حقائق جريئة
عبد الرحمن السيد
الحمد لله على ما قذف في القلب من أفكار للسعادة..
الحمد لله على ما وهب للعقل من خواطر للراحة..
الحمد لله الذي هدى البعض إلى إدراك بعض حقائق الحياة وهُم لا يزالون في هذه الحياة القصيرة الزائلة فسادوا أيما سيادة..
وصلاة وسلاما على حبيبه ومصطفاه الذي علمه من العلوم والحكم ما بلغ به ما بلغ فغير مجرى التاريخ في فترة قصيرة وجيزة، فكان ما صار أقرب إلى الخيال منه إلى الحقيقة، ثم أما بعد..
أيها القارئ..
هل تكره الموت ؟ هل تخاف من الموت ؟
هل تهتم لتلك اللحظة التي تفارق فيها هذه الدنيا إلى عالم آخر لا تعلم عنه إلا الشيء القليل ؟
إن كنت كذلك فهيا معي لنعانق بعض الحقائق التي تغير الأفكار وتقلب المفاهيم، فإذا بك تعشق الموت، وإذ بك تسلك دروبه غير آبه أو عابئ بما كنت تخشى وتُحاذر..
هيا بنا أيها القارئ وأحسبك لا تريد إلا حياة الراحة ومن أعظم الراحة أن تعيش حرا لا تخاف ولو من الموت..
أيها الشهم ..
نحن نخاف من الموت لأننا نرى أنه انقطاع لشهوات وملذات قد ألِفناها وتعلقنا بها في هذه الحياة.. أليس كذلك!!
لكن.. تأمل في نفسك يوم أن كنت جنينا في بطن أمك قد ألفت حياة الراحة والهدوء لا ترى إلا ما يحيط بك فهو عالمك وإدراكك، أتذكر يوم أن انفجر ذلك الكيس الذي يحتويك.. أتذكر يوم أن خرجت من بطن أمك.. بكيت بل وأجهشت بالبكاء..
بكيت لأنك غادرت ما تعودت عليه وألفته، لكنك وبعد مدة من الزمن ألفت الحياة الجديدة وأصبحت تدرك أن تلك الحياة التي كنت تحياها ما هي إلا سجن بالنسبة إلى هذه الحياة التي تحياها الآن..
أيها المتأمل..
هذه صورة تتكرر.. تتكرر ولكن مع اختلاف الاسم، سماها الناس في المرة الأولى ولادة ثم كانت في المرة الأخرى وفاة وموت، مع أن الصورة مشابهة، فالروح التي تسكن جسدك الآن ترى أن هذه الدنيا هي كل ما في الوجود لكنها بمجرد خروجها من جسدك بالموت تدرك أن هناك حياة أخرى أوسع وأرحب من تلك الحياة فتدرك حينها أنها كانت في سجن ولكن أكبر من ذلك السجن الأول. بل نسبة السجن الأول ( بطن الأم ) إلى السجن الثاني ( جسد الإنسان، والحياة الدنيوية )أقرب بكثير من نسبة السجن الثاني ( الحياة الدنيوية ) إلى ( تلك الحياة الأخروية )، أي أن الحياة الأخروية أوسع وأفسح بكثير من تلك المقارنة التي كانت بين بطن الأم وجسد الإنسان..
تعمق في التفكير لتدرك أن الجسم.. جسم الإنسان ما هو إلا سجن للروح، فالروح تريد الانطلاق إلى كل ما تريد، ما ترى وما لا ترى لكنها مقيدة بذلك السجن الذي هو جسم الإنسان لكنها عندما يفسد هذا الجسد أو ينفجر كما انفجر كيس الماء الذي يحمي الجنين فإن الروح تخرج إلى عالم أوسع وأفسح بكثير كما ذكرنا قبل قليل..
قد تبكي وقد تحزن عند الفراق لكن هذا الشعور يزول كله بمجرد رؤيتك لذلك العالم الآخر إن كنت طبعا من أهل الله المتبعين لنهجه في هذه الحياة..
أيها المفكر..
قد يقول قائل لكني أريد أن أقابل الموت بثبات وشوق فيما عند الله..
جميل.. لكن ذلك لا يكون إلا باستحضار ما ينتظرك بعد الموت من نعيم واستقبال رائع وحفاوة من ملك الملوك وملائكته الطاهرين الطيبين...
قد تقول لكن الموقف لا يسمح لي بأن أفكر في مثل ذلك فهول الموت وشدته تُنسى كل شيء..
نعم كلامك صحيح لكن.. هناك من يثبُت في ذلك الموقف فلا تؤثر عليه أهوال الموت وشدته..
هو ذلكم الإنسان الذي ثَبَّتَه الله، يقول جل جلاله { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون } فصلت30، 31.
فالملائكة تبشرهم وقت قبض أرواحهم بما ينتظرهم من نعيم وسعادة وتبشرهم وتطمئنهم وتفند لهم أحزانهم حتى تختفي..
لكن هذا التأييد وهذا الثبات، يكون بقدر ثباتك الآن في هذه الأيام فكلما كنت أقرب من سيدك ومولاك كلما كان الوقوف إلى جوارك في تلك اللحظات..
كلما كان تذكرك لعظمة الله وقدرته وسلطانه.. هو المسيطر على فكرك وشعورك الآن؛ كلما كان تذكرك لجنة الله ورحمته ورضوانه هو الغالب على شعورك وقت مفارقتك لهذه الحياة، مثلا بمثل وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان !!
أيها العالي بهمته السامي إلى القمة..
استحضر عظمة الله في حياتك الآن.. تستحضرها وقت مغادرتك لهذه الحياة وتستحضر معها ما أعده لك العظيم في جنات النعيم فيهون عليك الموت بل تشتاق إليه وإلى ما ينتظرك من نعيم وسرور وحبور..
وحتى نلتقي مع حقيقة أخرى لك مني أيها القارئ العزيز أصدق الدعوات وأطيب الأمنيات..