حقائق جريئة
الحمد لله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى..
عبد الرحمن السيد
الحمد لله على نعمة من أعظم النعم التي ينعم بها جل جلاله على كثير من خلقه وهم وبكل أسف عنها غافلون.. ألا وهي تلك الخواطر التي ترد وتنهال على قلب الإنسان بين حين وآخر فتحدث التغيير.. التغيير في التصور.. في التفكير.. في التعامل مع الأحداث.. في العلاقة مع رب الأرض والسماء.. التغيير في كل شيء..
تلك الخواطر هي رسائل للسعادة، رسائل ليتحول الإنسان من ذلك الإنسان الشهواني إلى الإنسان الروحاني.. الزاكي.. الطاهر..
إنها رسائل إلهية رسائل لا تدري أيها القارئ كيف تأتيك ولكنها تأتي، وعلى قدر كفاحك وعلى قدر محنتك أو على قدر البلاء المصاحب؛ تكون قيمة وعظمة وتأثير تلك الخواطر..
أيها المؤمن..
أهدي إليك ما أدركته في هذه الأيام لقد أدركت شيئا عظيما وهو من أعظم ما أدركته حتى الآن..
قد تتعجب عندما تتعرف على ما أدركت لكني أدكت حقيقة هامة أدركتها وأحسست بها فحلقت في عالم واسع بكل ما تحويه هذه الكلمة من رحابة وسِعَة..
عالم فسيح من السعادة..
لا أستطيع أن أصف لك عزيزي القارئ تلك السعادة لكني أحسست بشيء آخر، لم أتعود عليه منذ زمن بل لم أعرفه أصلا؛ أحسست بِقُرب عجيب من ملك الملوك جل جلاله، وصاحَب ذلك القرب سعادة غامرة تُنسي كل شيء..
أتدري ماذا أدركت..
لقد أدركت أن الله..
الله الذي خلقني ويرزقني ويشفيني وإليه أعود فيحاسبني..
لقد أدركت أن الله رحيم .. رحيم بكل ما تحويه هذه الكلمة من رحمة...
قد يقول قائل كلنا نعلم ذلك.. وقد يقول آخر ألم تعلم أن الله رحيم إلا في هذه الآونة.. أين أنت من تلك الصفة وذلك الاسم.. ألم تكن مسلما.. أم أنك أسلمتك لتوك الآن...
أيها القارئ الحبيب لقد أدركت رحمة الله بلساني، ثم أدكتها بقلمي، وها أنا الآن أدرك رحمة الله بقلبي.. فصارت جزءا من حياتي لا أستطيع العيش بدون استشعارها..
الرحيم.. ما أحلاها من كلمة عندما تستشعر معناها فتعيشها على حقيقتها.. ستذوب معها هموم الدنيا وآلامها مهما كانت عندما تدرك أن الرحيم الذي بيده كل شيء لا يُحدِث أمرا يتعلق بحياتك ما دمت به مؤمنا إلا وفيه رحمة بك وعطف وحنان عليك..
أدركتُ تلك الحقيقة في قول الرسول صلى الله عليه وسلم في قصة المرأة التي كانت تبحث عن ولدها بين الأسرى ثم أخذته فألقمته ثديها وكلها رحمة وشفقة وحنان.. في تلك اللحظات نظر رسول الله إلى أصحابه وقد رأى علامات الرقة والرحمة التي علت وجوههم تأثرا بذلك المشهد وتلك الرحمة التي بلغت كل مبلغ، فقال عليه الصلاة والسلام: أترون هذه طارحة ولدها في النار!! فأجاب الصحابة بكل يقين: لا وهي تقدر على ذلك. فأرسلها عليه الصلاة والسلام مطمئنة لكل قلب رحيم (( لله أرحم بعباده من هذه بولدها )) ..
إلهي..أحبك لأنك رحيم، وأسعد بعبوديتي لأنك أنت الذي تدبر أمري برحمتك، وإن لم أُدرك تلك الرحمة بعقلي القاصر لكني أدرك أنك رحيم..
أدركت تلك الرحمة في ذلك الأسلوب الراقي الذي يتعامل به ملك الملوك جل جلاله مع عباده الضعفاء.. تأمل هذه القصة ..
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقابل أُبي بن كعب، قائلا إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ.. قَالَ أبي وهو لا يكاد يصدق ما يسمع.. آللَّهُ سَمَّانِي لَكَ... قَالَ: اللَّهُ سَمَّاكَ لِي... فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكِي.. لعله يبكي من الفرح.. لعله استصغر نفسه أن تُذكر عند ملك الموك جل جلاله.. كيف ينطق باسمه الجبار صاحب العظمة والجلال..
شيء رائع بل وأكثر من رائع أن يكون ذلك الاهتمام من ملك الملوك جل جلاله .
تأمل عزيزي:
سعد ابن معاذ صحابي جليل عاش في الإسلام مدة وجيزة يسيرة لكنها زاخرة بالتضحيات وتقديم لما يحبه الله ورسوله على ما تهواه نفسه وتشتهي، ذلك الصحابي اهتز لموته عرش الرحمن.. عرش من ؟؟ عرش الرحمن.. تخيل شيء عجيب أليس كذلك..
عرش الرحمن جل جلاله يهتز لموت سعد بن معاذ وهو بشر.. قد يكون فرحا واستبشار بعودته إلى جنات النعيم.. قد يكون لإظهار مكانته بين بني جنسه قد يكون... قد يكون...
فيا له من عطف وود واهتمام؛ ذلك الذي رأيناه في ذلك المشهد المهيب..
كنت أعتقد في يوم من الأيام أن العلاقة بين الملك جل جلاله وعبيده من البشر أعلى وأجل من أن يكون هناك مثل هذه الصور الرحيمة لكني أدركت أني واهم.. أدكت أني لا أعلم شيئا عن رحمة الله جل جلاله ..
تأمل..
الله هو الذي خلق ومع ذلك يتودد إلى من خلق .. صورة ندرك معها رحمة الخالق جل جلاله و كأني أسمع قائلا يقول: هو خلقك فأنت له وحينما يتعامل معك يتعامل مع شيء من صنع يده جل جلاله فلماذا لا يعامله برحمة ورفق وحنان وهو منه وإليه يعود بل هو على امتداد وجوده ملكه..
تأمل معي رحمة الباري جل جلاله في كل شيء.. تأملها في حنان الأم على طفلها الوحيد.. تأمله في رحمة الحيوانات والطيور بصغارها.. أتدري مصدر تلك الرحمة.. إنها منه جل جلاله؛ هو خالقها وموجدها وكما هو معلوم أن فاقد الشيء لا يعطيه أليس كذلك؟
ما رأيك عزيزي القارئ..
ألا تستحق تلك الرحمة أن نخجل من تقصيرنا تجاه الرحيم جل جلاله..
ألا تستحق أن أبكي فرحا باصطفائه إياي بهذا الدين الحنيف..
ألا يستحق أن أشتاق بل وأذوب شوقا وكمدا وأنا أنتظر تلك اللحظة التي ألقاه فيها أرى فيها تلك الرحمة العظمى.. ما أحلاها من لحظات..
عهدا ووعدا يا أرحم الراحمين أن أحيا من أجلك.. من أجلك وحدك أطبق أوامرك وأنتهي عن نواهيك وأستمر على هذا إلى أن ألقاك فترحمني برحمتك التي وسعت كل شيء.. كما أشعرتني بها في دنياي أرجوك يا أرحم الراحمين متعني بها في جنتك جنات النعيم..
وحتى نلتقي مع حقيقة أخرى أتركك أيها القارئ الكريم لتعيش مع رحمة الله وفي رحمة الله تستشعرها وتطبقها في حياتك مصداقا لقول الرسول الرحيم صلى الله عليه وسلم (( الراحمون يرحمهم الرحمن .. و.. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء )) أتركك لتعيش تلك الرحمة هنا وتنتظرها هناك.. وكلي أمل.. أن يرحمنا أرحم الراحمين..