العشر من ذي الحجة

 

رضوان سلمان حمدان

[email protected]

من فضل الله تعالى على عباده أن جعل لهم مواسم ونفحات للطاعات والعبادات وجعل لها ثوابا عظيما، وأجرا كبيرا، وجعلها من نفحات رحمته، فيا له من عبد لو تعرض لهذه النفحات فاستغلها، طاعة لربه، ورغبة في تحصيل أجرها..

والله سبحانه وتعالى فضل بعض الساعات على بعض، وبعض الأيام على بعض وبعض الشهور على بعض،ففضل من الساعات ساعة الجمعة ،ومن الأيام يوم الجمعة

وفضل من أيام السنة عشر ذي الحجة، ومن الشهور، فضل شهر رمضان، وجعل هذه الساعات والأيام والشهور موسما للعبادة، يتسابقون فيها إلي رحمة الله، ويسارعون فيها إلي مرضاته، ويكثرون فيها من الأعمال الصالحة.

من الأيام الفاضلة عشر ذي الحجة، والتي لها فضل عظيم والأعمال فيها لها اجر كبير فكيف نستغل هذه الأيام الفاضلة؟

كيف نستقبل عشر ذي الحجة؟

عشر ذي الحجة هي أفضل أيام السنة على الإطلاق فيجب علينا أن نستعد لها ونستقبلها بأمور منها:-

1. التوبة الصالحة النصوح، والعزم الأكيد علي الرجوع إلي الله سبحانه وتعالي، فلا فلاح للعبد في الدنيا والآخرة إلا بها قال تعالي: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }..

2. البعد عن المعاصي: فكلما أن الطاعات تقرب البعد من ربه فالمعاصي تطرد البعد من رحمة ربه، ويحرم العبد بالذنب الرزق في الدنيا والرحمة والغفران في الآخرة.

فيجب علي العبد أن يحرص علي ترك المعاصي والذنوب لئلا تحجب قليله عن مولاه

3. العزم الجاد على اغتنام هذه الأيام فيما يرجي الله تعالي من الأقوال والأعمال الصالحة ،وألا يكثر فيها من الأعمال الشاقة حتى لا تجعله عن أعمال الطاعة والعبادة فيؤجل ما يستطيع تأجيله، ويقلل ما يستطيع تقليله، حتى يتفرغ للطاعة والعبادة..

4. الحرص على استغلال هذه الأيام، قبل أن تفوت وساعتها لا ندم..

فضل عشر ذي الحجة

أولا: من القرآن الكريم

1. قال تعالى: { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ } الحج..قال ابن عباس:" الأيام المعلومات: هي عشر ذي الحجة"..

2. قال تعالى:{ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ } الفجر، قال الطبري في تفسيره: هي ليالي عشر ذي الحجة، لإجماع الحجة من أهل التأويل عليه..                       

وقال: بذلك ابن عباس وابن الزبير ومجاهد.. وقال ابن كثير: والليالي العشر: المراد بها عشر ذي الحجة.. قال الشوكاني: هي عشر ذي الحجة في قول جمهور المفسرين..

وبذلك تكون عشر ذي الحجة قد ذكرت في القران الكريم صراحة وهذا يدل عظم فضلها.

ثانيا :من السنة المطهرة

1. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم):" ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلي الله من هذه الأيام يعني عشر ذي الحجة – قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشئ" (أخرجه البخاري وأبو داوود) فلا يعدل فضل العمل في هذه الأيام أي عمل، إلا الذي يخرج بنفسه وماله، فيقتل في سبيل الله ( أي الشهادة في سبيل الله مع التضحية بالمال أيضا)..

2. أفضل أيام الدنيا أيام العشر - يعني أيام العشر من ذي الحجة – قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا من عفر وجهه في التراب" (رواه البيهقي) وفي رواية البزار وأبي يعلى في الترغيب والترهيب، والذي صححها الألباني: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: أفضل الأيام أيام العشرر"...

3. عن ابن عباس (رضي الله عنهما) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى، قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء" (رواه الدار مي)...

4. عن جابر (رضي الله عنه) أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة، قال: فقال رجل: يا رسول الله هن أفضل أم عدتهن جهادا في سبيل الله؟ قال هن أفضل من عدهن جهادا في سبيل الله" (رواه ابن حبان)...

فهذه الأحاديث تدل على عظيم فضل هذه الأيام.. ولهذا كان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادا شديدا حتى ما يكاد يقدر عليه..

فائدة: هل الأفضل عشر ذي الحجة أم العشر الأواخر من رمضان؟

الجواب: سئل الإمام بن تيمية (رحمه الله) عن ذلك فقال: "أيام ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة"..

خصائص عشر ذي الحجة

1. أقسم الله تعالي بها في القرآن الكريم فقال تعالي:{ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ }الفجر، ولا يقسم الله تعالي بشيء إلا لشرفه أو فضله..

2. أسماها الله تعالى بالأيام المعلومات فقال تعالى { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ } الحج.. قال جمهور العلماء منهم ابن عمر وابن عباس: هي أيام عشر الحجة..

3. فيها يوم ( التروية ) وهو الثامن من ذي الحجة والذي تبدأ فيه أعمال الحج..

4. فيها (يوم عرفة) وهو أعظم الأيام في العام وهو يوم الحج الأكبر.ويوم مغفرة الذنوب ،ويوم العتق من النيران يوم يباهي الله بعباده ملائكته ..

5. فيها (ليلة جمع) وهي ليلة المزدلفة التي يبيت فيها الحجاج ليلة العاشر من شهر ذي الحجة بعد دفعهم من عرفة..

6. يكون الحج فيها وهو الركن الخامس من أركان الإسلام

7. فيها (يوم النحر) وهو العاشر من ذي الحجة . وهو أعظم أيام الدنيا.. قال ابن القيم:" خير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر"..

8. فيها يتقرب العباد إلى الله بالذبائح، كالهدي الخاص بالحاج والأضاحي على المسلمين..

9. يجتمع فيها أمهات العبادات.. قال الحافظ بن حجر في الفتح:" والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكانة اجتماع أمهات العبادة فيها وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيرها"..

10. يشترك في فضلها الحاج والمقيم في وطنه لأن فضلها غير مرتبط بمكان ما..

الأعمال المستحبة في عشر ذي الحجة

1. الصلاة: فيجب على العبد أن يحافظ على الصلاة في جماعة، وأن يحضر تكبيرة الإحرام مع الإمام، وأن يكثر من صلاة النافلة لأنها أفضل القربات إلى الله تعالى، وهي تجبر نقص الفرائض، وهي من أسباب محبة الله للعبد وإجابة دعائه، وهي من أسباب رفع الدرجات ومحو السيئات وزيادة الحسنات..   وروى مسلم عن ثوبان (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "عليك بكثرة السجود لله فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة"..

2. قيام لياليها: فقد استحبه الشافعي وغيره.. قال سعيد بن جبير:" لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر"..

3. الصيام: يدخل في الأعمال الصالحة لأن صيامها مستحب. قال النووي:" صيامها مستحب استحبابا شديدا".. وعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) قالت: "كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر"( رواه أحمد وأبو داود والنسائي)..

4. صوم يوم عرفة: الحديث لمسلم عن أبي قتادة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) سئل عن صوم يوم عرفة فقال: يكفر السنة الماضية والباقية، وفي رواية:"أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده" (رواه مسلم)..

5. كثرة الذكر من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير: فعن ابن عمر (رضي الله عنهما) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل التكبير والتحميد " (رواه أحمد) وفي رواية الطبراني عن ابن عباس "فأكثروا فيهن من التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد"..  قال البخاري: كان ابن عمر وأبو هريرة (رضي الله عنهما) يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.. وكان ابن عمر: يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتع منى تكبيراً، وكان يكبر أيضا بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً.. 

صيغة التكبير:

1. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر كبيرا.. 

2. الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله.. والله أكبر الله أكبر.. ولله الحمد..                  

3. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله.. والله أكبر.. الله أكبر..الله أكبر..

4. ولله الحمد..

والتكبير نوعان:

أولا: التكبير المطلق (أي غير مقيد بالصلوات) بل في كل وقت وفي كل مكان من أيام العشر..

للأحاديث السابقة وفعل ابن عمر وأبي هريرة ويكون من أول أيام العشر..

ثانيا: التكبير المقيد وهو دبر الصلوات الخمس من فجر يوم عرفة حتى عصر آخر أيام التشريق..

فعن شقيق بن سلمة قال: "كان علي (رضي الله عنه) يكبر بعد صلاة الفجر غداة يوم عرفة ثم لا يقطع حتى يصلي الإمام من آخر أيام التشريق ثم يكبر بعد العصر" (رواه ابن المنذر والبيقهي وصححه النووي وابن حجر) وثبت عن ابن عباس..

قال ابن تيمية: " أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة أن يكبر من فجر عرفة إلى آخر أيام التشريق عقب كل صلاة"..

قال ابن حجر: "وأصح ما ورد في عن الصحابة قول علي وابن مسعود: " أنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى"..

6-  الصدقة: فهي من أجل العبادات وأفضل الطاعات سواء المادية أو المعنوية لما فيها من التقرب إلى الله تعالى، وابتغاء الأجر والثواب منه سبحانه عن طريق البذل والعطاء..

7- والإحسان للناس، ولما يترتب على ذلك من تأكيد الروابط الاجتماعية في المجتمع المسلم..

8-  الحج والعمرة لمن يسر الله له الحج والعمرة: ففي الصحيحين "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" والمبرور الذي يوافق هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) ولم يكن فيه رياء أو سمعة أو رفث أو فسوق والذي فيه الصالحات والخيرات..

9- كثرة الدعاء خاصة يوم عرفة: فعن ابن عمر أن النبي قال: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيين من قبلي، لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير" قال ابن عبد البر: "وفيه من الفقه أن دعاء يوم عرفة أفضل من غيره"

10- زيارة المسجد النبوي: وهذا لمن وفقه الله تعالى للحج والذهاب إلى هذه الأماكن المقدسة، ولأن الصلاة فيها أفضل من ألف صلاة إلا المسجد الحرام..

11- لما روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام"..

12- كما يستحب الإكثار من الأعمال الصالحة مثل: قراءة القرآن وتعلمه، الاستغفار إفشاء السلام، وإطعام الطعام، صلة الأرحام والأقارب، وبر الوالدين، والإصلاح بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإحسان إلى الجيران، وإماطة الأذى عن الطريق، وحفظ اللسان والفرج، وإكرام الضيف، وكفالة اليتيم، وزيارة المريض وقضاء حوائج المسلمين، والصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم)، وغض البصر عن المحارم، والحرص على الكسب الحلال، وإدخال السرور على المسلمين، وسلامة الصدر وترك الشحناء، والتعاون على البر والتقوى..

بعض الدروس المستفادة من عشر ذي الحجة

1- الاهتمام بهذه المناسبة التي لا تحصل في العام إلا مرة واحدة باغتنامها بالطاعة وتزويد النفس بالغذاء الروحي الذي يرفع معنويات الإنسان ويعينه على الحياة..

2- كسر الروتين اليومي بتغيير نمط الحياة في اليوم والليلة والسنة بما يصلح من القول والفعل حتى لا تمل النفس البشرية من النوع الواحد..

3- تواصل العبد مع ربه طوال حياته، والتأكيد على أن حياة المسلم كلها طاعة لله تعالى، إذا فرغ من طاعة انتصب في أخرى، كما قال تعالى { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ }..

4- تنوع الأعمال فيها يغذي جميع الجوانب الرئيسية [الجسمية والعقلية والروحية والنفسية] وما يتبعها من جوانب أخرى..

5- فتح باب التنافس في الطاعات حتى يقبل كل مسلم على ما يستطيع من البر والطاعة، فمن الناس من يكثر من الصلاة ومنهم من يكثر من الصيام ومن يكثر من الصدقة ومن يكثر من الحج والعمرة ومن يكثر من الذكر والدعاء.. فلا يحرم أحد أن يكون له سهم، والشقي من لا سهم له..

6- تربية المسلم على إحياء مختلف السنن والشعائر المختلفة طوال حياته..

من الأخطاء في عشر ذي الحجة

1- عدم الاهتمام بها وتمر على البعض فلا يكثر فيها من الأعمال..

2- جهر النساء بالتكبير..

3- الزيادة على الصيغ الواردة في التكبير..

4- عدم الدعاء يوم عرفة..

5- عدم صلاة العيد وسماع الخطبة بحجة أنها سنة..

6- زيارة القبور يوم العيد فهي من البدع المستحدثة..

7- عدم تهنئة الناس بالعيد وخاصة الأهل والأقارب والجيران..

8- التوجه بالدعاء إلى جبل الرحمة دون الكعبة..

والله الموفق