رِسَالَةُ الْإِسْلَامِ
منير مزيد / رومانيا
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران: 64)
مِّمَّا لاَ شَكَّ فِيهِ إِنَّ تَوْحِيدَ الْإِيمَانِ لَهُوَ السَّبِيلُ الأَمْثَلُ إِلَىٰ إنْقَاذِ الإِنْسانِيَّةِ مِنَ الآلامِ وَالأَحْزَانِ، مِنَ الْمُعَانَاةِ وَالْعَذَابِ ، وَمِنَ الفَوْضىٰ وَالأَحْقَادِ وَالشُرُورِ. وَهَٰذَا لَا يَعنِي بِالضَّرُورَةِ تَوْحِيدُ الأَدْيانِ فِي دِينٍ وَاحِدٍ أَوْ المَذَاهِبِ فِي مَذَاهِبٍ وَاحِدٍ أَوْ التَّخَلِّي عَنْ مُعْتَقَداتِنَا أَوْ اِسْتِبْدَالِهَا . فَالْإِيمَانُ حَديقَةٌ وَالأَدْيانُ وَالمَذَاهِبُ زُهُورُهَا وَوُرْدُهَا ، وَمِنْ دُونِهَا فَهْي أَرْضٌ يَبَابٌ . وَبالتَّالي تَوْحِيدُ الْإِيمَانِ دَعْوَةٌ لِتَوْحِيدِ صَوْت الأَدْيانِ وَالمَذَاهِبِ لِلدَّعْوَةِ إِلَىٰ الْإِيمَانِ بِاللهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ْ﴾ (النحل: 125) ، إِلَىٰ الْخَيْرِ ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ْ﴾ ( آل عمران: 104) ، إِلَىٰ التَّعَاوُنِ عَلَىٰ الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَىٰ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَىٰ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ْ﴾ (المائدة: 2 ) ، إِلَىٰ التَّسامُحِ الدِّينيّ ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ (الكافرون : 6) ، إِلَىٰ حُرِّيَّةِ الاِعْتِقادِ ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ (الكَهْف: 29) ، ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ْ﴾ (البقرة : 256) .
يُؤْمِنُ الْإِسْلَامُ بِأَنَّ الاِخْتِلاَفَ أَوْ التَنَوُّعَ لَهْوَ سُنَّةُ الطَّبِيعَةِ ﴿ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ ﴾ (طه : 53) ، وَمَشِيئَةُ اللَّهِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، ذِي الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴿ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ (هود : 118 ) ، وَآيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لِّلْعَالِمِينَ لِلتَّدَبُّرِ وَالتَّصَفُّحِ وَالتَّفْكِيرِ وَالتَّأَمُّلِ فِي الْخَلْقِ حَتَّى يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ ﴾ (الروم : 22 ) ، وَدَعْوَةٌ إِلَىٰ التَّصَالُحِ وَالتَّعَارُفِ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ . (الحجرات : 13 ).
لَقَدْ خَلَقَ اللهُ الْبَشَرَ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ، وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ (النساء : 1 ) ،﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ ( الأنعام : 98 ) ، ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ ( الأعراف : 98 ) ، وَبالتَّالي لَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ إِلَّا بِالتَّقْوَىٰ كَمَا يُؤَكِّدُ عَلَىٰ ذَلِكَ رَسُولٌ الله مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِيْنَ قَالَ :"يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَىٰ أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَىٰ عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَىٰ أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَىٰ أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَىٰ". وَبالتَّالي التَّقْوَىٰ هِيَ الْمُفَاضَلَةُ عِنْدِ اللَّهِ بَيْنَ النَّاسِ ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ (الحجرات : 13 ). وَالتَّقْوَىٰ هِيَ فِي الأَسَاسِ اِخْتِيَارٌ ، حَيْثُ تَبْدَأُ بِالْإِيمَانِ ﴿ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ ( آل عمران : 114) ، ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ (البقرة ) ، وَمِنْ ثَمَّ بِالاِمْتِثَالِ لِلأَوَامِرِ الإلاَهِيَّةِ بِأَدَاءِ الفَرَائِضِ ، وَمِنْ ثَمَّ بِالاِبْتِعَادِ عَنِ الْمَكَارِهِ وَالْمَخَاطِرِ وَارْتِكَابِ الذُّنُوبِ وَالآثَامِ ، وَمِنْ ثَمَّ بِالتَّحَلِّي بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ.
إِنَّ التَّقْوَىٰ فِي الْإِسْلَامِ لَهْيَ أَعْلَىٰ دَرَجَاتِ الْإِيمَانِ ، وَأَعْلَىٰ دَرَجَاتِ التَّحَرُّرِ مِنْ حَيَاةِ العُبُودِيَّةِ وَالكُفْرِ ، وَمِنْ كُلِّ الحَقَائِقِ التَقْليديّةِ ، حَيْثُ يَتَّصِفُ الأَتْقِياءُ الَّذِينَ لَا يَسْعَوْنَ إلا ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ بِخِصَالٍ حَمِيدَةٍ تَمَيُّزهُمْ عَنَ الْآخَرِينَ مِمَّا تَجْعَلُ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ عَرْشَ اللهِ وَمَنْ حَوْلَهُ يُصَلُّونَ وَيَتَضَرَّعُونَ لِرَبِّهِمْ أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ (غافر : 7 ).
هَذِهِ الْخِصَالُ وَالأَعْمَالُ الحَمِيدَةُ ، وَالَّتِي يَتَّصِفُ بِهَا الأَتْقِياءُ كَمَا ذَكَرتُ تَبْدَأُ بِالْإِيمَانِ (بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ) ، وَمِنْ ثَمَّ َبِأَدَاءِ الفَرَائِضِ ( إقامَة الصَّلاَةِ وَإيتَاء الزَّكَاةِ وَصَوْم شَهْر رَمَضَان وَحِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) ، وَمِنْ ثَمَّ بِالاِمْتِثَالِ لِلأَوَامِرِ الإلاَهِيَّةِ بِالاِبْتِعَادِ عَنِ الْمَكَارِهِ وَالْمَخَاطِرِ ، وَعَنْ ارْتِكَابِ الذُّنُوبِ وَالآثَامِ ، وَبِاِجتِناب الفَوَاحِشِ وَالْمُوبِقَاتِ مِنَ (الْزِنا وَقَتْلِ النَّفْسِ وَشَرْبِ الخمْرَ وَأَكْلِ الرِّبا وَأَمْوَال اليَتَامَى وَقَذْفِ المُحْصنات وَالنَّميمَةِ وَالاِغْتِيَابِ وَالحَسَد ) ، وَمِنْ ثَمَّ بِالتَّحَلِّي بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ .
إِنَّ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْكِتَابِ الْمُبِينِ لَهْيَ كَثِيرةٌ وَمُتَعَدِّدَةٌ ، وَكُلُّهَا خِصَالٌ وَأَعْمَالٌ حَمِيدَةٌ يَتَمَيَّزُ بِهَا الإنْسَانُ الْمُؤْمِنُ الَّذِي لَا يَسعَىٰ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ ، وَقَدْ وَصَفَهُمْ اللهُ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ بِالْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ الْقَانِتِينَ الصَّادِقِينَ الصَّابِرِينَ الْخَاشِعِينَ الْمُتَصَدِّقِينَ الصَّائِمِينَ الْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالذَّاكِرِينَ ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ (الأحزاب : 35 )، " بِأَوْلِيَاءَ اللَّهِ " إِذْ قَالَ ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ (يونس) ، " بِالْمُتَّقِينَ " ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ (البقرة : 177 ) ، " بِعِبَاد الرَّحْمَٰنِ" ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ (سُورَة الفرقان) .
هَكَذَا يتَوَضَّحُ لَنَا مَفْهُومُ الْإِيمَانِ ، وَمَفْهُومُ التَّقْوَىٰ ، وَمنْ هَٰذَينِ الْمَفْهُومينِ ، نَسْتَطيعُ التَّوَلُّجَ فِي جَوْهَرِ الْإِسْلَامِ ، فَهْوَ عَمَلِيَّةُ تَطْهِيرٍ شَامِلَة لِلْإِنْسَانِ ، جَسَدِيّاً وَنَفْسِيّاً وَرُوحِيّاً ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ ( الأحزاب : 33) .
لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ لِتَرْسِيخِ مَفْهُوم التَّوْحِيدِ ، أَيْ عِبَادَةُ إلَهٍ وَاحِدٍ ، الإيمَانُ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ ، وَلِتَصْحِيحِ مَسَارِهِ الَّذِي تَعَرَّضَ لِكَثِيرٍ مِنَ الاِنْحِرافِاتِ ، فانْزَلَقَ فِي مَتَاهَاتِ الشِّرْكِ . وَهَٰذَا المفْهُومُ مُرْتَبِطٌ ارْتِبَاطاً وَثِيقاً بِعَمَلِيَّةِ تَحرُّرٍ شَامِلَةٍ لِلإِنْسَانِ حَيْثُ يَتَطَلَّبُ اِجْتِثَاثِ الجَهْلِ بِأَدَواَتِ الْمَعْرِفَةِ : الإِلْهَامُ ، التَّفْكِيرُ ، التَّأَمُّلُ ، البَحْثُ ، فَلاَ يُمْكِنُ تَشْيِيد صَرْح الإيمَانِ بِقَوَاعِدِ الخَوْفِ وَالجَهْلِ إِلَّا أَرَادَنَا تَرْسِيخَ العُبودِيَّةِ ، وَلاَ يُمْكِنُ أَيْضاً تَحْرِيرَ الْإِنسَانِ مِنْ دُونِ تَحْرِيرِ اللهِ مِنْ كُلِّ الحَقَائِقِ التَقْليديّةِ ، وَمِنْ مُحَاوَلَةِ تَصْوِيرِهِ بِاِمْتِلاَكِ صِفاتٍ بَشَريّةٍ أَوْ نَوازعَ شَيْطَانيّةٍ ، إِذَ قَالَ تَعَالَىٰ:﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ (الأعراف : 180) .
إِنَّ الإيمَانَ فِي الْإِسْلَامِ مُرْتَبِطٌ اِرْتِبَاطاً وَثِيقاً بِالعَمَلِ الصَّالِحِ لِلوُصُولِ إِلَىٰ التَّقْوَىٰ ، وَهُنَا يَتَّضِحُ لَنَا أَمْرٌ فِي غَايَةِ الأَهَمِّيَّةِ وَلاَ بُدَّ مِنَ الإِشارَةِ إِلَيْهِ ؛ إذَا كَانَ الإيمَانُ مُرْتَبِطاً اِرْتِبَاطاً وَثِيقاً بِالعَمَلِ لِلوُصُولِ إِلَىٰ التَّقْوَىٰ ، فَالعِلْمُ هُوَ الدَعَائِمُ الأَسَاسِيّةُ لِلْإيمَانِ ، وَهُنَا تَكْمُنُ أهَمِّيَّةُ الْعِلْمِ فِي الْإِسْلَامِ :
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ (آل عمران : 18)..
لَّٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ۚ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ۚ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (النساء: 162)..
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (الحج: 54)..
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ (البقرة : 26)..
لِهَٰذَا رَفَعَ اللَّهُ مَكَانَةَ الْعُلَمَاءِ ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ (المجادلة : 11)
وَوَصَفَهُمْ سَيِّدُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ محمد صلى الله عليه وسلم بِوَرَثَةِ الانْبِيَاءِ : مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَطْلُبُ فِيهِ عِلْماً سَلَكَ الله بِهِ طَرِيقاً إِلَىٰ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِهِ وَإِنَّهُ يَسْتَغْفِرُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ فِي الارْضِ حَتَّى الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَىٰ الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَىٰ سَائِرِ النُّجُومِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الانْبِيَاءِ إِنَّ الانْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماً وَلَكِنْ وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ. . (كتاب الكافي للكليني).
الخُلاَصةُ
قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا (164) رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَىٰ اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ . (سورة النساء).
تَعَالَوْا نَتَأَمَّلُ مَعَاً بَدَائِعَ هَذِهِ الآيَاتِ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ، وَالَّتِي تُوَضِّحُ عِدّةَ حَقَائِقَ أَسَاسِيّةٍ وَهْيَ :
· إِنَّ رِسَالَةَ السَّمَاءِ وَاحِدَةٌ وَمَصْدَرُهَا وَاحِدٌ وَلَكِنَّ النَّاسَ بِجَهَالَتِهِم وَأَطْمَاعهِمْ الدُّنْيَوِيَّةِ يُحَرِّفُونَ تِلْكَ الرِّسَالَةَ السَّمَاوِيّةَ بَغْيًا بَيْنَهُمْ :
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ . (البقرة : 213).
وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ . (يونس : 19).
· إِنَّ هَؤُلَاءَ الْقَوْمِ يَتَعَمَّدُونَ تَغْيِيرَهَا وَتَبْدِيلَهَا وَإِعْطَاءَهَا تَفْسِيرًا مُغَايِراً لِمَقَاصِدِهَا مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهَا وَهُمْ يَعْلَمُونَ. فَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ وَأَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ لِيَشْتَرُوا بِهَٰذَا التَّحْرِيفِ الْمُتَعَمِّد ثَمَنًا قَلِيلًا أَوْ لِيُضِلَّوا النَّاسَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ، حَيْثُ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ، وَالْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ، وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ :
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (البقرة : 75).
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (آل عمران : 187).
وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (البقرة : 101).
يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ (التوبة : 32).
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ (البقرة : 16).
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ (البقرة : 86).
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ (البقرة : 175).
إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا (آل عمران : 177).
اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ (التوبة : 9).
مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ (النساء : 46).
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ( المائدة : 13).
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ ( المائدة : 41).
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (النساء : 44).
· إِنَّ أُمَّةَ الْإِيمَانِ لَهْيَ وَاحِدَةٌ مَهْمَا اِخْتَلَفَت الأَزْمِنةُ وَالأَمَاكِنُ وَرَبَّهَا وَاحِدٌ:
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ (84) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ (86) وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (91) إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ . (سورة الأنبياء).
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (49) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50) يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ. (البقرة : 213).
· إِنَّ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ ، الرَّحِيمُ ، الْحَيُّ ، الْقَيُّومُ ، الْعَزِيزُ، الْحَكِيمُ ، الْمَلِكُ ، الْقُدُّوسُ ، السَّلَامُ ، الْوَاحِدُ ، الْقَهَّارُ ، عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، وَالَّذِي لَهُ كُلُّ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَىٰ قَدْ خَلَقَ الْبَشَرَ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ، وَفِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ، وَخَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ، وَأَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ . فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ:
هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ. (الأنعام : 98).
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا. (الأعراف : 189).
مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ . (لقمان : 28).
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا . (الزمر : 6).
· إِنَّ النُّبُوءَةَ أَوْ تَبْلِيغَ رِسَالَة السَّمَاءِ مَا كَانَتْ حِكْرًا عَلَىٰ جَمَاعَةٍ أَوْ قَوْمٍ أَوْ أُمَّةٍ ، فَهُنَاك مِنْ يَتَسَاءَل ، وَالسُّؤالُ حَقٌّ مَشْرُوعٌ ، وَهْوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ إِلَىٰ المَعْرِفةِ ، وَالمَعْرِفةُ تَقُودُ إِلَىٰ الْإِيمَانِ ، وَالْإِيمَانُ يُضِيءُ الْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ بِنُورِ الْحِكْمَةِ الإلاَهِيَّةِ . وَإِمَّا السُّؤالُ فَهْوَ : لِمَاذَا كُلُّ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ عَائِلَةٍ فِلَسْطِينيّةٍ أَصيلةٍ تُسَمَّىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ ..؟ وَالجَوَابُ عَلَىٰ هَٰذَا السُّؤالُ فِي هَذِهِ الآيَاتِ الْكَرِيمةِ :
وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا (164) رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَىٰ اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ . (سورة النساء).
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ( يونس : 47).
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَىٰ اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ( النحل : 36).
ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَىٰ كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ ۚ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ۚ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ (المؤمنون : 44).
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ( فاطر : 24).
إِذَنْ ، إِنَّ أُمَّةَ الْإِيمَانِ لَهْيَ وَاحِدَةٌ مَهْمَا اِخْتَلَفَت الأَزْمِنةُ وَالأَمَاكِنُ وَرَبَّهَا وَاحِدٌ ، وَهَذِهِ الأُمَّةُ هِيَ كَمَا وصَفَهَا اللهُ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ (آل عمران : 110). وَهَذِهِ الأُمَّةُ سَوْفَ تَرِثُ الْأَرْضَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴿ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ (الأنبياء: 105) ، وَتَرِثُ الْفِرْدَوْسَ فِي الْآخِرَةِ ﴿ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾( المؤمنون: 11).