دعوتنا ... بين الألم ... والأمل
عصام ضاهر
مدرس وحاصل على دبلومة في التربية
ذرفت عيناي الدموع وأنا أشاهد الحوار الحي من خلف القضبان لإخوان بني سويف والمنشور على موقعwww.swefonline.com ، وأحسست بشعور غريب يملأ قلبي ، ويسيطر على جوانب نفسي ،ويمتلك كل جوارحي ، شعور يجمع بين السعادة والحزن ، والأمل والألم ، بين الحب والشفقة على هؤلاء الشرفاء وغيرهم من القابعين خلف القضبان ، لا لشيء إلا لأنهم قالوا ربنا الله ، ولأنهم رفضوا المساومة على مبادئهم ،أو الانخداع بغيرها ، ولأنهم أبوا إلا أن يكونوا مخلصين لله ولوطنهم في زمن كثُر فيه النفاق والمنافقون ، كما أنهم ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أطهارا نظيفين في عصر كثر فيه الوحل والفساد ، ورفعوا أكف الضراعة إلى الله بقول يوسف عليه السلام (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) [ يوسف من الآية 33 ] فما كان رد النظام عليهم إلا بقوله (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) [الأعراف من الآية 82 ] .
ولعل المطالع للصحف والجرائد اليومية ، والمتابع لقنوات الأخبار العالمية ، يجد أنه لا تكاد تخلو صحيفة أو جريدة من الجرائد اليومية ، أو نشرة من النشرات الإخبارية من خبر يتعلق بالقبض واعتقال العشرات من الإخوان المسلمين ومن معظم محافظات الجمهورية .
ولعل الأحداث الأخيرة والخاصة بفرض الحراسة على أموال بعض الإخوان ، وإحالتهم إلى المحاكم العسكرية بتهمة الانتماء إلى جماعة محظورة ، ومحاولة قلب نظام الحكم - وما أشبه الليلة بالبارحة ، ويا له من أمر عجيب أليست هذه جريمة كل داع إلى الله تعالى على مر العصور ؟؟! - ربما أصابت مثل هذه الأمور وتلك الأحداث البعض منا بالجزع والفزع ، وربما بدأ يدب اليأس في القلوب ويتسلل إلى النفوس ، وضاع الأمل ، وحل التشاؤم ، وغاب التفاؤل ، حتى من أحاديثنا وكلماتنا العابرة حتى أصبحنا نجد أنه من المستحيل أن تتغير الأوضاع ، والظروف المحيطة بنا – حتى في بعض أوساط الملتزمين – وبدا حالنا كما صوره القرآن الكريم في قوله تعالى ( حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ... أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) [سورة البقرة: من الآية 214] . ولهؤلاء ولإخواننا المعتقلين وأهليهم نقول لهم :
سنة لا تتغير .. ولا تتبدل
اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون هناك صراع دائم بين الحق والباطل ، وبين الخير والشر ، وبين الغث والثمين ، وبين الفضيلة والرذيلة ، وبين الطهر والنجاسة . وأن هذا الصراع الدائم لهذه الحكمة الربانية (أَحَسِبَ الناسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا ءامَنا وَهُم لاَ يُفتَنُونَ (2) وَلَقَد فَتَنا الذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَن اللهُ الذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَن الكَاذِبِينَ ) [ العنكبوت : 2-3 ]
كما اقتضت حكمته تعالى أن الباطل مهما علا فلا بد له من نهاية ، ومهما اشتدت الكروب فلابد من ظهور الفرَج ، وأن الحق هو الثابت في الأرض والباطل إلى زوال ( كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ ) [ الرعد من الآية 17 ] .
يقول عبد الكريم زيدان في كتابه ( أصول الدعوة) :" الابتلاء سنة إلهية يبتلي الله من يشاء من عباده ، بمن يشاء ، متى يشاء ، كيفما شاء ".
حتى يميز الله الخبيث من الطيب
- ومن طبيعة هذا الصراع الدائم أنه في مظهره ابتلاء للمؤمنين ، ولكن يحمل بين طياته الاصطفاء من الله تعالى لهم ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ) [ محمد31 ] .
- كما أنه تمييز للخبيث من الطيب ، كما قال تعالى ( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) [ آل عمران من الآية 179 ] .
طريق الأنبياء والصالحين
طريق الدعوة إلى الله تعالى تحفه المخاطر ، وتحيط به العقبات ، ولكنه الطريق الموصل إلى رضا الله في نهايته ، وما من داعية قام يدعو إلى الله ، إلا أصابه من الأذى الكثير ، وتعرض له أصحاب الهوى محاولين أن يثنوه عن ذلك الأمر ، حتى الأنبياء نالهم من الأذى الكثير ، والسيرة وكتب التاريخ مملوءة بالكثير من هذا ، وخير شاهد على ذلك ، ويكفينا حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث يقول " لَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ وَلَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَالِثَةٌ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا مَا وَارَى إِبِطُ بِلَالٍ " [ سنن ابن ماجه - ج 1 / ص 174 ].
هذه طبيعة دعوتنا
ودعوة الإخوان المسلمين مثل غيرها من الدعوات الإصلاحية نالها الكثير من الأذى والبطش من دعاة الباطل ، وأصحاب المنافع والهوى ، لاسيما أنها دعوة تهتم بالتربية وترى الإسلام من منظور شمولي ، وأنه يتناول مظاهر الحياة جميعا .
وقد كان الإمام البنا يقرأ الواقع جيدا ، ويرى المستقبل بعين البصيرة ، ولقد تحدث عما سوف يقع للإخوان من الابتلاء قبل وقوعه بكثير فقال ( أحب أن أصارحكم أن دعوتكم لا زالت مجهولة عند كثير من الناس ، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها ستلقى منهم خصومه شديدة وعداوة قاسية ، و ستجدون أمامكم كثيراً من المشقات وسيعترضكم كثير من العقبات ، وفي هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات .... وستدخلون بذلك ولا شك في دور التجربة والامتحان ، فستسجنون وتعتقلون ، وتنقلون وتشردون ، وتصادر مصالحكم وتعطل أعمالكم وتفتش بيوتكم ، وقد يطول بكم مدي هذا الامتحان ، ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كله نصرة المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ .......... فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) [ من رسالة بين الأمس واليوم ] .
فطريق الدعوة ليست مفروشة ورودا، إنما الدعاة هم أشد الناس تعرضا للأذى والمحنة في أنفسهم وأموالهم وكل عزيز لديهم ، فكان لآدم إبليس ، ولإبراهيم النمرود ، ولموسى فرعون ، ولمحمد عليه وعلى الرسل الكرام الصلاة والسلام أبو جهل وزمرته ، كما للدعوة وأتباعها من يعاديهم من فراعنة اليوم وشياطين الأرض ( الشيخ محمد عارف – نعمة الابتلاء ) .
همسات محب
- يا أحبابنا في الله لا تيأسوا ، فنصر الله آت لا محالة ، ومهما طال الليل ، فلا بد من طلوع الفجر ، فإنَّ الله سبحانه يقول :( فَإِن مَعَ العُسرِ يُسراً (5) إِن مَعَ العُسرِ يُسراً ) [ الشرح : 5-6 ] . ولن يغلب عسرٌ يسرين، كما قال عمر الفاروق رضي الله عنه ، وكما قال الشافعي :
وَلَرُبَّ نازِلَةٍ يَضيقُ لَها الفَتى ذَرعاً وَعِندَ اللَهِ مِنها المَخرَجُ
ضاقَت فَلَمّا اِستَحكَمَت حَلَقاتُها فُرِجَت وَكُنتُ أَظُنُّها لا تُفرَجُ
- أحبابنا في الله سلموا أموركم لله ، وتوكلوا عليه ، فإن من توكل على الله كفاه ، وماذا فقد من وجد الله ، واعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطئكم ، وأن فرج الله قريب ، كما قال الشاعر :
يا صاحب الهمِّ إنَّ الهم الـيأس يقطع أحياناً بصاحبه الله يُـحدِث بعد العسر ميسرة إذا بُليت فثِقْ بالله وارضَ به واللهِ مـا لكَ غير الله من أحدٍ | منفرجٌأبـشِـر بخيرٍ فإنَّ الفارج الله لا تـيـأسـنَّ فإنَّ الكافي الله لا تـجـزعنَّ فإن القاسم الله إنَّ الذي يكشف البلوى هو الله فـحـسبُك الله في كلٍ لك الله |
- أحبابنا في الله عليكم بالدعاء ، فإنه سلاح المؤمن ، وعليكم بالتضرع إلى الله تعالى – خاصة – في وقت السحر ، فسهام الليل لا تخطئ القدر ، وتمثلوا قول الشاعر :
يا من يرى ما في الضمير ويسمع يـا مـن يـرجـى للشدائد كلها يـا من خزائن رزقه في قول كن مـالـي سوى فقري إليك وسيلة مـالـي سوى قرعي لبابك حيلة ومـن الذي أدعو وأهتف باسمه حـاشـا لجودك أن تقنط عاصيا | أنـت الـمـعـد لـكل ما يتوقع يـا مـن إليه المشتكى والمفزع امـنـن فـإن الخير عندك أجمع فـبـالافـتـقار إليك فقري أدفع فـلـئـن رددت فأي باب أقرع إن كـان فضلك عن فقيرك يمنع الـفـضل أجزل والواهب أوسع |
وقول الشاعر :
نسألك اللهم يا عالماً بكل شيء يا سميع الدعاء
أن تمنع الضراء عنا وأن تمنحنا منك تمام الرضاء
- أحبابنا في الله – أنتم الرجال في زمن عزت فيه الرجولة ، وأنتم الأنصار في وقت قل فيه النصير ، ونحسبكم ممن قال الله تعالى فيهم ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا ) [سورة الأحزاب: 23]
نسأل الله تعالى أن يفرج كرب إخواننا ، وأن يعيدهم إلى أهلهم سالمين آمنين ، إنه نعم المولى ونعم النصير .