(إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة)

(إن الذين يحبون

أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا

لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة)

صدق الله العظيم

محمد شركي

[email protected]

من المعلوم أن الحياة في دين الإسلام لا تصان إلا بحفظ الكليات الخمس : الدين ،والنفس ، والعقل ، والنسل ، والمال . فحفظ الدين يكون بحد الردة ، وحفظ النفس يكون بالقصاص ، وحفظ العقل يكون بحد السكر ، وحفظ النسل يكون بحد الزنا ، وحفظ المال يكون بحد السرقة ، وحفظ العرض يكون بحد القذف . ولقد صان الله عز وجل هذه الكليات الخمس بالحدود . ومما  حذر سبحانه وتعالى منه حب إشاعة الفاحشة في المجتمع المسلم فقال جل من قائل : (( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون )) . وسبب نزول هذه الآية الكريمة هو حديث الإفك الذي افترى فيه الكذب كبير المنافقين ابن سلول عليه اللعنة على  أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها. وبعدما نهى الله عز وجل  المؤمنين  عن الخوض في  حديث الإفك العظيم حذر من حب إشاعة الفاحشة في المؤمنين .  وكانت هذه النازلة سببا في تشريع باق إلى قيام الساعة  لأن العبرة في القرآن الكريم  بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .والاسم الموصول " الذين " في قوله تعالى يعم الكفار والمشركين والمنافقين ، وعنهم كان الإخبار ، وكان التحدير للمؤمنين. ومعلوم أن حب شيوع الفاحشة في المؤمنين يدل على سوء النية والطوية . ولا يلبث محب شيوع الفاحشة حتى يصدر عنه ما يسره . وحب شيوع الفاحشة كناية عن الاستعداد لإبراز ما يحب وقوعه . ولقد جاءت الإشارة إلى الشيوع بصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار . وحب شيوع الفاحشة كما قال الطاهر بن عاشور رحمة الله عليه ليس هو حديث النفس أو الهم لأنهما خاطران قد لا يقدم صاحبهما على التطبيق ، أما حب الشيوع فهو مرتبط برغبة حقيقية  في  حصول المحبوب . والمقصود بشيوع الفاحشة عند ابن عاشور هو فشو خبرها وإشهارها . ومعلوم أن الفاحشة هي كل فعلة تبلغ درجة كبيرة من الشناعة . ومن الفواحش الزنا . ولما كان المؤمن لا يتم إيمانه إلا إذا أحب للمؤمنين ما يحبه لنفسه فإنه إن أحب شيوع الفاحشة فيهم نقض إيمانه ودخل دائرة النفاق مع ابن سلول . وإشاعة الفاحشة مفسدة أخلاقية لأنه مما يصرف تفكير الناس نحو الفاحشة ويوقعهم فيها إشاعتها بينهم ، وتطبيعهم معها بسماعها وتناقلها فيما بينهم . ومما يزعهم عنها تهيبهم وقوعها وكراهتهم سماعها والخوض فيها ، وذلك مما يصرفهم عن مجرد التفكير فيها بله الإقدام عليها . وهكذا تنمحي من أذهانهم ومن نفوسهم . أما شيوع أخبار الفاحشة فإنه يجعل الخواطر تذكرها ، ويخف وقع خبرها على الأسماع ولا يثقل ، ويحصل  بذلك التهاون  في أمر وقوعها فلا تلبث النفوس المريضة أن تقدم على اقترافها . وعلى قدر تكرار شيوع  خبر الفاحشة يكون احتمال وقوعها فتصير متداولة بين الناس  وقد طبعوا معها .  ولا يعلم مقدار ما يترتب عن شيوع الفاحشة من مساوىء ومفاسد وأضرار سوى رب العزة جل جلاله  الذي عقب بعد التحذير من شيوعها بقوله : (( والله يعلم وأنتم لا تعلمون )) . وعلى غرار تحذير رب العزة جاء تحذير رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله : " إنى لأعرف قوما يضربون صدورهم ضربا يسمعه أهل النار وهم الهمازون اللمازون الذين يلتمسون عورات المسلمين  ويشيعون فيهم الفواحش ما ليس فيهم " . ومما قاله عليه الصلاة والسلام أيضا : " كل أمتي معافى إلا المجاهرون وإن المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا ، وقد بات يستره ربه فيصبح يكشف ستر الله عنه " . وإنه من علامة النفاق حب شيوع الفاحشة في الأمة المسلمة مصداقا لقوله تعالى في وصف المنافقين: ((  إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها )) . ومما ابتليت به الأمة الإسلامية عن طريق احتكاكها بغيرها من الأمم في هذا العصر الذي يعرف تطور وسائل الاتصال المختلفة الناقلة للصور الحية التأثر بظاهرة إشاعة الفاحشة عن طريق وسائل الإعلام  والفن السابع . وعن طريق مشاهدة  فضائيات الأمم الأجنبية تم ترويج الفاحشة في الأمة الإسلامية من خلال الأفلام الخليعة والفيديوهات الساقطة المبثوثة في مواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية فصار التفرج على الفواحش أمرا مألوفا يتم تبادله عبر الهواتف الخلوية وعبر المواقع الإلكترونية ،  وتتم مشاهدته على الفضائيات  وفي المهرجانات .وما لبث الناس أن استأنسوا برؤية فواحش الأمم الغربية حتى انتقلوا إلى تصوير فواحشهم تقليدا أعمى لغيرهم  ودخولا وراءهم جحر الضب المنتن . ولقد توعد الله عز وجل  محبي شيوع الفاحشة في المؤمنين بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة مهما كانت طبيعة الوسائل المستعملة في ذلك سينما أو مواقع تواصل على الشبكة العنكبوتية أو فضائيات أو سهرات أو مهرجانات ... . وإن المتعاطفين مع  مسوقي الفواحش إعلاميا  تحت ذرائع  حرية الفن وحرية التعبير  وحرية الإعلام يدخلون في دائرة محبي  شيوع الفاحشة في المؤمنين ، ويشملهم الوعيد الإلهي  . وإن هذه الذرائع مردودة على أصحابها شرعا لأن الله عز وجل  حرم المجاهرة بالفاحشة ، ولا يقبل من مصور الفاحشة  تبريره بأنه إنما  ينقل ما يوجد في الواقع بغرض تصحيح ، ذلك أن تصحيح الفاحشة لا يكون بإشاعتها فنيا أو إعلاميا . ولا يقبل من ناقل التهتك من قبيل  الرقص الماجن مع العري التذرع بذريعة ممارسة الفن  وإقامة المهرجانات لذلك . وعلى الجهات المسؤولة  على اختلافها أن تحترم دين الدولة الرسمي المنصوص عليه في الدستور  والقاضي  بمنع إشاعة الفاحشة  في بلد يدين به ، وعلى رأس المسؤولين الوزارة الوصية على الشأن الديني التي من مهامها حراسة العقيدة  وتطبيق الشرع وتطبيق فريضة النهي عن المنكر  . وتأتي بعدها الوزارة المسؤولة عن الإعلام  والتي من مسؤوليتها  منع استخدام وسائل الإعلام الرسمية لتسويق الفاحشة  والتطبيع معها . وعلى الأمة المسلمة أن تغار على دينها  وأن تمنع سفهاءها من التطبيع مع الفاحشة.