علاقاتك طريقك للنجاح

محمود القلعاوي

إمام وخطيب بوزارة الأوقاف

[email protected]

للعلاقات شأن عظيم في حياة البشر ، إذ لا يستطيع المرء أن يستغني بنفسه عن غيره ، كما أن كثيراً من الأفكار المتواضعة تُروَّج ويتم تسويقها وتبلغ مبلغاً عظيماً بسبب العلاقات ، فنرى الكثير ممن لا قيمة لهم ولا وزن بين العقلاء والحكماء والأذكياء يتقدمون على غيرهم لا لشيء إلا لكونهم أصحاب علاقات متميزة.

كنز لا يفنى ..

تُعدّ العلاقات الإنسانية التي تكونها على المستوى المهني أو الشخصي بمثابة – الكنز - والشخص الذي لديه قدرة على تكوين علاقات إنسانية متينة يتمتع بذكاء اجتماعي فهل تملكه أنت؟ ، إن تكوين علاقات إنسانية إيجابية على المستوى المهني أو الشخصي لبناء مستقبل مشرق وحياة متوازنة ، غالبية الموظفين لا يقدرون أهمية العلاقات الإنسانية.

يعتمد استقرار المستقبل الوظيفي للموظف على مدى بنائه العلاقات الإيجابية في بيئة العمل أو حياته الخاصة؛ فالكثير من الموظفين يقدرون قيمة الذكاء الفني ، ولكنهم يجهلون قيمة الذكاء الاجتماعي ، عموماً يمكن القول :- إن جودة أية علاقة تنعكس على إنتاجية الشخص سواء كانت إيجابية أو سلبية .

في عالم الأعمال

يقول الدكتور علي الحمادي - رئيس مركز التفكير الإبداعي - :- ( في عالم الأعمال تُعد العلاقات الشخصية جزءاً لا يتجزأ من النجاح أو من الفشل ، وأغلب الناس لا يعرفون أنه عندما احترق معمل توماس إديسون ومصنعه ، كان عمره حينئذ يناهز 67 عاماً ولم يكن هناك أي تأمين على المعمل أو على المصنع ، وقبل أن يهدأ الركام ويستقر في مكانه سلَّم هنري فورد ، توماس أديسون شيكاً بمبلغ 750.000 دولار ، وأرفق بهذا الشيك ملحوظة تقول :- إن أديسون يمكنه الحصول على أي مبلغ يريده بالإضافة إلى هذا المبلغ ، ولقد شعر العديد من الناس بالمفاجأة من هذا الكرم الحاتمي لهنري فورد ، ولكن أحد الأسباب التي دفعته لذلك يرجع على الأرجح إلى حادثة وقعت قبل عدة سنوات ، فقد كان أديسون يعمل في سيارة كهربائية ، وكان قد قام بالفعل بصنع البطاريات التي جعلت هذه الفكرة صالحة للتطبيق إلى حد ما ، وحينئذ سمع توماس إديسون أن هناك شاباً يُدعى هنري فورد يعمل على صنع محرك يعمل بالجازولين ، فذهب إديسون ليقابل هذا الشاب ، وطرح عليه بعض الأسئلة ، فأجاب هنري فورد عن أسئلة إديسون بكل دقة وعناية ، وفي نهاية المقابلة قال إديسون ل هنري فورد :- عزيزي الشاب ، أعتقد أنك ستحقق شيئاً ، وأنا أشجعك على الاستمرار في محاولاتك ، وفيما بعد ، قال هنري فورد :- إن كلمات التشجيع التي قالها أكبر المخترعين وأعلاهم مقاماً في الولايات المتحدة الأمريكية كانت تعني الكثير بالنسبة لي ، ومن الواضح أنه قد استمر في محاولاته بالفعل .

المدرسة المحمدية تسبق

o   وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف ننجح في إقامة علاقات متميزة ومؤثرة مع الآخرين ، إذْ كان صلى الله عليه وسلم يتفقد أصحابه ، ويعطي كل واحد من جلسائه حقه ، لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه ، من جالسه أو قاربه لحاجة صَابَرَه ، حتى يكون هو المنصرف عنه ، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول

o   وكان صلى الله عليه وسلم دائم البشر ، سهل الطبع ، لين الجانب ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخَّاب ، ولا فحاش ، ولا عتاب ، ولا مدَّاح ، يتغافل عما لا يشتهي ، ولا يقنط منه قاصده .

o   ورُوي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت :- ما كان أحد أحسن خلقاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما دعاه أحد من أصحابه ولا أهل بيته إلا قال :- لبيك .

o   وكان يمازح أصحابه ويخالطهم ويجاريهم ، ويداعب صبيانهم ويُجْلِسُهم في حِجْرِه ، ويجيب دعوة الحر والعبد والأَمَةَ والمسكين ، ويعود المرضى في أقصى المدينة ، ويقبل عذر المعتذر ، ولم يُرَ قط مادًّا رجليه بين أصحابه فيضيق بهما على أحد ، وكان يكرم من يدخل عليه ، وربما بسط له ثوبه ، ويؤثره بالوساده التي تحته ، ويعزم عليه في الجلوس عليها إن أبى ، ويكنِّي أصحابه ، ويدعوهم بأحب أسمائهم تكرمة لهم ، ولا يقطع على أحد حديثه .

o   وعن أنس رضي الله عنه قال :- كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بهدية قال :- اذهبوا بها إلى بيت فلانة ، فإنها كانت صديقة لخديجة ، إنها كانت تحب خديجة .

o       وكان يصل ذوي رحمه ، من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم

o   وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال :- لما جاء وفد النجاشي قام النبي صلى الله عليه وسلم يخدمهم، فقال له أصحابه :- نكفيك ، فقال :- إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين ، وإني أحب أن أكافئهم .

o   وعن أبي أمامة قال :- خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئاً على عصا ، فقمنا له فقال: - لا تقوموا كما يقوم الأعاجم ، يعظِّم بعضهم بعضاً .. كتاب خلق المسلم الشيخ محمد الغزالي .

روشته لإقامة علاقات طيبة بالآخرين

أصلح ما بينك وبين الله يصلح الله ما بينك وبين الآخرين .

ابدأ الآخرين بالسلام والتحية , ففي السلام تهيئة وتطمين للطرف الآخر

ابتسم , فالابتسامة مفعولها سحري ، وفيها استمالة للقلوب

أظهر الاهتمام والتقدير للطرف الآخر ، وعامل الناس كما تحب ان يعاملوك .

كن مستمعًا طيبًا وشجع محدثك للكلام عن نفسه

اشكر الآخرين:

شارك الناس أفراحهم وأتراحهم .

اقض حاجات الآخرين تصل إلى قلوبهم ، فالنفوس تميل إلى من يقضي حاجاتها.

عليك بالعفو عن الزلات ، وتغليب نفسية التسامحح

تفقد الغائب والسؤال عنه ، ففيها ضمان لكسب الود واستمالة القلوبب

لا تبخل بالهدية ولو قلّ سعرها , فقيمتها معنوية أكثر من ماديةة

اظهر الحب وصرّح به ، فكلمات الود تأسر القلوب .

اجتهد في تقديم النصيحة ، ولا تجعلها فضيحةة

حدث الآخرين بمجال اهتمامهم ، فالفرد يميل إلى من يحاوره في مدار

اهتمام .

كن ايجابياً متفائلاً ، وابعث البشرى لمن حولك .

امدح الآخرين إذا أحسنوا ، فالمدح أثره في النفس كبير ، ولكن لا تبالغغ

انتق كلماتك ترتفع مكانتك ، فالكلمة الحسنه خير وسيلة لاستمالة

القلوب .

تواضع فالناس تنفر ممن يستعلي عليهم .

تجنب تصيُّد عيوب الآخرين ، وانشغل بإصلاح عيوبك

تعلم فن الإنصات ، فالناس تحب من يصغي لها .

وسع دائرة معارفك ، واكسب في كل يوم صديق.

إذا قدمت معروفاً لشخص ما لا تنتظر منه مقابل .

احذر أن تُشْعِر الأطراف الذين تقيم العلاقة معهم بأن علاقتك هذه هي علاقة مصالح فقط .

تعلم كيف تعالج الصراع بدون تحويله إلى عداوة شخصية ، وأدرس الآخرين الذين يملكون هذه المهارة .

وأخيراً .. إشارتان هامتان

الأولى :- أن الواحد منا لا يولد من رحم أمه محبوب أو مكروه ، فنحن الذين ندفع الناس إلى حبنا والقرب منا ، أو بغضنا والبعد عنا من خلال مجموعة من السلوكيات و الممارسات ، والتي يسهل مع قليل أو كثير من الجهد والتعب تعلمها والتدرب عليها .

الثانية :- أن أكثر الأخطاء شيوعا في تعاملنا مع الآخرين ، والسبب الأول في فشل الكثيرين منا في إقامة علاقة طيبة مع الغير هو في مطالبتنا الآخر أن يكون كما نحب نحن ، لا كما هو .

وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم