وانحرافهم وفسوقهم عن منهج الله ، وتدخل في معركة لا حيلة فيها ، ولا بد منها ، لإنشاء ذلك الواقع الجديد الذي تريده ، وتتحرك إليه حركة إيجابية فاعلة منشئة . .
وهؤلاء الذين تختلط عليهم تلك الحقيقة ينقصهم الحس النقي بحقيقة العقيدة ، كما ينقصهم الوعي الذكي لطبيعة المعركة وطبيعة موقف أهل الكتاب فيها ؛ ويغفلون عن التوجيهات القرآنية الواضحة الصريحة فيها ، فيخلطون بين دعوة الإسلام إلى السماحة في معاملة أهل الكتاب والبر بهم في المجتمع المسلم الذي يعيشون فيه مكفولي الحقوق ، وبين الولاء الذي لا يكون إلا لله ورسوله وللجماعة المسلمة . ناسين ما يقرره القرآن الكريم من أن أهل الكتاب . . بعضهم أولياء بعض في حرب الجماعة المسلمة . . وأن هذا شأن ثابت لهم ، وأنهم ينقمون من المسلم إسلامه ، وأنهم لن يرضوا عن المسلم إلا أن يترك دينه ويتبع دينهم . وأنهم مصرون على الحرب للإسلام وللجماعة المسلمة . وأنهم قد بدت البغضاء من أفواهم وما تخفي صدورهم أكبر . . إلى آخر هذه التقريرات الحاسمة .
إن المسلم مطالب بالسماحة مع أهل الكتاب ، ولكنه منهي عن الولاء لهم بمعنى التناصر والتحالف معهم . وإن طريقه لتمكين دينه وتحقيق نظامه المتفرد لا يمكن أن يلتقي مع طريق أهل الكتاب ، ومهما أبدى لهم من السماحة والمودة فإن هذا لن يبلغ أن يرضوا له البقاء على دينه وتحقيق نظامه ، ولن يكفهم عن موالاة بعضهم لبعض في حربه والكيد له . .
وسذاجة أية سذاجة وغفلة أية غفلة ، أن نظن أن لنا وإياهم طريقاً واحداً نسلكه للتمكين للدين ! أمام الكفار والملحدين ! فهم مع الكفار والملحدين ، إذا كانت المعركة مع المسلمين!!!
وهذه الحقائق الواعية يغفل عنها السذج منا في هذا الزمان وفي كل زمان ؛ حين يفهمون أننا نستطيع أن نضع أيدينا في أيدي أهل الكتاب في الأرض للوقوف في وجه المادية والإلحاد - بوصفنا جميعاً أهل دين ! - ناسين تعليم القرآن كله ؛ وناسين تعليم التاريخ كله .
فأهل الكتاب هؤلاء هم الذين كانوا يقولون للذين كفروا من المشركين : ﴿هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً﴾ . وأهل الكتاب هؤلاء هم الذين ألبوا المشركين على الجماعة المسلمة في المدينة ، وكانوا لهم درعاً وردءاً . وأهل الكتاب هم الذين شنوا الحروب الصليبية خلال مائتي عام ، وهم الذين ارتكبوا فظائع الأندلس ، وهم الذي شردوا العرب المسلمين في فلسطين ، وأحلوا اليهود محلهم ، متعاونين في هذا مع الإلحاد والمادية! وأهل الكتاب هؤلاء هم الذين يشردون المسلمين في كل مكان . . في الحبشة والصومال واريتريا والجزائر ، ويتعاونون في هذا التشريد مع الإلحاد والمادية والوثنية ، في يوغسلافيا والصين والتركستان والهند ، وفي كل مكان!
ثم يظهر بيننا من يظن - في بعد كامل عن تقريرات القرآن الجازمة - أنه يمكن أن يقوم بيننا وبين أهل الكتاب هؤلاء ولاء وتناصر . ندفع به المادية الإلحادية عن الدين!
إن هؤلاء لا يقرأون القرآن . وإذا قرأوه اختلطت عليهم دعوة السماحة التي هي طابع الإسلام؛ فظنوها دعوة الولاء الذي يحذر منه القرآن .
إن هؤلاء لا يعيش الإسلام في حسهم ، لا بوصفه عقيدة لا يقبل الله من الناس غيرها ، ولا بوصفه حركة إيجابية تستهدف إنشاء واقع جديد في الأرض؛ تقف في وجه عداوات أهل الكتاب اليوم ، كما وقفت له بالأمس . الموقف الذي لا يمكن تبديله . لأنه الموقف الطبيعي الوحيد!
وندع هؤلاء في إغفالهم أو غفلتهم عن التوجيه القرآني ، لنعي نحن هذا التوجيه القرآني الصريح : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ . .
هذا النداء موجه إلى الجماعة المسلمة في المدينة - ولكنه في الوقت ذاته موجه لكل جماعة مسلمة تقوم في أي ركن من أركان الأرض إلى يوم القيامة . . موجه لكل من ينطبق عليه ذات يوم صفة : ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ . .
ولقد كانت المناسبة الحاضرة إذ ذاك لتوجيه هذا النداء للذين آمنوا ، أن المفاصلة لم تكن كاملة ولا حاسمة بين بعض المسلمين في المدينه وبعض أهل الكتاب - وبخاصه اليهود - فقد كانت هناك علاقات ولاء وحلف ، وعلاقات اقتصاد وتعامل ، وعلاقات جيرة وصحبة . . وكان هذا كله طبيعياً مع الوضع التاريخي والاقتصادي والاجتماعي في المدينة قبل الإسلام ، بين أهل المدينة من العرب وبين اليهود بصفة خاصة . . وكان هذا الوضع يتيح لليهود أن يقوموا بدورهم في الكيد لهذا الدين وأهله؛ بكل صنوف الكيد التي عددتها وكشفتها النصوص القرآنية الكثيرة؛ والتي سبق استعراض بعضها في الأجزاء الخمسة الماضية من هذه الظلال؛ والتي يتولى هذا الدرس وصف بعضها كذلك في هذه النصوص .
ونزل القرآن ليبث الوعي اللازم للمسلم في المعركة التي يخوضها بعقيدته ، لتحقيق منهجه الجديد في واقع الحياة . ولينشئ في ضمير المسلم تلك المفاصلة الكاملة بينه وبين كل من لا ينتمي إلى الجماعة المسلمة ولا يقف تحت رايتها الخاصة . المفاصلة التي لا تنهي السماحة الخلقية . فهذه صفة المسلم دائماً . ولكنها تنهي الولاء الذي لا يكون في قلب المسلم إلا لله ورسوله والذين آمنوا . . الوعي والمفاصلة اللذان لا بد منهما للمسلم في كل أرض وفي كل جيل .
﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾ إنها حقيقة لا علاقة لها بالزمن . . لأنها حقيقة نابعة من طبيعة الأشياء . . إنهم لن يكونوا أولياء للجماعة المسلمة في أي أرض ولا في أي تاريخ . . وقد مضت القرون تلو القرون ترسم مصداق هذه القولة الصادقة . . لقد ولي بعضهم بعضاً في حرب محمد - صلى الله عليه وسلم - والجماعة المسلمة في المدينة . وولي بعضهم بعضاً في كل فجاج الأرض ، على مدار التاريخ . . ولم تختل هذه القاعدة مرة واحدة؛ ولم يقع في هذه الأرض إلا ما قرره القرآن الكريم ، في صيغة الوصف الدائم ، لا الحادث المفرد . . واختيار الجملة الأسمية على هذا النحو . . بعضهم أولياء بعض . . ليست مجرد تعبير! إنما هي اختيار مقصود للدلالة على الوصف الدائم الأصيل!
ثم رتب على هذه الحقيقة الأساسية نتائجها . . فإنه إذا كان اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض فإنه لا يتولاهم إلا من هو منهم . والفرد الذي يتولاهم من الصف المسلم ، يخلع نفسه من الصف ويخلع عن نفسه صفة هذا الصف « الإسلام » وينضم إلى الصف الآخر . لأن هذه هي النتيجة الطبيعية الواقعية : ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ . . وكان ظالماً لنفسه ولدين الله وللجماعة المسلمة . . وبسبب من ظلمه هذا يدخله الله في زمرة اليهود والنصارى الذين أعطاهم ولاءه . ولا يهديه إلى الحق ولا يرده إلى الصف المسلم : ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. . لقد كان هذا تحذيراً عنيفاً للجماعة المسلمة في المدينة . ولكنه تحذير ليس مبالغاً فيه . فهو عنيف . نعم؛ ولكنه يمثل الحقيقة الواقعة . فما يمكن أن يمنح المسلم ولاءه لليهود والنصارى - وبعضهم أولياء بعض - ثم يبقى له إسلامه وإيمانه ، وتبقى له عضويته في الصف المسلم ، الذين يتولى الله ورسوله والذين آمنوا . . فهذا مفرق الطريق . . وما يمكن أن يتميع حسم المسلم في المفاصلة الكاملة بينة وبين كل من ينهج غير منهج الإسلام؛ وبينه وبين كل من يرفع راية غير راية الإسلام؛ ثم يكون في وسعه بعد ذلك أن يعمل عملاً ذا قيمة في الحركة الإسلامية الضخمة التي تستهدف - أول ما تستهدف - إقامة نظام واقعي في الأرض فريد؛ يختلف عن كل الأنظمة الأخرى؛ ويعتمد على تصور متفرد كذلك من كل التصورات الأخرى .
إن اقتناع المسلم إلى درجة اليقين الجازم الذي لا أرجحة فيه ولا تردد بأن دينه هو الدين الوحيد الذي يقبله الله من الناس بعد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبأن منهجه الذي كلفه الله أن يقيم الحياة عليه منهج متفرد ; لا نظير له بين سائر المناهج ; ولا يمكن الاستغناء عنه بمنهج آخر ; ولا يمكن أن يقوم مقامه منهج آخر ; ولا تصلح الحياة البشرية ولا تستقيم إلا أن تقوم على هذا المنهج وحده دون سواه ; ولا يعفيه الله ولا يغفر له ولا يقبله إلا إذا هو بذل جهد طاقته في إقامة هذا المنهج بكل جوانبه الاعتقادية والاجتماعية ; لم يأل في ذلك جهدا ولم يقبل من منهجه بديلا ولا في جزء منه صغير ولم يخلط بينه وبين أي منهج آخر في تصور اعتقادي ولا في نظام اجتماعي ولا في أحكام تشريعية إلا ما استبقاه الله في هذا المنهج من شرائع من قبلنا من أهل الكتاب إن اقتناع المسلم إلى درجة اليقين الجازم بهذا كله هو وحده الذي يدفعه للاضطلاع بعبء النهوض بتحقيق منهج الله الذي رضيه للناس ; في وجه العقبات الشاقة والتكاليف المضنية والمقاومة العنيدة والكيد الناصب والألم الذي يكاد يجاوز الطاقة في كثير من الأحيان وإلا فما العناء في أمر يغني عنه غيره مما هو قائم في الأرض من جاهلية سواء كانت هذه الجاهلية ممثلة في وثنية الشرك أو في انحراف أهل الكتاب أو في الإلحاد السافر بل ما العناء في إقامة المنهج الإسلامي إذا كانت الفوارق بينه وبين مناهج أهل الكتاب أو غيرهم قليلة ; يمكن الالتقاء عليها بالمصالحة والمهادنة إن الذين يحاولون تمييع هذه المفاصلة الحاسمة باسم التسامح والتقريب بين أهل الأديان السماوية يخطئون فهم معنى الأديان كما يخطئون فهم معنى التسامح فالدين هو الدين الأخير وحده عند الله والتسامح يكون في المعاملات الشخصية لا في التصور الاعتقادي ولا في النظام الاجتماعي إنهم يحاولون تمييع اليقين الجازم في نفس المسلم بأن الله لا يقبل دينا إلا الإسلام وبأن عليه أن يحقق منهج الله الممثل في الإسلام ولا يقبل دونه بديلاً ; ولا يقبل فيه تعديلا ولو طفيفا هذا اليقين الذي ينشئه القرآن الكريم وهو يقرر إن الدين عند الله الإسلام ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم وفي القرآن كلمة الفصل ولا على المسلم من تميع المتميعين وتمييعهم لهذا اليقين ويصور السياق القرآني تلك الحالة التي كانت واقعة ; والتي ينزل القرآن من أجلها بهذا التحذير فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة . روى ابن جرير . . جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن لي موالي من يهود كثير عددهم ; وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود وأتولى الله ورسوله فقال عبد الله بن أبي رأس النفاق إني رجل أخاف الدوائر لا أبرأ من ولاية موالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي « يا أبا الحباب ما بخلت به من ولاية يهود على عبادة ابن الصامت فهو لك دونه » قال قد قبلت فأنزل الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . . قال محمد بن إسحق فكانت أول قبيلة من اليهود نقضت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو قينقاع .. فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه فقام إليه عبدالله بن أبي بن سلول حين أمكنة الله منهم فقال يا محمد أحسن في موالي وكانوا حلفاء الخزرج قال فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال يا محمد أحسن في موالي قال فأعرض عنه قال فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم « أرسلني » وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللا ثم قال « ويحك أرسلني » قال لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة إني امرؤ أخشى الدوائر قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « هم لك » فهذه الأخبار في مجموعها تشير إلى تلك الحالة التي كانت واقعة في المجتمع المسلم ; والمتخلفة عن الأوضاع التي كانت قائمة في المدينة قبل الإسلام ; وكذلك عن التصورات التي لم تكن قد حسمت في قضية العلاقات التي يمكن أن تقوم بين الجماعة المسلمة واليهود والتي لا يمكن أن تقوم غير أن الذي يلفت النظر أنها كلها تتحدث عن اليهود ولم يجئ ذكر في الوقائع للنصارى ولكن النص يجمل اليهود والنصارى ذلك أنه بصدد إقامة تصور دائم وعلاقة دائمة وأوضاع دائمة بين الجماعة المسلمة وسائر الجماعات الأخرى سواء من أهل الكتاب أو من المشركين كما سيجيء في سياق هذا الدرس ومع اختلاف مواقف اليهود من المسلمين عن مواقف النصارى في جملتها في العهد النبوي ومع إشارة القرآن الكريم في موضع آخر من السورة إلى هذا الاختلاف في قوله تعالى لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى الخ مع هذا الاختلاف الذي كان يومذاك فإن النص هنا يسوي بين اليهود والنصارى كما يسوي النص القادم بينهم جميعًا وبين الكفار فيما يختص بقضية المحالفة والولاء ذلك أن هذه القضية ترتكز على قاعدة أخرى ثابتة هي أن ليس للمسلم ولاء ولا حلف إلا مع المسلم ; وليس للمسلم ولاء إلا لله ولرسوله وللجماعة المسلمة ويستوي بعد ذلك كل الفرق في هذا الأمر مهما اختلفت مواقفهم من المسلمين في بعض الظروف على أن الله سبحانه وهو يضع للجماعة المسلمة هذه القاعدة العامة الحازمة الصارمة كان علمه يتناول الزمان كله لا تلك الفترة الخاصة من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وملابساتها الموقوتة وقد أظهر التاريخ الواقع فيما بعد أن عداء النصارى لهذا الدين وللجماعة المسلمة في معظم بقاع الأرض لم يكن أقل من عداء اليهود وإذا نحن استثنينا موقف نصارى العرب ونصارى مصر في حسن استقبال الإسلام فإننا نجد الرقعة النصرانية في الغرب قد حملت للإسلام في تاريخها كله منذ أن احتكت به من العداوة والضغن وشنت عليه من الحرب والكيد ما لا يفترق عن حرب اليهود وكيدهم في أي زمان حتى الحبشة التي أحسن عاهلها استقبال المهاجرين المسلمين واستقبال الإسلام عادت فإذا هي أشد حربا على الإسلام والمسلمين من كل أحد ; لا يجاريها في هذا إلا اليهود وكان الله سبحانه يعلم الأمر كله فوضع للمسلم هذه القاعدة العامة بغض النظر عن واقع الفترة التي كان هذا القرآن يتنزل فيها وملابساتها الموقوتة وبغض النظر عما يقع مثلها في بعض الأحيان هنا وهناك إلى آخر الزمان وما يزال الإسلام والذين يتصفون به ولو أنهم ليسوا من الإسلام في شيء يلقون من عنت الحرب المشبوبة عليهم وعلى عقيدتهم من اليهود والنصارى في كل مكان على سطح الأرض ما يصدق قول الله تعالى بعضهم أولياء بعض وما يحتم أن يتدرع المسلمون الواعون بنصيحة ربهم لهم بل بأمره الجازم ونهيه القاطع ; وقضائه الحاسم في المفاصلة الكاملة بين أولياء الله ورسوله وكل معسكر آخر لا يرفع راية الله ورسوله إن الإسلام يكلف المسلم أن يقيم علاقاته بالناس جميعا على أساس العقيدة فالولاء والعداء لا يكونان في تصور المسلم وفي حركته على السواء إلا في العقيدة ومن ثم لا يمكن أن يقوم الولاء وهو التناصر بين المسلم وغير المسلم ; إذ أنهما لا يمكن أن يتناصرا في مجال العقيدة ولا حتى أمام الإلحاد مثلا كما يتصور بعض السذج منا وبعض من لا يقرأون القرآن وكيف يتناصران وليس بينهما أساس مشترك يتناصران عليه إن بعض من لا يقرأون القرآن ولا يعرفون حقيقة الإسلام ; وبعض المخدوعين أيضا يتصورون أن الدين كله دين كما أن الإلحاد كله إلحاد وأنه يمكن إذن أن يقف التدين بجملته في وجه الإلحاد لأن الإلحاد ينكر الدين كله ويحارب التدين على الإطلاق ولكن الأمر ليس كذلك في التصور الإسلامي; ولا في حس المسلم الذي يتذوق الإسلام ولا يتذوق الإسلام إلا من يأخذه عقيدة وحركة بهذه العقيدة لإقامة النظام الإسلامي إن الأمر في التصور الإسلامي وفي حس المسلم واضح محدد الدين هو الإسلام وليس هناك دين غيره يعترف به الإسلام لأن الله سبحانه يقول هذا يقول إن الدين عند الله الإسلام ويقول ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وبعد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لم يعد هناك دين يرضاه الله ويقبله من أحد إلا هذا الإسلام في صورته التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم وما كان يقبل قبل بعثة محمد من النصارى لم يعد الآن يقبل كما أن ما كان يقبل من اليهود قبل بعثة عيسى عليه السلام لم يعد يقبل منهم بعد بعثته ووجود يهود ونصارى من أهل الكتاب بعد بعثه محمد ص ليس معناه أن الله يقبل منهم ما هم عليه; أو يعترف لهم بأنهم على دين إلهي لقد كان ذلك قبل بعثة الرسول الأخير أما بعد بعثته فلا دين في التصور الإسلامي وفي حس المسلم إلا الإسلام وهذا ما ينص عليه القرآن نصا غير قابل للتأويل إن الإسلام لا يُكرههم على ترك معتقداتهم واعتناق الإسلام لأنه لا إكراه في الدين ولكن هذا ليس معناه أنه يعترف بما هم عليه ديناً ويراهم على دين ومن ثم فليس هناك جبهه تدين يقف معها الإسلام في وجه الإلحاد هناك دين هو الإسلام وهناك لا دين هو غير الإسلام ثم يكون هذا اللادين عقيدة أصلها سماوي ولكنها محرفه أو عقيده أصلها وثني باقيه على وثنيتها أو إلحاداً ينكر الأديان تختلف فيما بينها كلها ولكنها تختلف كلها مع الإسلام ولا حلف بينها وبين الإسلام ولا ولاء والمسلم يتعامل مع أهل الكتاب هؤلاء; وهو مطالب بإحسان معاملتهم كما سبق ما لم يؤذوه في الدين; ويباح له أن يتزوج المحصنات منهن على خلاف فقهي فيمن تعتقد بألوهية المسيح أو بنوته وفيمن تعتقد التثليث أهي كتابيه تحل أم مشركة تحرم وحتى مع الأخذ بمبدأ تحليل النكاح عامه فإن حسن المعامله وجواز النكاح ليس معناها الولاء والتناصر في الدين; وليس معناها اعتراف المسلم بأن دين أهل الكتاب بعد بعثة محمد ص هو دين يقبله الله; ويستطيع الإسلام أن يقف معه في جبهه واحدة لمقاومة الإلحاد إن الإسلام قد جاء ليصحح اعتقادات أهل الكتاب; كما جاء ليصحح اعتقادات المشركين والوثنيين سواء ودعاهم إلى الإسلام جميعاً لأن هذا هو الدين الذي لا يقبل الله غيره من الناس جميعاً ولما فهم اليهود أنهم غير مدعوين إلى الإسلام وكبر عليهم أن يدعوا إليه جابههم القرآن الكريم بأن الله يدعوهم إلى الإسلام فإن تولوا عنه فهم كافرون والمسلم مكلف أن يدعوا أهل الكتاب إلى الإسلام كما يدعو الملحدين والوثنيين سواء وهو غير مأذون في أن يكره أحداً من هؤلاء ولا هؤلاء على الإسلام لأن العقائد لا تنشأ في الضمائر بالإكراه فالإكراه في الدين فوق أنه منهي عنه هو كذلك لا ثمره له ولا يستقيم أن يعترف المسلم بأن ما عليه أهل الكتاب بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هو دين يقبله الله ثم يدعوهم مع ذلك إلى الإسلام إنه لا يكون مكلفاً بدعوتهم إلى الإسلام إلا على أساس واحد ; هو أنه لا يعترف بأن ما هم عليه دين وأنه يدعوهم إلى الدين وإذا تقررت هذه البديهيه فإنه لا يكون منطقياً مع عقيدته إذا دخل في ولاء أو تناصر للتمكين للدين في الأرض مع من لا يدين بالإسلام إن هذه القضيه في الإسلام قضيه اعتقاديه إيمانيه كما أنها قضيه تنظيميه حركيه من ناحيه أنها قضيه إيمانيه اعتقاديه نحسب أن الأمر قد صار واضحاً بهذا البيان اذي أسلفناه وبالرجوع إلى النصوص القرآنيه القاطعه بعدم قيام ولاء بين المسلمين وأهل الكتاب ومن ناحية أنها قضية تنظيمية حركية الأمر واضح كذلك فإذا كان سعي المؤمن كله ينبغي أن يتجه إلى إقامة منهج الله في الحياة وهو المنهج الذي ينص عليه الإسلام كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بكل تفصيلات وجوانب هذا المنهج وهي تشمل كل نشاط الإنسان في الحياة فكيف يمكن إذن أن يتعاون المسلم في هذا السعي مع من لا يؤمن بالإسلام دينا ومنهجا ونظاما وشريعة ; ومن يتجه في سعيه إلى أهداف أخرى إن لم تكن معادية للإسلام وأهدافه فهي على الأقل ليست أهداف الإسلام إذ الإسلام لا يعترف بهدف ولا عمل لا يقوم على أساس العقيدة مهما بدا في ذاته صالحا والذين كفروا أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف والإسلام يكلف المسلم أن يخلص سعيه كله للإسلام ولا يتصور إمكان انفصال أية جزئية في السعي اليومي في حياة المسلم عن الإسلام لا يتصور إمكان هذا إلا من لا يعرف طبيعة الإسلام وطبيعة المنهج الإسلامي ولا يتصور أن هناك جوانب في الحياة خارجة عن هذا المنهج يمكن التعاون فيها مع من يعادي الإسلام أو لا يرضى من المسلم إلا أن يترك إسلامه كما نص الله في كتابه على ما يطلبه اليهود والنصارى من المسلم ليرضوا عنه إن هناك استحالة اعتقادية كما أن هناك استحالة عملية على السواء.
هداية وتدبر[4]
1. إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين جميعاً أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصاراً وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله، وأخبر أنه من اتخذهم نصيراً وحليفاً وولياً من دون الله ورسوله والمؤمنين، فإنَّه منهم في التحزّب على الله وعلى رسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منه بريئان.
2. ﴿لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء﴾ هو حكم تكليفي. وحيثية الإيمان بالله. فما دمت قد آمنت بالله فكل من تقدح أنت في إيمانه بمخالفته لمنهج ربه لا يصح أن يكون مؤتمناًَ على نصرتك؛ لأنه لم يكن أميناً على ما معه فهل تتوقع منه أن يعينك على الأمانة التي معك لا؛ لأنه لم يكن أميناً على ما نزل عليه من منهج. والولاية نصرة، والنصرة انفعال الناصر لمساعدة المنصور. وهل تجد فيهم انفعالاً لك ينصرك ويعينك، أو يتظاهرون بنصرتك، ولتعلموا أنهم سيفعلون ما قاله الحق: ﴿لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً﴾ [التوبة: 47] إنهم لو دخلوا في صفوفكم لفعلوا فيكم مثلما يفعل المنافقون، فما بالنا بالذين خانوا أمانة الكتب المنزلة عليهم؟ إذن فالموالاة والنصرة والمعونة يجب أن تكون من متحد معك في الغاية العليا. وما دام هناك من يختلف مع الإسلام في الغاية العليا وهي الإيمان فلا يصح أن يأمنه المسلم.
3. علل تعالى النهي بقوله: ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ أي إنما يوالي بعضهم بعضاً لاتحاد ملتهم
واجتماعهم في الكفر، فما لمن دينه خلاف دينهم ولموالاتهم ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ﴾ من جملتهم وحكمه حكمهم. وهذا تغليظ من الله وتشديد في وجوب مجانبة المخالف في الدين واعتزاله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تراءى ناراهما" ومنه قول عمر رضي الله عنه لأبي موسى في كاتبه النصراني: لا تكرموهم إذ أهانهم الله، ولا تأمنوهم إذ خوّنهم الله، ولا تدنوهم إذ أقصاهم الله: وروي: أنه قال له أبو موسى: لا قوام للبصرة إلا به، فقال: مات النصراني والسلام، يعني هب أنه قد مات، فما كنت تكون صانعاً حينئذ فاصنعه الساعة، واستغن عنه بغيره.
4. لا تجنحوا إلى الموالاة مع أعدائه - سبحانه - إيثاراً للسكون إلى الحظ، أو احتشاماً من القيام للحق، أو ركوناً إلى قرابة نَسَبٍ، أو استحقاقاً لمودة حميم، أو تهيباً من استيحاش صديق. بل صمموا عقودكم على التبرِّي منهم بكل وجه فهم بعضهم أولياء بعض، والضدية بينكم وبينهم قائمة إلى الدين. ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ﴾ التحق بهم، وانخرط في سِلكهم، وعُدَّ في جملتهم.
5. حكم هذه الآية باق. وكل من أكثر مخالطة هذين الصنفين فله حظه من هذا المقت الذي تضمنه قوله تعالى: ﴿فإنه منهم﴾، وأما معاملة اليهودي والنصراني من غير مخالطة ولا ملابسة فلا تدخل في النهي، وقد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودياً ورهنه درعه.
6. إن كون المؤمن موالياً للكافر يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون راضياً بكفره ويتولاه لأجله، وهذا ممنوع منه لأن كل من فعل ذلك كان مصوباً له في ذلك الدين، وتصويب الكفر كفر، والرضا بالكفر كفر، فيستحيل أن يبقى مؤمناً مع كونه بهذه الصفة. وثانيها: المعاشرة الجميلة في الدنيا بحسب الظاهر، وذلك غير ممنوع منه. والقسم الثالث: وهو كالمتوسط بين القسمين الأولين هو أن موالاة الكفار بمعنى الركون إليهم والمعونة، والمظاهرة، والنصرة إما بسبب القرابة، أو بسبب المحبة مع اعتقاد أن دينه باطل فهذا لا يوجب الكفر إلا أنه منهي عنه، لأن الموالاة بهذا المعنى قد تجره إلى استحسان طريقته والرضا بدينه، وذلك يخرجه عن الإسلام فلا جرم هدد الله تعالى فيه فقال: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَىْء﴾.
7. إن قيل: لم لا يجوز أن يكون المراد من الآية النهي عن اتخاذ الكافرين أولياء بمعنى أن يتولوهم دون المؤمنين، فأما إذا تولوهم وتولوا المؤمنين معهم فذلك ليس بمنهي عنه، وأيضاً فقوله ﴿لاَّ يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أَوْلِيَاء﴾ فيه زيادة مزية، لأن الرجل قد يوالي غيره ولا يتخذه موالياً فالنهي عن اتخاذه موالياً لا يوجب النهي عن أصل مولاته.
قلنا: هذان الاحتمالان وإن قاما في الآية إلا أن سائر الآيات الدالة على أنه لا تجوز موالاتهم دلّت على سقوط هذين الاحتمالين. أ هـ {مفاتيح الغيب حـ 8 صـ 10 ـ 11}
8. ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنْكُمْ فِإِنَّهُ مِنْهُم﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: موالاتهم في العهد فإنه منهم في مخالفة الأمر. والثاني: موالاتهم في الدين فإنه منهم في حكم الكفر، وهذا قول ابن عباس.
9. من يتولَّ اليهود والنصارى دون المؤمنين فينصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم لأنه لا يتولى مولى إلا وهو راضٍ به وبدينه، وإذا رضيه ورضي دينه صار منهم وهذا تعليم من الله تعالى وتشديد عظيم في مجانبة اليهود والنصارى وكل من خالف دين الإسلام.
10. تعليل صريح للنهى عن أن يكون المؤمنون أو بعضهم فى ولاية غير المؤمنين، وأن تكون سيوفهم وكل قوتهم لغير المؤمنين. والذى يستفاد أن السبب فى أنه لا يجوز للمؤمنين أن يتولوا غير المؤمنين بأن يكونوا فى ولايتهم، يتكون من ثلاثة أمور: أولها: أن غير المؤمنين لا يمكن أن يرعوا حقوق المؤمنين حق الرعاية، بل لا يألونهم خبالا، وقد حققت الأيام ذلك، فإن مسلمى يوغسلافيا مع قيامهم بحق إقليمهم فى نصرته لا يكادون يستمتعون بأى حق سياسى، ولا يتولون أعمالاً إدارية إلا فى صغير الأمور. وثانيها: أن الذى يكون فى ولاية غير المسلمين تكون نصرته وقوته لغير المسلمين ؟ ولذا قال سبحانه: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ إذ تكون كل قوته وكل نشاطه الإنسانى والاجتماعى لهم، وليس للإسلام منه شىء. وثالثها: أن المسلمين الذين يكونون فى ولاية غيرهم يفتنون فى دينهم، ولو من قبيل العدوى وعدم تنفيذ أحكام الإسلام فى الدولة، وفى ذلك فساد أى فساد. ولذا قال تعالى: ﴿ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾الأنفال73 .
11. التنبيه إلى أن تولي المؤمنين لغيرهم ليس معناه المحبة، فإن بر المؤمن لغير المؤمن واجب إن تحقق السبب الموجب للبر، فقد قال تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾الممتحنة8-9.
12. من يدخل فى ولاية الكافرين، ويترك ولاية المؤمنين فقد قطع صلته بالله سبحانه وتعالى قطعاً تاماً؛ لأن ولاية المؤمنين هى ولاية الله تعالى.
13. روي أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال "لا يطعم أحدكم طعم الإيمان حتى يحب فى الله ويبغض فى الله، حتى يحب فى الله أبعد الناس، ويبغض فى الله أقرب الناس إليه "[5]
14. قال المهايمي: إذا كان تودد أهل الكتاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقصد افتتانه عن بعض ما أنزل الله مع غاية كماله، فكيف حال من يتودد إليهم من المؤمنين ؟
15. إن اليهود بتدبير من النصارى، وبقوة سلاحهم أيضاً جاؤا واغتصبوا فلسطين وأجزاء من سورية ومصر، بمعونة أمريكا وسلاحها ومالها، ولا يزالون في حماية امريكا. وحتى اوروبا والدول الغربية جميعاً فإنهم يعطِفون على اليهود أعداء العالم أجمع, ونحن بحكم جهلنا، لانزال نستنصر أمريكا وغيرها ونطلب المعونة منها، مع أننا لو اجتمعت كلمتُنا ووحّدنا صفوفنا، لما احتجنا الى شيء من ذلك. ولكنّنا تفرّقنا، وبعُدنا عن ديننا ومزّقتنا الأهواء وحب المناصب. بذلك قوي اليهود من ضعفنا، فهم يهدّدوننا، ويهاجمون بلداننا وقرانا، ويعيثون في الأرض فسادا. هذا وكلُّ منّا يود المحافظة على منصبه ويبيع في سبيله كل ما عداه.
16. ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ ظاهره العموم والمعنى على الخصوص، أي:
من سبق في علم الله أنه لا يهتدي. قال ابن عطية: أو يراد التخصيص مدة الظلم والتلبس بفعله، فإن الظلم لا هدى فيه، والظالم من حيث هو ظالم ليس بمهتد في ظلمه. وقال أبو العالية: الظالم من أبي أن يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وقال ابن إسحاق: أراد المنافقين. وقيل: الظالم هو الذي وضع الولاية في غير موضعها.
[1] . زاد المسير - ابن الجوزي.
[2] . التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج. الوسيط في تفسير القرآن الكريم.
[3] . في ظلال القرآن.
[4] . انظر: تفسير الطبري. جامع لطائف التفسير. زهرة التفاسير. تفسير النكت والعيون. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز. لباب التأويل في معاني التنزيل. تفسير البحر المحيط. تفسير لطائف الإشارات. تيسير التفسير/ القطان. خواطر محمد متولي الشعراوي.
[5] . ذكره أبو السعود فى تفسيره : ج 4 ، ص 54 ، والزمخشرى فى الكشاف : ج 2 ، ص18.