رسالة إلى أخي المريض
محمد مسعد ياقوت*- باحث تربوي
أخي المريض ! يا صديق العمر، يا من افتقدناك لعذر، وغيبك فراش المرض عن شهود الجُمع والجماعات..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد :
فما أكرم الله ! وما أرحمه ! أن جعل من المرض ثوابًا للمؤمن، ودورة رواحنية لتجديد الإيمان وإحياء القلب ووغفران الذنب.
أخي، يامن أحبك الله فابتلاك، وأراد بك خيرًا فأصاب منك، أُزف إليك بشارة نبي الرحمة – صلى الله عليه وسلم – يقول لك فيها : " مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ" [ البخاري: 5213، عن أبي هريرة ]، فأبشر فقد أراد الله بك خيرًا في الدنيا برزق رغيد، وفي الجنة بجزاء عظيم إن صبرت واحتسبت، فالتكثر من ذكر " الحمد الله " وقوله : " إن لله وإنِّا إليه راجعون " .
أخي، إن المرض للمؤمن منحة ربانية، يكّفر له الله بها الذنوب والخطايا، نعم ! كل لحظة تمر بك في المرض، لا تمر بك إلا وقد حطت عنك خطيئة أو أضافت إلى رصيدك حسنة، ألم تسمع لقول خير البرية : "مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ" [ البخاري: 5210، عن أبي هريرة]. وقال : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى إِلَّا حَاتَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ" [ البخاري : 5215، عن عبد الله بن مسعود] وقال : " إذا اشتكى المؤمن أخلصه الله كما يخلص الكير خبث الحديد " [ ابن حبان : 695، السلسلة الصحيحة 1257] .ويقول : "مَا مِنْ عَبْدٍ يُصْرَعُ صَرْعَةً مِنْ مَرِضٍ إِلا بَعَثَهُ اللَّهُ مِنْهَا طَاهِرًا". [ الطبراني : الكبير: 7358، السلسلة الصحيحة : 2277]، ويقول :" ما يزال البلاء بالمؤمن و المؤمنة في نفسه و ولده و ماله حتى يلقى الله و ما عليه خطيئة "[ الترمذي : 2401، السلسلة الصحيحة : 2280]
"لا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ " [ البخاري: 5224، عن ابن عباس] .. هكذا يقولها لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا بأس عليك .. المرض يغسل المؤمن ويطهره تطهيرًا من الذنوب ، وقضاء الله خير، واختياره لك خير من اختيارك لنفسك : " أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ" [ سورة الملك : ]
ألا يكفيك ألا يعذبك الله في الآخرة إن صبرت في مرضك هذا ؟! فتكون قد نجوت من نار جهنم بصبرك على ساعات المرض في الدنيا ، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم - : " الحمى حظ المؤمن من النار يوم القيامة "[ ابن أبي الدنيا : المرض والكفارات: ( 181 / 1 - 2 )، السلسلة الصحيحة:1821].
وإذا اشتد عليك الوجع – شفاك الله وعافاك – فتذكر مرض حبيب الله – صلى الله عليه وسلم – الذي وصفته عائشة – رضي الله عنها - بقولها : "مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" [ البخاري : 5214].
وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال : أَتَيْتُ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا [ أي يتألم ألمًا شديدًا ]وَقُلْتُ : إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، قُلْتُ إِنَّ ذَاكَ بِأَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ قَالَ : " أَجَلْ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى إِلَّا حَاتَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ" [ البخاري :5215] .. فتذكر حين يشتد بك الألم؛ أن حبيب الله قد تألم بأشد من ذلك، وهو أحب إلي الله منك، وهو الشافع المشفع والنبي المجتبى .
لا تظن أن أجرًا فاتك بغيابك عن صلاة الجماعة أو بإفطارك في نهار ما كنت تصومه من فرائض ونوافل أو بتغيبك عن مواطن الصلة والبر والعمل الصالح .. أبشر ! لك من الأجر والثواب ما كنت تفعله من عمل صالح قبل مرضك، فإذا جاء وقت الصلاة كتب الله لك ثواب صلاة الجماعة وأنت على فراشك، وإن أفطرت في نهار رمضان كتب الله لك ثواب الصيام وأنت مفطر، هكذا يبحبك الله، هكذا يجلك ، لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من المسلمين تخلفوا عنه في غزوة لعذر المرض :
"إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ" – أي في الأجر والثواب - قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ! وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ؟ ! قَالَ : "وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ" [ البخاري : 4071، عن أنس].
ويْ ! كأنك في أعلى عليين وأنت تمشي على الأرض، فلا تقلق، أنت في زمرة الأنبياء، فهم أهل البلاء والصبر، وهم أعظم الناس في الإيمان والقدْر، سُئِلَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- : أَىُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ قَالَ :« الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِى دِينِهِ صَلاَبَةٌ زِيدَ صَلاَبَةً ، وَإِنْ كَانَ فِى دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ ، وَلاَ يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِىَ عَلَى الأَرْضِ مَا لَهُ خَطِيئَةٌ ».[ الدارمي : 2839، وصححه الألباني في صحيح الترغيب]
أخي – أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك – لا تحزن على فوات الصحة، لا تبالي، فلحظات المرض أقل بكثير من لاحظات الصحة، وهذا من فضل الله، وعجبًا لأمر المؤمن! يثيبه ربه على لحظات الصحة والمرض معًا، ففي الأولى يشكر وفي الثانية يصبر.
ولا تيأس من روح الله، ولا تقنط من رحمة الله؛ فالمستقبل أجمل إن شاء الله، حينها تنعم بصحة أوفر؛ تنشط فيها أكثر في العمل الصالح، والمسارعة في الخيرات، وهو أبسط ما تقدمه لشكران نعمة الشفاء .
نقلا عن إسلام أون لاين
* المشرف العام على موقع نبي الرحمة .
yakut.blogspot.com