رمز الرجولة

رمز الرجولة

محمود القلعاوي

إمام وخطيب بوزارة الأوقاف

[email protected]

الشهامه رمز للرجوله ، وجودها يدل على علو الهمة وإباء النفس وشرفها ، فهي عزة النفس وحرصها على مباشرة أمور عظيمة تستتبع الذكر الجميل ، ولا يكون المرء شهمًا ذا نجدة وسؤدد إلا من سهلت عليه المشاق، وهانت عليه الصعاب رغبة في الحمد، وهانت عليه الملاذُّ حذرًا من الذم ؛ ولذلك قيل : سيد القوم أشقاهم ، وتطلق صفة الشهامة على الرجل الشجاع الذي لا يضام من يلجا اليه .

النبي صلى الله عليه وسلم سيد الشُّهوم

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من اتصف بهذه الصفة الكريمة ، فها هو أنس بن مالك رضي الله عنه يقول :- ( كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس ، وأجود الناس ، وأشجع الناس ، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة ، فانطلق الناس قِبَل الصوت فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت ، وهو يقول :- لم تُراعوا ، لم تُراعوا ، وهو على فرسٍ لأبي طلحة عُري ما عليه سَرْجٌ في عنقه سيف ، فقال :- لقد وجدته بحرًا ) متفق عليه .

وعند الشدائد كان يظهر من صنوف الشجاعة والشهامة ما لا يخطر على بال ؛ ففي حُنين حين كانت الجولة للمشركين ، وقد تكاثروا عليه نزل من على بغلته ، وجعل يقاتلهم ، وهو يقول :- ( أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب ) ، قال البراء رضي الله عنهه :- فما رُئي من الناس يومئذ أشد منه .

وفي أحد حين فر كثير من المسلمين بعد أن أشيع أنه صلى الله عليه وسلم

ونبي الله موسى عليه السلامم

ونرى في نبي الله موسى عليه السلام مثالاً كريمًا للنجدة والشهامة ؛ حيث خرج من بلده وتوجه إلى مدين في حالة كربٍ وتعب شديد ، لكن ورد ماء مدين :- ( وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ، قَالَ :- مَا خَطْبُكُمَا ؟ قَالَتَا :- لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ، ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ، فَقَالَ :- رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) سورة القصص:23، 24.

السلف يتربون على الشهامة

لقد ربى الإسلام أهله على مكارم الأخلاق فكانوا قمماً سامقة ، وضربوا أروع الأمثلة في الإيثار والتضحية والشهامة ، ومن هذه الامثلة الرائعة ما ورد عن حذيفة العدوي قال :- ( انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمٍّ لي ، ومعي شيءٌ من ماء ، وأنا أقول :- إن كان به رمقٌ سقيته ، ومسَحْتُ به وجهَهُ ، فإذا أنا به فقلتُ :- أسقيك ؟ ، فأشارَ إليَّ أن نعم ، فإذا رجلٌ يقول : آهٍ ، فأشار ابنُ عمي إليَّ أن انطلقْ بهِ إليه ، فجئتُهُ فإذا هو هِشام بن العاص ، فقلت :- أسقيكَ ؟ ، فَسمِعَ به آخرُ ، فقال :- آهٍ ، فأشار هشامُ انطلق به إليه ، فجئْتُه ، فإذا هو قد مات ، فرجعتُ إلى هشام ، فإذا هو قد مات ، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات ، رحمةُ الله عليهم أجمعين ) .

شهامة الإقراض

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :- ( أنه ذكر رجلاَ من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه – أي يقرضه - ألف دينار ، فقال المقرض ائتني بالشهداء أشهدهم ، فقال المقترض :- كفى بالله شهيداَ ، فقال المقرض :- فائتني بالكفيل ، قال المقترض :- كفى بالله وكيلا ، قال المقرض :- صدقت ، فدفعها إليه إلى أجل مسمى ، فخرج في البحر فقضى حاجته - أي سافر وقضى بالألف دينار ما كان يحتاجها فيه - ثم التمس مركباَ يركبها يقدم عليها للأجل الذي أجله - ليرد النقود في موعدها - فلم يجد مركباَ ، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار ، وصحيفة إنك تعلم أني كنت تسلفت فلاناَ – اقترضت منه – ألف دينار ، فسألني كفيلاَ فقلت -: كفى بالله وكيلاَ، فرضي بك ، وسألني شهيداَ فقلت كفى بالله شهيداَ ، فرضى بك ، وإني أجهدت – أي بذلت جهدي – أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر ، وإني أستودعكها – أي أجعلها في أمانتك – فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف ، وهو في ذلك يلتمس مركباَ يخرج به إلى بلده ، فخرج الرجل الذي كان قد أسلفه – أقرضه – ينظر ، لعل مركباَ قد جاء بمله ، فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطباَ – يوقد بها – فلما نشرها وجد المال والصحيفة ، ثم قدم الذي كان أسلفه - المقترض - فأتى بألف دينار - أخرى - ، فقال :- والله ما زلت جاهداَ في طلبب مركب لآتيك ، بمالك ، فما وجدت مركباَ قبل الذي أتيت فيه ، فقال المقرض : هل كنت بعثت إلي بشيء ؟ فقال المقترض :- أخبرك أني لم أجد مركباَ قبل الذي جئت فيه ، قال المقرض :- فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة ، فانصرف بألف ديناراَ راشداَ ) رواه البخاري .

شهامة ما أجملها

يحكي أن رجلا من الأعراب القدامى كان راكبا على جمله في نهار قايظ ، ومع وحشة الصحراء وصفير الرياح لاح له على الأفق إنسان يسير على قديمه ، يترنح في مشيته ، يبدو عليه التعب ، فما أن اقترب منه ، إلا ودعاه للركوب على الجمل ، ثم ساعده على ذلك ، فلما استوي الرجل راكباً ، أخذ يسرع بالجمل شيئا فشيئا ، حتى شك الرجل في أمره ، فسارع نحوه فسارع هو بالفرار ، فلما يئس من اللحاق به ، ناداه :- إذا وصلت إلي المكان الذي تريد فلا تحكي للناس أنك قد خدعت رجلاً أحسن إليك ، حتى لا تموت المروءة والشهامة في نفوس الناس ، فما كان من هذا الرجل إلا أن عاد ، وأعاد الجمل ، و تاب لوجه الله تعالى ، متأثرا بكلام هذا الرجل .

شهامة المعتصم

وأخيراً :- أيها الحبيب هل تذكر سبب فتح عمورية ؟! ، إنه رباط الإخوة والشهامة ، عندما اعتدى أحد النصارى على امرأة في عمورية ، فصرخت بأعلى صوتها ، تستغيث بأمير المؤمنين بقولها :- وا معتصماه ، تقصد المعتصم , فقال لها يتهكم عليها ويسخر :- وهل سيأتي المعتصم على حصان أبلق ؟! ، فوصل الخبر إلى المعتصم فنهض من مجلسه ، وقال :- لبيك .. لبيك ، وجهز جيشا من أثني عشر ألف فارس على أثني عشر ألف حصان أبلق ، وقد خوفوه من  الذهاب إلى عمورية ، ولكنه لم يهتم ، وأقدم ، وأنتصر ، وفتح  عمورية  ، وأقتص ممن فعل تلك الفعلة .