ادع إلى سبيل ربك
عبد العزيز كحيل
هذا الأمر الإلهي كثيرا ما يورد في سباق أساليب الدعوة التي يبنيها باقي الآية الكريمة، لكننا نقف عنده في هذا المقام وقفة تدبر لأن ما بعده فرع وهو أصل، فهل يجدي أن نتحدث الآن عن الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن- أي عن الأساليب- والدعوة ذاتها تكاد تغيب نهائيا عن ساحتنا الإسلامية منذ اشتعال لهيب الفتن فيها ، أين نحن من فعل الأمر"أدعُ"؟ فإنه يوشك أن يقع إجماع على إزاحة الاشتغال بالسياسة للعمل الدعوي من اهتمام جل الإسلاميين أفراداً وتنظيماتٍ، وإن كان للوضع ما يبرره نسبيا فإن التمادي فيه يهدد الصحوة بالانحراف والمجتمع بالانهيار، ذلك أن شغل الداعية الأول هو هداية الضال وتذكير الناسي وتنبيه الغافل والوقوف على ثغور حرمات الله وتيسير توبة التائب والعمل على تحجيم الشر وتحبيب الإسلام للناس ومحاربة المعاصي الخلقية والفكرية والسلوكية وتلك هي الدعوة إلى الله ، فأين هي في خضم الأحداث الأليمة التي نصبح عليها ونمسي، وفي ظلل انكفاء كل الهيآت الدعوية ومحاصرة الجهود الفردية الخيّرة؟ لقد انحسر المد الدعوي منذ مدة حتى أطلت شتى الانحرافات بقرونها من تلقاء الفكر والعقائد والسلوك ولما أيقنت من انشغال الحراس بثغور أخرى و من فنور المقاومة تداعت بقوة إلى القلوب والعقول والجوارح وتنادى الشذاذ من كل صنف يزين لهم الشيطان أعمالهم القبيحة فجلبوا على المجتمع بخيلهم ورجلهم وحاصروا مرة أخرى الفضيلة- تلك القيمة البالية في أعينهم- وأطلقوا العنان للرذيلة- تلك القيمة العصرانية كما يزعمون- وأصبح لسان حالنا يردد مع الأستاذ أبي الحسن الندوي رحمه الله:"ردة ولا أبا بكر لها"( 1 )
إن تموقع أنصار الفضيلة في بعض وسائل الاتصال الضعيفة التأثير هو بلا ريب ضروري من باب أضعف الإيمان لكن الحل يكمن في إعادة انتشار أبناء الصحوة الواعين في ساحة الدعوة والتفافهم حول مهمة الإرشاد وتزيين الحق والخير وإعطاء البديل الإسلامي ولو جزئيا في ما أمكن من المجالات وتحريك كوامن الإيمان في النفوس إلى جانب رد الشبهات وتعرية دعاة الفاحشة والمعصية، على أن يتفنن الدعاة في استخدام الوسائل المتاحة وابتكار أساليب أكثر مضاءً وتأثيراً لتحرير المجتمع من قبضة شياطين الإنس، إنها مهمة لا تقبل التأجيل وكل تأخر عنها سيمكن للعري والجرائم الأخلاقية والقمار الذي يحببه الضالون للناس بأسماء براقة والخمور والمخدرات واللصوصية ونحوها من الآفات لأن خفوت صوت الحق أغرى أهل الباطل بالتحرك القوي لكسب المواقع على حساب الإسلام وشريعته وأخلاقه.
والمسلم قد يفتر ولكنه لا يستسلم للواقع المنحرف والمثبط، فهل من انتفاضة دعوية فردية وجماعية ومؤسساتية تعالج الأمراض وتبث الخير وتحصن النشء وتوقظ الشباب من الغفلة وتوعي النساء والرجال وتكون بالمرصاد لمشاريع المسخ والارتداد؟ فكيف نفعل في هذه الحال بقوله تعالى "أدع إلى سبيل ربك"؟
وكان من الواجب أن تضطلع الدولة – أو الدول - الإسلامية بمهمة الدعوة والتبليغ والإرشاد لكنها تخلت عن هذه المهمة بل أصبحت في كثير من الأحيان خصما للدعوة وللقيم ولدين الله ذاته لأنه حصن الجماهير الأقوى يحميها من الحكام ويجرئها عليهم
{1} عنوان رسالة لطيفة للشيخ رحمه الله