فتح قبور الشهداء

فتح قبور الشهداء

د. فاروق المناصير

في عهد الملك (فيصل بن عبد العزيز) ـ رحمه الله ـ هطلت أمطار غزيرة على المدينة المنورة ـ على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ـ وقد شكلت هذه الأمطار سيولاً شديدة في منطقة (جبل أحد) حيث تم دفن سبعين صحابياً من شهداء معركة أحد ـ رضوان الله عليهم ـ .

يقول عالم الدين العراقي (محمد محمود الصواف) ـ رحمه الله ـ عندما هطلت هذه الأمطار الغزيرة وشكلت تلك السيول العنيفة ، كشفت هذه السيول قبور الصحابة الكرام ، فشكل الملك (فيصل) لجنة من علماء المسلمين لإعادة دفن هؤلاء الصحابة الكرام ونقلهم إلى مكان آخر،يقول الشيخ (الصواف):

ـ كنت ممن فتح قبر سيد الشهداء (حمزة بن عبد المطلب) رضي الله عنه ورأيته عظيم الجثة قوي البنية وقد بُقر بطنه وجُدع أنفه ومُثل به ، وقد تم وضع يديه على بطنه ، فلما رفعناه سقطت يده عن بطنه وتدفق الدم القاني من جديد وكأنه قتل اللحظة ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ .)

وفي عقد الثمانينات من القرن الماضي وأثناء شق بعض الطرق السريعة في منطقة اليمامة القريبة من مدينة (الرياض) ، تم اكتشاف قبر قديم أثناء الحفر، فإذا هو قبر لأحد الصحابة وقد أصيب بعدة طعنات في الصدر والبطن وقد بُترت إحدى يديه .. فتم نقله إلى مقبرة البقيع في المدينة المنورة . وأثناء نقله سال الدم على جانبيه ـ الدم الساخن ـ وكأنه قد مات هذه اللحظة ، وانبعثت من هذا الدم رائحة المسك ، مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " اللون لون الدم والريح ريح المسك " .

وفي الثمانينات ـ كذلك ـ حدثني الشيخ الشهيد بإذنه تعالى ـ الدكتور عبد الله عزام عن رجل من (جزيرة العرب) من مدينة (بُريده) التي تقع شمال مدينة الرياض ، وقد سافر هذا الرجل مجاهداً في سبيل الله إلى أرض (أفغانستان) ، ومكث فيها أربع سنوات قبل استشهاده ، يقول الشيخ عبد الله عزام :

ـ كنا نرى الشهادة في وجهه ، كان كثير الصيام والقيام وقراءة القرآن .. والجهاد في سبيل الله ضد المحتل السوفييتي ، ولطول مكوثه في الجهاد والاستشهاد نسي حتى وجه زوجته وأولاده وبناته ، كان هدفه الأول والأخير أن يرزقه الله الشهادة في سبيله ، وقد منّ الله عليه بالشهادة لصدق نيته ، وقد دفناه في أحد الأودية القريبة من مدينة (كابول) ، يقول الشيخ عزام :

ـ العجيب أننا كلما مررنا بقبره سمعنا تكبيرات تخرج من قبره ، حدث ذلك أكثر من مرة وعلى مدى أسابيع وشهوراً وليس ليوم أو يومين .

لقد أكرمه الله بالشهادة والتكبير والتهليل حتى وهو في عالم البرزخ رحمه الله رحمة واسعة .

وفي إحدى الدول الإسلامية تم القبض على مجموعة من الشباب المؤمن ، وتحت التعذيب الوحشي اعترف بعضهم على زعيم المجموعة وكان هذا القائد قد أصيب بطلقات وجراحات قاتلة فتم دفنه من قبل إخوانه في حديقة أحد المنازل بعد استشهاده .

وعندما تم القبض على بعض أعضاء المجموعة وتحت التحقيق المصاحب للتعذيب الوحشي ، تم إرشادهم إلى مكان دفنه ، وذهبت مفرزة يقودها (عقيد ركن) إلى مكان الدفن ، وعندما تم فتح القبر إذ برائحة المسك تفوح عليهم من داخل القبر، وإذ بالشهيد ، أو قل بجثة الشهيد هي .. هي لم تتغير ولم تتحلل وكأن صاحبها قد مات منذ أقل من ساعة أو ساعتين ، ودمه ما زال ينزف من جروحه ، مع أنه مات منذ حوالي ثلاثة شهور أو أكثر.

فما كان من قائد المفرزة (العقيد الركن) إلا أن ينزع (نجومه) عن كتفه ، ويخلع ملابسه العسكرية ويقدم استقالته وهو يرى هذه الكرامة لهذا الشهيد (الأصولي) .. إنها كرامة الله لعباده المؤمنين والمجاهدين الذين ضحوا بأرواحهم وحياتهم من أجل دينهم وعقيدتهم في سبيل الله . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله حرم على الأرض أكل لحوم الأنبياء والشهداء " أو كما قال .

وقال عليه الصلاة والسلام : " للشهيد خمس خصال : يُغفر له عند أول دفقة من دمه ، ويؤمن من عذاب القبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة فيه خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج باثنتين وسبعين من الحور العين ، ويُشفع في سبعين من أهل بيته " أو كما قال عليه الصلاة والسلام .

ورب العالمين قال قبل هذا .. وبعد هذا : {ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون } [آل عمران 169 ، 170].