وتركوني وحيداً

وتركوني وحيداً

محمود القلعاوي

إمام وخطيب بوزارة الأوقاف

[email protected]

 

جلست مع جد أحد أصحابي منذ أيام وهو ابن السبعين من عمره ..  وأخذ يحكى لي عن ذكرياته وحياته كيف كانت ؟! .. عن رفيقة حياته ونصفه الثاني  وكيف رحلت وما تركته من حزن وألم .. عن أمه التي فقدها وهو المحب لها المتعلق بها .. عن صاحبه وحبيبه ورفيق حياته وكيف مات وتركه وحيداً .. عن جاره الذي كان يحسن إليه وكيف مات وجاء غيره مكانه ..  عن ذكرياته الجميلة وأحبابه الذين فقدهم .. ثمً قال لي : كلهم ماتوا وتركوني وحيداً .. لحظتها نظرت إليه فقد تغيرت نبرات صوته فوجدت الدموع تسكب من عينيه كالمطر .. والحزن على وجهه وكأنه لم يعرف البسمة منذ ولادته .. أحسست لحظتها كيف تكون قسوة الفراق .. وكم يعيش هذا الرجل في أحزانه ..  رباه ألهذا الحد تصل قسوة الفراق ..  أستأتى لحظة أفارق رفيقة حياتي زوجتي ؟! .. ألن أرى أولادي الصغار واحة قلبي وعمري .. أن استمتع ببسمتهم وكلمتهم بابا  .. رباه ما هذا الفراق .. أيصل ألمه لهذه الدرجة ؟!

هل فقدت حبيبي للأبد

هذه رسالة من زوجة شهيد  تقطر بالألم من شدة الفراق :

بسم الله الرحمن الرحيم : السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته : أنا زوجة شهيد ولي طفل يبلغ من العمر سنة واحدة .. أحتسب زوجي عند الله شهيداً .. وأنا أحب زوجي كثيرا وأتمنى من الله عز وجل أن يجمعني معه وابننا في الجنة .. أنا والحمد لله تقبلت الوضع لأن هذا قضاء الله وقدره  وأعلم أن الله  - عز وجل -  قد أكرم زوجي بالاستشهاد الذي طالما تمناه هو وتمنيته أنا له .. فمن شدة حبي له تمنيت له أقصى ما يمكن أن يتمنى المرء لنفسه في هذه الحياة وهو الاستشهاد في سبيل الله .. فرحت لأجله من كل قلبي وحمدت الله كثيراً كثيراً .. وأعلم أنه ما كان ليحدث له خير أكثر من هذا .. وأنا أطلب من الله عز وجل أن يعينني على تربية ابننا كما يحب الله ويرضى إلى أن يأتي أجلنا ونلتقي أنا وابني بزوجي الحبيب .. أريد أن أسأل هنا - حتى يطمئن قلبي- هل بالتأكيد سألتقي بزوجي العزيز؟! .. هل هو يشعر بي الآن؟! .. هل سيكون بانتظاري .. أم ...؟ .. يراودني تخوف دائما وشعور أن زوجي لن يتعرف علي يوم القيامة، ولن يتذكرني .. خصوصا أنني لم أكن زوجته إلا لمدة عام !! كيف سيتذكرني وهو في نعيم الجنة مع الحور العين!! والله لا تعلمون كم هذا الأمر يشعرني بأنني فقدت حبيبي للأبد  فعلا .. عندما أتذكر هذا أشعر أن الدنيا أظلمت في وجهي .. أتمنى منكم أن تطمئنوني .. زوجي .. هل يذكرني الآن ؟!  ..  بحثت كثيرا في الكتب عن ثواب زوجة الشهيد، لكن لا أحد يتحدث عنها.. الجميع يتحدث عن شفاعة الشهيد لوالدته وأهله.. أريد أن أعلم هل يشفع لزوجته .. ورد هذا السؤال في موقع إسلام أون لاين ومن أراد معرفة الرد فعليه بزيارة الموقع

لقــاء بلا فراق  ..

سبحان الله .. ما أجمل الجنة ونعيمها خلود بلا موت .. نعيم بلا موت .. لقاء بلا فراق .. قال تعالى:  ( وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ) سورة الرعد : 22، 23  .. وقال عز وجل في آية ثانية :( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ ) سورة يس: 55، 56  ..  وقال : ( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ )  سورة يس: 55، 56  ..  قال سعيد بن جبير: ( يدخل المؤمن الجنة .. فيقول: أين أبي؟ أين أمي؟ أين ولدي؟ أين زوجتي؟  .. فيقال: إنهم لم يعملوا مثل عملك .. فيقول: إني كنت أعمل لي ولهم  .. فيقال: أدخلوهم ) .. وورد في الأثر أن من أنواع الشفا عات شفاعة الرجل لأهله .. ينظر الرجل وهو في الجنة فلا يجد زوجه ولا أولاده فيشفع فيهم فيأذن له رب العزة أن يأخذ هم من النار إلى الجنة .. لا فراق يا سادة  في الجنة ..  الفراق الم ولا  ألم في الجنة .

غداً ألقى الأحبة

أحب بلال النبى – صلى الله عليه وسلم – حباً جماً .. وتعلق قلبه به – صلى الله عليه وسلم – واعتاد أن يراه في ذهابه وإيابه للمسجد  .. تخيلوا كيف يكون حال بلال لحظة وفاة حبيبه النبي –صلى الله عليه وسلم – تألم أشد الألم من شدة فراق حبيبه حتى لم يطق أن يسكن المدينة من غير حبيبه لقد صارت مصدر ألم بعد أن كانت مصدر فرح وسعادة .. إن كل مكان بذكره بالحبيب وبفراق الحبيب .. ماذا ستفعل يا بلال .. لقد تركها وذهب إلى مكان ينسى فيه ألامه ذهب إلى الشام ليعيش هناك .. حتى رأى بلال النبي - صلى الله عليه وسلم -  في منامه وهو يقول : ( ما هذه الجفوة يا بلال ؟ ما آن لك أن تزورنا ؟) فانتبه حزيناً .. فركب إلى المدينة .. فأتى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم- وجعل يبكي عنده ويتمرّغ عليه .. فأقبل الحسن والحسين فجعل يقبلهما ويضمهما  .. فقالا له :( نشتهي أن تؤذن في السحر !)000فعلا سطح المسجد فلمّا قال :( الله أكبر الله أكبر )000ارتجّت المدينة فلمّا قال :( أشهد أن لا آله إلا الله ).. زادت رجّتها فلمّا قال : ( أشهد أن محمداً رسول الله )000خرج النساء من خدورهنّ .. فما رؤي يومٌ أكثر باكياً وباكية من ذلك اليوم000 إلا يوم وفاة النبى – صلى الله عليه وسلم -  وكان آخر آذان له يوم توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، وعندما زار الشام أمير المؤمنين عمر-رضي الله عنه- توسل المسلمون اليه أن يحمل بلالا على أن يؤذن لهم صلاة واحدة ، ودعا أمير المؤمنين بلالا ، وقد حان وقت الصلاة ورجاه أن يؤذن لها ، وصعد بلال وأذن 000 فبكى الصحابة الذين كانوا أدركوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبلال يؤذن ، بكوا كما لم يبكوا من قبل أبدا ، وكان عمر أشدهم بكاء000 ومات بلال في الشام مرابطا في سبيل الله كما أراد وكان يردد لحظة وفاته غداً ألقى الأحبة محمد وصحبه

وبعد ..

ما أقسى الفراق وما أشده علينا .. ولكن بعملنا الصالح بجمعنا رب العزة - جل علاه - مع من نحب في جنة الفردوس على سرر متقابلين لقاء لا فراق بعده .