عظماء في الحب

عظماء في الحب

محمود القلعاوي

إمام وخطيب بوزارة الأوقاف

[email protected]

بين بلال وأبي ذر

فهذا أبو ذر رضي الله عنه عير بلاباً بأمه، فشكاه بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم ندم أبو ذر على ما بدر منه من قول ، فوضع خده على التراب ، وقال لبلال :- والله لا أرفع خدي حتى تطأه بقدمك ! فتعانقا وتصافحا .

الخلاف بين المهاجرين والأنصار

كاد المهاجرون والأنصار أن يقتتلوا وذلك بعد الإسلام! وسلوا السيوف، وتهيئوا للقتال! فخرج عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: (ما بال دعوى جاهلية)، ثم قال: (دعوها فإنها منتنة).. فبكوا، وأسقطوا السيوف من أيديهم، وتعانقوا فهذه الأخوة المعتصمة بالله نعمة يمتن الله بها على المسلمين، وهي نعمة يهيئها الله لمن يحبهم من عباده، وما كان إلا الإسلام وحده يجمع هذه القلوب المتنافرة، وما كان إلا حبل الله الذي يعتصم به الجميع، فيصبحون بنعمة الله إخواناً، وما يمكن أن يجمع القلوب إلا أخوة في الله تصغر إلى جانبها الأحقاد التاريخية، والثارات القبلية، والأطماع الشخصية، والرايات العنصرية، وصدق الله العظيم: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَ)

سورة آل عمران: الآية103

الخلاف بين معاوية وابن الزبير

كان لمعاوية مزرعة في المدينة، وله عمال، وكان لابن الزبير مزرعة بجانبها، ومعاوية آنذاك يحكم ما يقارب العشرين دولة، وابن الزبير واحد من رعيته، وكان بينهما حزازات قديمة، فأتى عمال معاوية ودخلوا في مزرعة ابن الزبير، فكتب ابن الزبير لمعاوية كتاباً، وكان رضي الله عنه غضوبا ً، فقال له:

بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله بن الزبير ابن حواري الرسول، وابن ذات النطاقين، إلى معاوية بن هند بنت آكلة الأكباد! أما بعد ... فقد دخل عمالك مزرعتي، فو الذي لا إله إلا هو إن لم تمنعهم ليكون لي معك شأن!!

فقرأ معاوية الرسالة، وكان حليماً، فاستدعى ابنه يزيد، وكان يزيد متهوراً، فعرض عليه معاوية الرسالة، وقال: ماذا ترى أن نجيبه؟

قال: أرى أن ترسل له جيشاً أوله في المدينة، وآخره عندك في دمشق يأتونك برأسه!!

فقال معاوية: لا .. خير من ذلك وأقرب رحماً.

فكتب معاوية: بسم الله الرحمن الرحيم، من معاوية بن أبي سفيان، إلى عبد الله بن الزبير بن حواري الرسول، وابن ذات النطاقين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ..

فلو كانت الدنيا بيني وبينك، ثم سألتها لسلمتها لك، فإذا أتاك كتابي هذا، فضم مزرعتي إلى مزرعتك، وعمالي إلى عمالك فهي لك، والسلام!!

وصلت الرسالة إلى ابن الزبير، فقرأها وبلها بدموعه، وذهب إلى معاوية في دمشق، وقبَّل رأسه، وقال له: لا أعدمك الله عقلاً أنزلك هذا المنزل من قريش.

فى معركة الجمل

في معركة الجمل خرجت عائشة وطلحة والزبير وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين وخرج الصحابة معهم بالسيوف وخرج علي رضي الله عنه ومعه بعض الصحابة من أهل بدر ومعهم السيوف يلتقون!

قيل لعامر الشعبي: الله أكبر! يلتقي الصحابة بالسيوف ولا يفر بعضهم من بعض؟!

قال: أهل الجنة التقوا فاستحيا بعضهم من بعض! فلما قتل طلحة في المعركة وكان في الصف المضاد لعلي، نزل علي من على فرسه وترك السيف، وترجل نحو طلحة، ونظر إليه وهو مقتول وطلحة أحد العشرة المبشرين بالجنة، فنفض التراب عن لحية طلحة وقال: يعز علي يا أبا محمد أن أراك على هذه الحال، ولكن أسال الله أن يجعلني وإياك ممن قال فيهم سبحانه وتعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) سورة الحجر:47 .

أعطيتنا حسناتك

ذكر الغزالي صاحب الإحياء أن الحسن البصري رحمه الله جاءه رجل فقال: يا أبا سعيد، اغتابك فلان!، قال: تعال، فلما أتي إليه أعطاه طبقاً من رطب، وقال له: اذهب إليه وقل له: أعطيتنا حسناتك، وأعطيناك رطباًً! فذهب بالرطب إليه!

والله يحب المحسنين

قال أهل السيرة: قام خادم علي هارون الرشيد بماء حار يسكب عليه، فسقط الإبريق بالماء الحار على رأس الخليفة أمير المؤمنين .. حاكم الدنيا!! فغضب الخليفة، والتفت إلى الخادم، فقال الخادم وكان ذكياً : والكاظمين الغيظ !

قال الخليفة: كظمت غيظي، قال: والعافين عن الناس،

قال:- عفوت عنك، قال: والله يحب المحسنين.

قال : اذهب فقد أعتقتك لوجه الله!!

من أغرب قصص الحب في الله

يقول الراوي: ( شاب في الثلاثينات من العمر أحضروه إلى المغسلة وكان برفقته بعض معارفه وإخوانه، فوجدت أحد الإخوة يقوم بإخراج جميع من كانوا موجودين في المغسلة ومن ضمن الذين أخرجهم والد الميت، فظننت أنه الأخ الأكبر لهذا المتوفى، فعندما بدأت في تجريد ملابسه فوجدته يبكي بحرقة شديدة بصوت مرتفع، فاستغربت من ذلك، فحاولت أن أركز في عملي، ومن شدة بكاء هذا الشاب دعاني ذلك للحديث معه: الله يجزيك خيراً، ادع لأخيك بالرحمة والشفقة فهو الآن في أحوج ما يكون لدعائك.. فقال لي وهو يبكي: إنه ليس أخي إنه ليس أخي! فاستغربت كيف وهو بهذه الحالة .. ثم يقوم بإخراج أبيه وإخوانه من مكان الغسل ويبقى هو لوحده! .. حاولت أن أستدرجه في الكلام لأخفف بكاءه .. فقال لي: هذا أكثر من أخي هذا أكثر من أخي وأبي .. فقد درسنا الابتدائية معاً ودرسنا المتوسطة معاً أيضاً ودرسنا الثانوية معاً وتخرجنا معاً وعينّا نحن الاثنين معاً في دائرة حكومية، وتزوجنا أختين معاً، ورزق ربنا كل واحد منا ولدا وبنتا وكنا نسكن في عمارة واحدة في شقق متقابلة، كل يوم نذهب للعمل بسيارة واليوم الثاني بسيارة الثاني .. إذا أفطرنا في بيت كان العشاء في بيت الثاني .. )

ويكمل الراوي: ( وفي عصر اليوم الثاني جاءوا لي بصاحبه ميتا .. لم أكن متذكراً .. فقلت لوالده: إن هذا الوجه ليس بغريب علي! فقال لي: كيف يا شيخ هذا كان أمس معك يغسل صديقه .. فقلت له :- ما سبب وفاته؟ .. قال أرادت زوجته أن توقظه لطعام الغداء فقال لها: اتركيني أنام قليلاً .. وعندما جاءت لتوقظه للصلاة وجدته ميتاً .. وسبحان الله .. لم يفارق صاحبه طوال حياته وأراد الله ألا يفارقه في موته أيضاً) ..

ذكر هذه القصة الشيخ عباس بتاوى في شريط وقفات مع مغسل الأموات .