فلنستعد بالتوبة قبل رمضان

 وفي أيام رمضان

عادل هندي * - مكتب القاهرة

[email protected]

مدخل:

لا تقل من أين أبدأ    طاعة الله البداية

لا تقل أين طريقي     شرع الله الهداية

لا تقل أين نعيمي      جنة الله كفاية

لا تقل غدا سأتوب     ربما تأتي النهاية

المسلم ينتهز الفرص الصالحة؛ لأنه يدرك غايته ويعرف أهدافه ومحددٌ لطموحاته في الدنيا والآخرة، والمسلم يتزود للسفر في الدنيا فحق عليه أن يتزود لسفر الآخرة.

بداية:

للإنسان منا يا إخواني ميلادان:

1. ميلاد بخروجه من ظلمات بطن ورحم أمه إلى نور الدنيا.

2. وميلاد يوم يخرج من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة.

إن المسلم وهو في طريقه إلى الله تعالى يعتريه كثير من المعوقات، والتي تحاول إبعاده عن الله، ولكن من عظيم رحمة الله بالمسلم أن يعطيه فرصا ذهبية للخير والبركة والتوبة والعودة إليه والثبات على طريقه؛ تمنعه من الانزلاق في الشهوات أو الاستمرار عليها. والمسلم الناصح هو الذي يستعد لهذه النفحات المهداة من رب العزة جل وعلا.

أنت مسافر:

والمسلم ما هو إلا مسافر في هذه الدنيا إلى دار باقية دائمة (الدار الآخرة)، وحقٌّ على المسافر شيئان:

1.أن يتخفف من أحماله فالسفر بعيد والحِمْلُ ثقيل.

2.أن يتزود بخير الزاد وبما ينفعه هناك عند محطة الاستقبال بعد السفر. وصدق الله حين تحدث عن رحلة سفر الحجاج فأوصاهم بخير الزاد فقال لهم: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} (البقرة/ 197).

نفحة مهداة

وها هو رمضان -خير النفحات المهداة للأمة- أهم المناسبات التي تمر بالمسلمين كل عام، ها قد اقتربت أيامه وأوشكت الجنة أن تفتح أبوابها فلا تغلق، وقربت أن تغلق النار أبوابها فلا تفتح، وانهار الشيطان بسلاسله التي سيُغَلُّ بها ويُقَيَّد.

   قد اقتربت أيام الخير، والتي يجب على العاقل أن يقدر شرف ذلك الزمان الطيب، وكما يؤكد ابن الجوزي هذه الحقيقة قائلاً في صيد الخاطر: «حق على المسلم العاقل أن يعرف شرف زمانه ومكانه» والمطلوب هو الاستعداد الجاد في استقبال هذا الضيف المبارك (رمضان).

الناس قبل رمضان وفي رمضان:

كثير منا -يا إخوة- يأتيه رمضان ويعرض عليه بضاعته ثم هو يبخسه الثمن، فيضيع منه الأرباح ويفوته الفلاح.

كثير منا –يا إخواني- يدخل رمضان ويخرج منه وكأنه ما أقبل عليه رمضان ولا أثَّرَ في حياته؛ فقد صام وقام وقرأ عادي جدا ككل الناس بصورة عادية لا روح معها ولا تطبيق ولا عمل.

لذا كان لا بد من مسح ذلك الران الذي علا القلوب قبل إقبال رمضان. ولما اسودت الصفحات من كثرة السيئات كان لا بد من الإسراع في محوها بأسهل طريق وأيسر سبيل   (إنها: التوبة).

التوبة تعني:

·مغادرة كل ما يغضب الله، وترك ما يشين المرء هنا وهناك، ومحو ما تزل به القدم في الدنيا والآخرة.

·مفارقة الذنوب ومخاصمة السيئات صغيرها وكبيرها، سرها وعلانيتها.

نداؤنا اليوم: فلنستعد بالتوبة قبل دخول رمضان وفي أيام رمضان

والسؤال: لماذا نتوب؟

سؤال يسأله الناصح لنفسه، أما المتكاسل فلا يرى بأسا بما يصنع ولذا تجده لا يفكر إلا في هوى نفسه وعقله وشهوته {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (الجاثية/23)}.، وقبل أن نجيب على هذا السؤال بعناصره: هل نحن فعلا بحاجة إلى التوبة؟! نعم أخي وأختي !! نحن في أشد الحاجة للتوبة، وهى ضرورة حتمية للسائر إلى الله.

هل تدري أخي القارئ الكريم:

·أن تقصيرنا في تعجيل التوبة في حد ذاته يحتاج إلى توبة وتوبة؟!!

·رحِمَ الله (رابعة العدوية) كانت تنادي وتقول: «إلهي: كيف أقول أني عابدة لك واستغفاري يحتاج إلى استغفار» وورد مثل ذلك عن الحسن البصري -رحم الله الجميع-.

ممحاة الذنوب ضرورة:

      إننا هنا نتحدث عن ممحاة الذنوب، والتي بها تسكن القلوب، وبها يُقْبَل العائد والتائه الحيران.

التوبة ضرورة:

1.      لأن الناس عند الله نوعان (إما تائب أو ظالم) يقول الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (الحجرات/ 11)} فقد قسَّم الله تعالى الناس إلى صنفين: (إما تائب عائد إلى الله وإما ظالم لنفسه ومحبط لحياته)، فالتوبة ضرورية للخروج من دائرة الظالمين. وكذا اللحوق بركب المفلحين {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (النور/ 31)}.

2.      التوبة ضرورة؛ لأن الذنوب كثرت لدرجة أني أعتقد لو كانت الملائكة تمل أو تتعب لتعبت من تسجيل كثرة الذنوب، ولكنها لا تتعب ولا تمل ولا تسأم {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (التحريم/ 6)} ورحم الله قاتل المائة الذي تاب رغم كثرة ذنوبه ورغم ذلك قُبِلْ، فلكثرة ذنوبه تاب وقبله الله تعالى ولم يبخل عليه بالقبول فلنسارع إذا بالتوبة.

3.      التوبة ضرورة؛ لأن الأمة -اليوم- في وقت أزمتها وشدة كربتها تحتاج إلى تائبين صادقين مخلصين.... إنَّ من يرى هموم أمته، يرى هدم البيوت، تهويد المقدسات، انتهاك الحرمات، ثم لا يتوب ولا يُقْلِع عن زلاته فقد أثم إثمين: إثم الذنب، وإثم تأخير التوبة رغم ما يرى من أحوال أمته.

4.      التوبة ضرورة؛ لأن التائب حبيب الله {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (البقرة/ 222)} وهذا هو الكفل التائب الذي يوم مات كُتِبَ له على بابه: (إن الله قد غفر للكفل).

5.     التوبة ضرورة؛ لأنه سبحانه يفرح بالتائب فهل تريد فرحة الله بك ومباهاته بتوبتك ملائكته وسماءه وأرضه، يفرح الله بتوبة عبده فرحة لا شبيه لها ولا نظير، فرحة تغمر السماء وتملأ الأرض برياحينها، ولا أدل على ذلك من الرواية الآتية فعن أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة». متفق عليه. وفي رواية لمسلم: «لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة ، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح».

6.      التوبة ضرورة؛ لأن الأعمار غير مضمونة، وما أسرع الأيام والأوقات.. نذكر الآن أناساً كانوا معنا في رمضان يصلون معنا ويأخذون من الليل ويقرئون القرآن و......و... الآن: هم تحت التراب، يتمنون العودة إلى الدنيا ولو لساعة واحدة. فيا غافلًا عن تسارع الأزمان: انتبه وعُدْ وتُب إلى الله.

من أيِّ شيء نتوب؟

إن من الغالب في حياة الكثيرين كما يقول علماء النفس والتربية: يظن أنه غير نخطئ وإن اعترف بخطئه في جزئية فلن يعترف بأخطاء أخرى، والشاهد أن هناك كثيرا من الأخطاء والذنوب نحن لا ندرك أنها كذلك، ونحن في حاجة إلى توبة سريعة ونصوح، ومن بين ما نريد أن نتوب منه قبل رمضان وفي رمضان –مما نراه في حياتنا-:

1.                توبة من الكسل والسلبية.

2.                توبة من الغضب والعصبية (خاصة في الحياة الزوجية والمعاملات الأسرية)

3.                توبة من تضييع الأوقات والأزمان :

·                 في الكلام الكثير من الغيبة والنميمة، وهى أخطر آفات اللسان.

·                 في النوم الكثير والكثير.

·                 في مشاهدة القنوات الفضائية القاتلة للدين والوقت والخُلُقْ.

4.                توبة من شرب الدخان والمسكرات.

5.                توبة من العلاقات المحرمة (بين الشباب والبنات وبين الرجال والنساء).

6.                توبة من التسويف في الأعمال.

7.                توبة من تسويف التوبة خاصة.

8.                توبة من العقوق بين الآباء والأبناء.

كل هذه الأنواع من الذنوب واضحة لا تحتاج إلى تفصيل ويستطيع المسلم أن يسقطها على واقعه وسيرى فعلا أنه مذنب فلنبادر يا إخواني إلى التوبة -سريعا- من كل ما سبق صغيرا أو كبيراً.

لِكُلِّ  شَيءٍ  إِذا ما تَمّ نُقصانُ        فَلا  يُغَرَّ بِطيبِ العيشِ إِنسانُ

هِيَ  الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ       مَن  سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ

وَهَذِهِ  الدارُ  لا تُبقي عَلى أَحَدٍ        وَلا  يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ

وختاماً:

كيف ندرب أنفسنا في رمضان على التوبة؟

1.تذكر مراقبة الله دوماً على كل حال وعند كل خطوة.

2.الاستعانة بالدعاء ببساطة (سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي.....).

3.ليكن لك واعظ من رسالة الله إليك كل يوم ومن وعظ ونصائح الآخرين.

4.لزوم الصالحين وأماكن الصلاح (عليك بالمسجد دوما مع أهل الصلاح).

5. المحاسبة المستمرة (يوميا قبل النوم) والمراجعة للأعمال.

    نسأل الله تعالى أن يتوب علينا وعليكم وأن ينفعنا وإياكم بالقرآن والدين العظيم، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وكل عام وأنتم إلى الله أقرب وعلى طاعته أدوم وعن معصيته أبعد.

              

*/معيد بجامعة الأزهر الشريف، وباحث في العلاقات الإنسانية والشخصية الإيجابية،

وإمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية، وعضو نقابة القراء المصرية.