في الحجُّ ...

كَثُرَ خيرُ اللهِ وطاب

شريف قاسم

[email protected]

إنَّ استجابة القلوبِ المؤمنةِ  لنداء الفطرة القديم الجديد ، وامتطاء أجنحة الشوق إلى البيت العتيق ، حيث رضوانُ الله تبارك وتعالى ، وزيادة رصيد المنافع الدنيوية والأخروية ، وتعظيم ماعظَّمَ اللهُ ــ جلَّ جلالُه ــ ولحاق الآخرين بركب الأولين من الحنفاء الأبرار ، وللتأكيد على أن هذه الاستجابة المحببة يحتضنُها اليقينُ بالله بأنَّ العافيةَ والعاقبة لهؤلاء الشُّعثِ الغُبرِ  في الدنيا وفي الآخرة ــ برحمة من الله ورضوان ــ لأنهم فوق ما يريدُ لهم أعداءُ الفطرة ، وفوق مايخطط هؤلاء الأعداء للقضاء على هذه الأمة وعلى قرآنها الكريم ، وسُنَّةِ نبيِّها صلى الله عليه وسلم . يقول المفكر الإسلامي الكبير الشهيد سيد قطب ـ يرحمه الله ـ في كتابه المستقبل لهذا الدين : ( إننا لسنا وحدنا ، إنَّ رصيد الفطرة معنا ... فطرة الكون ، وفطرة الإنسان ، وهو رصيد هائل ضخم ، أضخم من كلِّ ما يطرأُ على الفطرة من أثقال الحضارة . ومتى تعارضت الفطرة مع الحضارة فلا بدَّ أن يُكتَبَ النَّصرُ للفطرة ، قصر الصراع أم طال ) .

فاستجابة الأمة من كل فج عميق تدلُّ على فطرة الناس وعبوديتهم لله ، وعلى انحسار ماران على القلوب والعقول من أوضار الحضارة المعاصرة من المفاسد والأهواء والضلالات ، ومن اللامبالاة التي تعيشها شرائحُ عريضة من أبناء المجتمعات الإسلامية في كل مكان . يقول الله تبارك وتعالى : { وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيد   ِ  24ِإنََّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ 25  وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِيشَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِالسُّجُودِ 26  وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ 27  لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ 28 ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ 29ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ 30 حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ 31ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ{32} لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ 33وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ 34الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ 35  وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 36  لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَاو لَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ 37 إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } 38 سورة الحج .

هذه مشاهد من الحج كما أوردها ربُّنا سبحانه ، وكما بيَّنتْها سُنَّةُ رسولِه صلى الله عليه وسلم . وفيها كمال للدين الذي جاء نا به ربُّ العزة والجلال ، فلا خوف على الإسلام ولا على هذه الأمة ، فكل مناسكها وأعمالها صور تشرق بالسعادة والأمل الفسيح برحمة الله وتأييده نصره ، وخسئ الذين يبشرون بغير االإسلام ، وخاب الذين يجملون رايات الجاهلية الحديثة الخبيثة ، إذ لابشرى لهم ولا حسن مآب يقول الله تبارك وتعالى  : { الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ  عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } 3/ المائدة . ويقول عليه الصلاة والسلام : ( مَن رغب عن سنتي فليس مني ) متفق عليه . فالفطرة بحاجة إلى هذا الدين ، وإلى هذه النبوة ، وإلى هذه المعالم والدلائل ، والإنسان بحاجة إلى تجديد هذه الفطرة  في عقيدته وسلوكه ، وفي وسائل معرفته لأحكام هذه الشريعة . كي يتبن حقَّ الله وحقَّ رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويقف على حق نفسِه ، وعلى حقوق الناس ، بل حتى على حقوق البهائم وسائر المخلوقات . وهذه الحقوق لاتوجد على الوجه الصحيح إلا في الإسلام ، الإسلام الذي لاينتسب إلا لله : ( إنَّ الدين عند الله الإسلام ) . والذين يؤدون هذه الأعمال إنما هم مستجيبون لنداء الفطرة ، وهم يشعرون بمكانتهم الإنسانية ، لايفرقهم الجنس أو اللون أو المكانة الاجتماعية بكل أشكالها وصورها . يقول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذ َكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ  شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )

 الآية 13 الحجرات  . وفي الحج تتألق هذه الصور ، وتزدهر هذه المشاهد في نقاء النفوس ، وكبح الأهواء والغرائز ، وبنقاء القلوب وطهارة الألسنة من اللغو والباطل . وبهذا الإخاء الحقيقي ، لا الدعاوى الجوفاء بحقوق الإنسان عند المجرمين العتاة من الصهاينة والصليبيين وغيرهم ، وإلا فأين الإنسانية والإخاء الإنساني وهم يقتلون الكبار والأطفال والنساء ، ويهلكون الحرث والنسل ، ويتباهون بما أحرزوه من تقدم في مجالات التعذيب والتنكيل بالأبرياء . ولكن الفطرة غلبتهم ، وستلقي بهم إلى الخزي والخذلان ، والإنسان السويَّ بحاجة إلى فطرة الله ، إلى دين الله ، إلى سُنَّةِ رسول الله عليه الصلاة والسلام ... ففيها السلامة والأمن والسعادة .

الإنسان السويُّ بحاجة إلى تلبية نداء الإيمان ، وبحاجة إلى الانقياد الصحيح المسؤول إلى أوامر الله ونواهيه ، وبحاجة إلى موقف إيجابي مستنير من الخلل الكبير الذي تزخر به عولمة الحضارة الصليبية الصهيونية ، لئلا تخدعه المظاهر المزيفة والشعارات البرَّاقة . والإنسان السويُّ بحاجة للتعرف على حقائق الإيمان ليعرف أبعادَ مصيرِه وهو في الأرض ، كما هو في القبر ، وكما هو في الحشر ، وكما هو حين  يفضي إلى جنة أو إلى نار ، حيث الخلود . وتبقى مناسك الحج وما فيه من مشاعر تضيءُ الطريقَ ، وتجدد نقاء الفطرة ، وتبعث الأمل في عودة الخلق إلى الخالق ، ويبقى في حنايا البشرية حنين إلى موطن منازل السعادة الأبدية التي وعدهم الله بها ، ويبقى احتياجُهم المشحون بالأمل يوري الأشواق بالعودة إلى الله . يقول الداعية الشهيد سيد قطب  يرحمه الله  في كتابه المستقبل لهذا الدين أيضا: (  ينبغي ألاَّ يخالجنا الشك في أن ماوقع مرة في مثل هذه الظروف لابد أن يقع ، ولا يجوز أن يتطرق إلى قلوبنا الشك ، بسبب مانراه من حولنا ، من الضربات الوحشية التي تُكال لطلائع البعث الإسلامي في كل مكان ، ولا بسبب مانراه كذلك من ضخامة الأسس التي تقوم عليها الحضارة المادية ، إن الذي يفصل في الأمر ليس هو ضخامة الباطل ، وليس هو قوة الضربات التي تُكال للإسلام إنما الذي يفصل في الأمر هو قوة الحق ، ومدى الصمود للضربات ) . أجل إنها ظروف قاسية مؤلمة ، إننا ـ حقيقة ـ في غابة  لايعرف وحوشُها غير الدم والأنياب والأظافر ، ولا يتمتعون إلا بإذلال الشعوب ونهب خيراتها وامتهانها ، وإلا بغير السجون المظلمة والتفنن بالتعذيب ، وما أفعال سيدة الحضارة الآثمة أمريكا عنا ببعيدة .

ففي الحج كما في كل أركان الإسلام والإيمان ... تعاليم ربانية وإرشادات نبوية ، تتألق فيها الفطرة ، وتربو فيها القيم ، وتزكو النفوس وتتعالى فوق كل هذا الحطام الزائل  ، إنها معالم واضحة ، ومحطات أثيرة غنية بالزاد ... زاد الهدى والمعرفة ، ولن يهلك روادها ولن يضيع أهلُها مهما اشتدت الظلمات . يقول عليه الصلاة والسلام : ( تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ بعدي عنها إلا هالك ) رواه أبو عاصم في السنة . ويقول صلى الله عليه وسلم : ( من رغب عن سنتي فليس منِّي ) متفق عليه . فالباقون على منهج الله وقد ظهر الفساد ، والثابتون على العهد وقد ارتدَّ الناس ، والمؤدون لمناسك الحج كما أدَّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمجاهدون في سبيل الله كما جاهد السلف رضي الله عنهم ... أولئك هم المنصورون المؤيدون . وأولئك هم الذين أحبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبشرهم بالنصر مهما قويت شوكة الكفر والظلم والإجرام والاستكبار. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ) متفق عليه .

فطوبى لمَن يؤدُّون حقَّ الله ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) وطوبى لمَن حجَّ ورجع من الحج إلى سربِه كيوم ولدته أمه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الأعمال عند الله تعالى إيمانٌ لاشك فيه ، وغزو لاغُلول فيه ، وحج مبرور ) رواه ابن حبان . فالحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة . ولا يخفى ماللحاج من ثواب ومكانة عند الله ، ويكفيه دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم  له : ( اللهم اغفر للحاج ولمَن استغفر له الحاج ) رواه الحاكم . وهذا آدم عليه السلام  يأتي إلى الحج ماشيا على قدميه ليعلم ذريته أهمية مايترتب على الحج ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ آدمَ عليه السلام أتى البيتَ أَلْفَ أَتيةٍ لم يركب قط فيهن من الهند على رجليه ) رواه ابن خزيمة . ويبقى للحاج رصيده الذي لايبلى ويكفيه منه ماروته الصديقة عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ خرج من هذا الوجه لحجٍّ أو عُمرة فمات فيه لم يُعرض ولم يحاسب ، وقيل له : ادخل الجنة ) رواه أبو يعلى و الطبراني والبيهقي . وقد جاء في الأحاديث أن نفقة الحج بسع مئة ضعف ، والنفقة في الحج كالنفقة في الجهاد في سبيل الله ، وفي الحديث عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما أمعر حاجٌ قطُّ ) . وقيل لجابر : ما الإمعارُ ؟ قال : ما افتقر .

الحج فريضة الفطرة ، وما العجُّ والثَّجُّ فيه إلا ترجمة للإخلاص وللإيثار والاندفاع إلى ميادين الوفاء لله رب العالمين ، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ : أيُّ الأعمال أفضل ؟ قال : ( العـجُّ والثـجُّ ) رواه ابن ماجة والترمذي وابن خزيمة والحاكم . مشاهد يتلقاها الإدراك بالشوق ، وتحتفظ بها النفس بالمودة الحميمة التي يتماهى فيها كلُّ مَن في المشهد من ملائكة وبشر ، ومن حجر وشجر ، لتكتمل الفطرة في  إطار هذه الفريضة العظيمة . عن سهل بن سعد رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما ملبٍّ يلبي إلا لبَّى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدرٍ حتى تنقطع الأرضُ من هاهنا وهاهنا عن يمينه وشماله ) رواه الترمذي وابن خزيمة والحاكم . فالتلبية ، والطواف بالبيت العتيق والسعي بين الصفا والمروة والصلاة وزمزم ، وما في منى ومافي عرفات ومزدلفة ... والأيام العشر من ذي الحجة بمجملها أيام مباركات  ،والأجر فيها يُضاعف ، والذنوب تُغفر ، بل هي أفضل أيام الدنيا ، وفيها يوم عرفة ، وما أدراك مايوم عرفة . يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيه : (ما من يوم أكثر من أن يُعتِقَ الله فيه عبيدا من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنو ويتجلَّى ، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء ؟ ) رواه مسلم . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو يعلمُ أهلُ الجمعِ بمَنْ حلُّوا لاستبشروا بالفضل بعد المغفرة ) رواه الطبراني . وحيث تتوالى البشارات لهذه الأمة ، وتنطق الفطرة من كل حدب وصوب ومن كل فج عميق ألا تخافي ولا تحزني يا أمة محمَّد ، فأنت أمة القرآن ، وفيك تحيا سُنَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فلا تبتئسي لأنك أمة الشُّعثِ الغبرِ الذين يباهي بهم اللهُ الملائكةَ الأطهار .عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : وقف النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعرفات ، وقد كادت الشمس تغربُ فقال : ( يابلال أنصِت ليَ الناسَ ) فقام بلالٌ رضي الله عنه فقال : أنصتوا لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم  ، فنصتَ الناسُ فقال : ( معاشر الناس أتاني جبريل آنفا فأقرأني من ربي السلام ، وقال : إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ غفر لأهل عرفات ، وأهلَ المشعَر الحرام وضمن عنهم التباعات { أي المظالم التي بينهم } . فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يارسول الله هذا لنا خاصة ؟ قال : ( هذا لكم ولمَن أنى بعدكم إلى يوم القيامة ) فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : كَثُرَ خيرُ الله وطاب . رواه ابن المبارك ، وخرَّجه أبو يعلى .

أجل كَثُرَ خيرُ اللهِ وطاب ... ولم لا !! والحج فريضة الفطرة التي تؤكد على نقاء النفس ، وسُمُو الروح ، وطهارة القلب ، والاستعلاء على الباطل رغم جبروته وقسوته وهمجيته المقيتة ، في الحج أعمال تدل على كل ذلك ، وحين سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيُّ العمل أفضل ؟؟ قال : ( إيمان بالله ورسوله ) . قيل : ثمَّ ماذا ؟؟ قال : ( الجهاد في سبيل الله ) . قيل : ثمَّ ماذا ؟؟ قال : ( حَجٌّ مبرورٌ ) متفق عليه . والحج المبرور هم المحمول على أجنحة التقوى والتجرد لله ، وحُسن أداء المناسك ، والتزام الطاعة فيما أمر الله ورسولُه عليه الصلاة والسلام ، وهو الذي يترجمه السلوك في سيرة حسنة بين الناس ، وفي البعد عن كل مايعكر صفوَ وثيقة { كيوم ولدته أمه } . فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ، ثم لتبقى هذه القيم زادا  للحاج ولكل موحد على مدى الأيام . والحج مغسلة الأحياء  من الخطايا والآثام ألم يقلْ النبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( مَن حجَّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمُّه ) متفق عليه . والحج نوع من أنواع الجهاد ، وباب عريض من أبواب التوبة  والقبول ، وهو حقل وارف الظلال للأشواق والارتقاء بالنفس البشرية إلى العوالم السامقة في دواوين رضوان الله تبارك وتعالى .