معنى الخشوع
من خلال أقوال المفسرين
ربيع شكير
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله؛ نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأهله.
ثم أما بعد؛
فهذا بحث تتبعت فيه معنى كلمة الخشوع من خلال الوقوف على بعض التفاسير المشهورة المعروفة، وجمعت ورتبت ما ذكره أصحابها بخصوص هذه الكلمة، ومن أجل الاختصار فقد أوردت في هذا البحث ما قاله المفسرون عند قوله تعالى: « وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴿45﴾»[1] ،
عازما على ذكر ما يتعلق بالمواضع الأخرى في بحوث أخرى إن شاء الله تعالى.
فأقول وبالله التوفيق: إن الباحث عن كلمة الخشوع في القرآن الكريم لا يجدها بهذه الصيغة على وجه الخصوص، وإنما يجد صيغا أخرى-نحو: خاشعا، خاشعة، خشوع...- أورد المفسرون عندها الحديث عن معنى الخشوع، ومجموع المواضع التي جاءت بها هذه الكلمات سبعة عشر موضعا؛ كالآتي:
الموضع الأول: « وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴿45﴾»[2]
الموضع الثاني: «وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴿199﴾[3]«
الموضع الثالث: « وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ۩﴿109﴾ [4]«
الموضع الرابع: « يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ﴿108﴾ »[5]
الموضع الخامس: «فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴿90﴾»[6]
الموضع السادس والسابع: « الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴿2﴾»[7]
الموضع الثامن: «وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ »[8]
الموضع التاسع: « وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ »[9]
الموضع العاشر: «خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ ﴿7﴾»[10]
الموضع الحادي عشر: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ»[11]
الموضع الثاني عشر: «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ»[12].
الموضع الثالث عشر: «لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿21﴾»[13].
الموضع الرابع عشر: «خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ﴿43﴾ »[14] .
الموضع الخامس عشر: «خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴿44﴾»[15].
الموضع السادس عشر: « أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ﴿9﴾ »[16] .
الموضع السابع عشر: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ﴿2﴾»[17] .
الحديث عن الموضع الأول
1*يقول الإمام عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي في تفسيره لهذه الآية وعند حديثه عن الخشوع على وجه الخصوص، قال: والخشوع هو: خضوع القلب وطمأنينته، وسكونه لله تعالى، وانكساره بين يديه، ذلا وافتقارا، وإيمانا به وبلقائه[18].
2*ويقول الإمام العلم محيي السنة أبو محمد البغوي عند قول الله عزوجل:«إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ»يعني: المؤمنين، وقال الحسن: الخائفين وقيل: المطيعين وقال مقاتل بن حيان: المتواضعين، وأصل الخشوع السكون قال الله تعالى:« وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا » فالخاشع ساكن إلى طاعة الله تعالى[19].
3*وذكر الجلالين في تفسيرهما لقوله-تعالى-: «إلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ»؛ السَّاكِنِينَ إلَى الطَّاعَة[20].
4*وذكر الإمام القرطبي أن في قوله تعالى «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ» ثمان مسائل، اقتصرت على نقل جزء من المسألة الثامنة لصلتها بموضوعي هذا ، قال الثامنة: قوله تعالى: «عَلَى الْخَاشِعِينَ»، الخاشعون جمع خاشع وهو المتواضع والخشوع هيئة في النفس يظهر منها في الجوارح سكون وتواضع.
وقال قتادة الخشوع في القلب وهو الخوف وغض البصر في الصلاة[21].
5*كما لا يفوتني أن أنقل ما ذكره الإمام الطبري عند قوله تعالى: «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ»؛ قال: ويعني بقوله:«إلا على الخاشعين»: إلا على الخاضعين لطاعته، الخائفين سطواته، المصدقين بوعده ووعيده[22].
ومما سبق يتبين أن للخشوع اطلاقات عديدة، منها: الخضوع، والسكون، والانكسار، والطمأنينة، ... فهو خضوع وانكسار لله سبحانه وتعالى، وهو سكون وطمأنينة لطاعته وفي عبادته؛ ألم تر أن الجوارح تسكن وتطمئن إذا انكسر القلب وخضع. وللحديث بقية عند المواضع الأخرى بإذن الله تعالى، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
-سورة البقرة، الآية:45.[1]
-سورة البقرة، الآية45.[2]
-سورة آل عمران، الآأية: 199.[3]
-سورة الإسراء،الآية109.[4]
-سورة طه، الآية108.[5]
[6]-سورة الأنبياء، الآية:90.
-سورة المؤمنين، الآية:2.[7]
[8] -سورة الأحزاب، الآية:35.
-سورة الشورى، الآية:45.[9]
-سورة القمر، الآية:7.[10]
-سورة فصلت، الآية:39.[11]
[12] -سورة الحديد، الآية:16.
-سورة الحشر، الآية:21.[13]
[14]-سورة القلم، الآية:43.
-سورة المعارج، الآية:44.[15]
[16] -سورة النازعات الآية:9.
[17] -سورة الغاشية، الآية:2.
17- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للإمام عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (المتوفى : 1376هـ)، تحقيق عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، الأولى 1420هـ - 2000 م،ص:51.
18- معالم التنزيل، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي (المتوفى : 510هـ)، حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش، دار طيبة للنشر والتوزيع الطبعة : الرابعة ، 1417 هـ - 1997، ص:1/89-90.
19- تفسير الجلالين، جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (المتوفى : 864هـ) و جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (المتوفى : 911هـ).
20- الجامع لأحكام القرآن، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى : 671هـ)، تحقيق، هشام سمير البخاري، دار عالم الكتب، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة : 1423هـ/ 2003م.
21- جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى : 310هـ)،تحقيق أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة : الأولى ، 1420 هـ - 2000 م.ونفس الكلام ذكره الإمام ابن كثير رحمه الله في هذا الموض.