ضيف الفصول على الأبواب ..

حسن محمد نجيب صهيوني

[email protected]

يكاد يطل على أبوابنا ضيف عزيز، طالما نزعت إليه القلوب المؤمنة، وتعطشت إلى أفيائه النفوس التقية، وتأهّبت له الهمم العالية. ضيف ما فتئنا نهيئ أفئدتنا وجوارحنا له، ضيف عقدنا العزم له يصحبنا في ذلك قول جلّ من قائل (... وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)، ضيف يكلفنا القليل ويهبنا الخير الجزيل والثواب العظيم إن نحن عرفنا قدره، وأحسنّا استقباله وأكرمنا وفادته، واستثمرناه فيما يقربنا إلى الله زلفى.

إنه شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، إنه سيد الشهور وأفضلها على الدوام، إنه شهر القرآن والصيام والقيام، شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً وفضيلة، شهر تُفتح فيه أبواب الجنان، وتُغلق فيه أبواب النيران، وتُصفّد فيه الشياطين ومردة الجان.

شهر المغفرة والرحمة والعتق من النار، شهر الصبر والمواساة، شهر التكافل والتراحم، شهر التناصر والتعاون والمساواة، شهر الفتوحات والانتصارات، شهر تُرفع فيه الدرجات، وتُضاعف فيه الحسنات، وتُكفّر فيه السيئات، شهر فيه ليلة واحدة هي خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فهو المحروم.

 فهنيئاً لكم أيها المسلمون برمضان، والسعد كل السعد لكم بشهر الصيام والقيام، ويا بشرى لمن تعرض فيه لنفحات الله، وجاهد نفسه في طاعة الله (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا…).

فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: "كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه، يقول: "قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، فيه تُفتح أبواب الجنان، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغلّ فيه مردة الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم" رواه الإمام أحمد والنسائي والبيهقي.

 قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان. قال ابن رجب – رحمه الله-: "وكيف لا يُبشّر المؤمن بفتح أبواب الجنان؟ وكيف لا يُبشّر المذنب بغلق أبواب النيران؟ وكيف لا يُبشّر العاقل، بوقت يُغلّ فيه الشيطان، ومن أين يشبه هذا الزمان زمان؟.

 سُئِل ابن مسعود: (( كيف كنتم تسقبلون شهر رمضان؟ قال : ما كان أحدنا يجرؤ أن يستقبل الهلال وفي قلبه مثقال ذرة حقد على أخيه المسلم )).

والغريب ما نرى اليوم وما نسمع عن غفلة الناس في هذا الشهر العظيم، من تكديس لكل مطعوم ومشروب وولائم، حتى صار رمضان يعرف بشهر الأكل والشرب. أضف إلى ذلك اكتظاظ الأسواق والمحلات التجارية بالمتسوقين لغاية أو لغير غاية. ألهذا جاء رمضان إلينا؟ أبتلك الوسيلة نعظم قدره؟ أكذا ننال الأجر والثواب؟ نحن ليس ضد الأكل والشرب والتسوق، لكن ليكن هذا الشهر الخفيف ظله شهر صوم وعبادة وقيام، لندع عنا قيلة القائلين بحججهم الواهية (كيف سنضيع الوقت كيما يأتي موعد الإفطار؟) بل لنملأ وقتنا ونشغل ألستنا بالذكر والعبادة والاستغفار. ما أقصر وقتك يا رمضان!! وما أصعب رحيلك عنا!!.

يقول الإمام الغزالي : (( ومن آدابه ـ أي الصوم ـ أن لا يمتلئ من الطعام في الليل ، ومتى شبع أول الليل لم ينتفع بنفسه في باقيه ، وكذلك إذا شبع وقت السحر لم ينتفع بنفسه إلى قريب من الظهــر ، لأن كثرة الأكل تورث الكسل والفتور ، ثم يفوت المقصود من الصيام بكثرة الأكل ، لأن المراد منه أن يذوق طعم الجوع ، ويكون تاركاً للمشتهى )) .
وإلى من يقول بأن الاجتماع على الطعام بين الأرحام فيه الأجر والثواب والصلة، نقول لهم وهل صلة الأرحام لا تكون إلا بالاجتماع على الطعام؟ ثم إن هناك متسع في باقي أشهر السنة، أما رمضان فهو فرصة ونفحة ربانية لا ينبغي أن نضيعها في الطعام والشراب، ثم إننا نعيش في زمن قد تعقدت فيه أساليب الحياة، فما عاد تحضير الطعام بتلك السهولة التي كان عليها زمن الصحابة الكرام، ثم إنهم لم يكونوا يضيعون أوقاتهم في هذا الشهر الفضيل بالانشغال بتحضير الطعام وما يتعلق به، فقد كانوا يعيشون حياة البساطة، ولا يتكلفون في أكلهم وشربهم، وحتى لو اجتمعوا على الطعام، فليس ثمة صعوبة في الأمر، فطعامهم سهل التحضير ، ثم إنهم لم تكن لديهم هذه الأواني التي لدينا الآن فتحتاج الصحابيات إلى قضاء الساعات الطوال في تنظيفها!!، ولكنهم كانوا يغتنمون شهر رمضان بالقيام والاعتكاف وتلاوة القرآن والصدقات.

أنا أرى بأن الإطعام في هذا الشهر الفضيل يجب أن يكون بالدرجة الأولى للفقراء والمساكين والمحتاجين واليتامى وابن السبيل ..، وإطعام هؤلاء ينبغي أن يكون في رمضان وفي غير رمضان، ولكن ينبغي الحرص عليه أكثر في رمضان لمضاعفة الثواب: (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً).

والمهم أيضاً أن تتحقق لدينا ثمرة الصيام، وهي التقوى، لأنها لو تحققت فعلاً، لتغير حالنا ما بعد رمضان، ولأصبح دهرنا كله رمضان.

أدعو الله العلي القدير أن يمنّ علينا برحمته في هذا الشهر الفضيل، ويرزقنا طاعته وعبادته على أكمل وجه، اللهم آمين.