صور من تاذّي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن
الكذب والافتراء
من عادتي منذ أكثر من أربعين سنة أنني أقرأ كل يوم جزءاً من القرآن الكريم، فقرَّ رأيي أن أقرأ في الشهر التالي نوفمبر، تشرين الثاني الجزء المقرر كل يوم، وأعيِّنُ الآيات التي يَرِدُ فيها إيذاء المشركين واليهودِ وضعافِ الإيمانِ من المسلمين للنبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أعود إلى التفاسير أجمع منها صوراً توضح ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من إرهاق وإيذاء وعنَت صبَّه هؤلاء على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، فكان القدوةَ في تحمُّل الأذى والتصرف حياله، واللجوءِ أولا ً وأخيرا ً إلى الله تعالى فهو مانع رسول الله وهو عاصمه..
الكذبُ: الإخبار عن الشيء بخلاف الحقيقة.
والافتراء: الكذب، واختلاق الأمور.
فالكذب والافتراء إذاً.. شيء واحد، لا يرضاه الطبع الكريم، وصفة تأباها النفوس الشريفة. وقد يقع المسلم في أخطاءٍ كثيرةٍ ويغضُّ الشرع عنها ويسامح أصحابها إنْ اجترحوها. أما الكذب فليس من صفات المؤمن وهو بعيد عنه كل البعد.
قال تعالى :( فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ )(1).
وروى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم :
".. وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذَّابا".
" متفق عليه ".
لماذا يكذب الإنسان؟ :
إن من أسباب الكذب :
1- ضعف الإيمان: فلو كان الإنسان يعلم علم اليقين أنَّ حياته وأجله ورزقه مقدر عليه، وأنَّ الله تعالى حين خلقه كتب له من ذلك ما أراد.. لم يكذب بل كان صادقاً مع نفسه أولاً، ومع الآخرين ثانياً.
2- الخوف من الأذى : وهذا له علاقة بالسبب الأول.. وقد يقع الإنسان في مأزق، أو يتصرف تصرفاً يشعر بعده أنه تورط.. وما إلى ذلك، فخاف على نفسه وضعفت نفسه، فانجرف إلى الكذب عَلَّهُ ينجو! ولا نجاة من الكذب،وقد قال الأقدمون : إن كان الكذب ينجي فالصدق أنجى.
3- النفاق: وهو صفة مَن ضعفت أخلاقه أو عَدِمَها فرأى التزلف والتملق أقرب السبل إلى الوصول إلى الهدف، فانزلق في الكذب والافتراء، وحسب أن الطمأنينة والسعادة يحوزها حين يتخلى عن صدْقِه، ويلجأ إلى الافتراء والكذب، فيغوص في أوحالها، ولم يَدْرِ أنه غاص كذلك في نار جهنم.
4- التنصل من التبعات: وهذا دأب الكافرين والمشركين الذين رأوا أن تصديق الرسل يعني الالتزام بعقيدةٍ يجب أن ينافحوا عنها، وشرعٍ يجب عليهم أن يلتزموه في حياتهم، ونمطِ من السلوك لا يقدرون عليه لضعفٍ في نفوسهم وخسارةٍ لمكاسب دنيوية يتمسكون بها ويحاربون الناس عليه.
لماذا لا يجوز على الأنبياء الكذب؟ :
ا- لأن الله تعالى فضَّلهم على عباده واختارهم منهم، فهم النخبة من خلقه أنشأهم على عينه (ولتصنع على عيني) ..( وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ) (1).
عصمهم الله عن الخطأ، وحَبَاهم العلم والمعرفة..
بل إنَّ الله فضَّل بعضهم على بعض: ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ )(2).
( وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً) (3).
2- لأن الأنبياء أصحاب رسالات والرسول مؤتمن.. ولا يكون أميناً إلَّا إذا كان مثال الإنسان الكامل في صفاته، يستطيع أداء الرسالة المكلف بها أداءً صحيحاً.. وكلمة واحدة تزرع الشك في نفوس أتباعه فضلاً عن الآخرين والأعداء المتربصين له، الذين يحصون عليه حركاته وسكناته، ويكيدون له، ويمكرون به.
3- لأنهم قدوة، ولا يكون الإنسان قدوة لغيره إلَّا إذا ملأ عينه، وفرض بتصرفاته وأعماله احترامه له، ولا بد أن تكون شخصية القدوة متكاملة في كل جانب من جوانب الحياة، سامقة كقمم الجبال، ترنو إليها العيون، وتتطلع إليها العقول، وتجِبُ لها القلوب، فتقلدها في أفعالها وأقوالها وإشارتها ولذلك كان الأنبياء الأسوة الحسنة لمن دعوهم، وقد مدح رب العزة رسوله الكريم فقال : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (1).
وزكَّى نفسه وسمعه وبصره ولسانه وقلبه وعقله وجعله الرجل الكامل.. لماذا؟!!
( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (1).
والمتتبع لآيات القرآن الكريم يجد أنه ما من نبي الَّا كذَّبه قومُه :
( كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ) (2).
( كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ) (3).
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ ) (4).
(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ) (5) .
( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ) (6) .
وقد ذكر القرآن تكذيب الأقوام رسلهم جملة واحدة.
( إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب) (7) .
( وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) (8).
إذاً فما من نبي جاء قومه إلَّا كذبوه.. وكأنهم تواصوا بذلك، ومردوا عليه ( فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) (1) .
ولم يكن الرسول عليه الصلاة والسلام بِدعاً من الرسل فكذبه قومه وآذوه (وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) (2)
ولم يألُ القرآن الكريم أنْ ردّ على افتراءات الكفار وتكذيبهم، بل عضّد موقف النبي صلى الله عليه وسلم، ودافع عنه ووصفه بالصدق، وردَّ على افتراءات الكفار (3).
( وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ) (4).
بل هاجم القرآنُ المفترين المكذبين، وتحداهم أن يأتوا بمثله ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ) (5) .
ولن يستطيعوا لأنه كتاب الله العزيز العليم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
بعض أسباب التكذيب والافتراء :
لو استعرضنا آيات القرآن الكريم، باحثين عن الأسباب التي دعت الناس إلى تكذيب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لوقفنا على كثير منها.. ولسنا هنا في صدد إحصائها، إنما نحب أن نلقي ضوءا على أهمها.
ا- الشرك.. فهو الطامَّةُ الكبرى التي تؤدي بصاحبها إلى جهنم وساءت مصيراً، وقبل ذلك إلى غضبِ الله تعالى، فحياة الشرك، والرغبة في البقاء في حمأتها ووحلها تجعل المشرك يكذب الرسول صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله صلوات الله عليهم ( وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيما )ً (1).
2- المكابرة: تؤدي بصاحبها في مستنقع الضلال وحفرة الإشراك والكفر ألم يقل الحكماء " العناد يورث الكفر" والمكابرة تشحن صاحبها أنْ يجد ثغرة للتفلت، وتعميه عن رؤية الحق، وتسول له العناد والتحدي، ورجلٌ هذه صفاته وهذه طريقته في الحياة لا يرى ضياء الإيمان ولا يريد أن يراه فيكذّبُ صاحبه ويتقول عليه الأقاويل :
) بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ) (1).
( وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً) (2) .
كما أن الجحود- كما مرَّ معنا- يؤدي إلى التكذيب : ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ) (3).
3- ضعف الأيمان وعدمه: ومن أين لفاقد الشيء أن يشعر بلذته، إن الإيمان إذا لامس شَغاف القلب حرك مشاعره، وأوْقدَ حبه لله ورسوله فصدَّق كتابه وحفظه علماً وعملاً وطبّقه فكان قرآناً يمشي على الأرض، أما فراغ القلب من الإيمان والعقل من التفكر فيورث التكذيب والافتراء: ( إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) (4) .
بعض نتائج الافتراء والتكذيب :
إن نتائجها متعددة، وإحصاؤها يستدعي الكثير من الانتباه والتفكر, وإليك أخي المؤمنَ بعضَها، نسأل الله تعالى أن يكتب لنا الإيمان، ويزينه في قلوبنا، ويكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وأن يجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم لقائه سبحانه:
1- السقوط في غضب الله ولعنته أبد الآبدين :
( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (1).
2- العذاب الشديد: والسؤال الاستنكاري :
( وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ(2) بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى) (3) .
فما أشدَّ هذا العذاب الذي توعده الله الكافرين وما أعظم تدميره الذي لا يُبقي ولا يذر، سببه تكذيب المرسلين والافتراء على الله سبحانه.
( تَاللّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ ) (1).
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه من نوقش الحساب فقد هلك يقول الله تعالى: يا عبدي أرسلت إليك محمداً صلى الله عليه وسلم فلم تؤمن، بل كذّبته ورميته بالافتراء وقلت ما أنزل الله من شيء..خلقت لك العقل تفكر به، فعشت كالأنعام لا تستعمل عقلك إلَّا بما يرضي شهواتك.. وضّحتُ لك الطريق إليَّ، وزرعته بعلامات الأمان، ولوحات التوجيه، لتصل إلى مرضاتي سالماً، وأنرتُه بالشريعة السمحاء تساعدك على الرؤية الواضحة فلا تصطدم بمعوقات الشهوات، وذلَّلْت لك الطريق ومهّدته تمهيداً، فأزلت الجنادل وصغار المثبطات.. فأعرضتَ عن هذا كله، وركبت رأسك، واتبعت سفاسف الأمر فليس لك عندي جزاء سوى النار.. نعوذ بالله من غضبه وسخطه.
3- الكذب على النفس أولاً وخسارة الأنفس :
إن الإنسان حين يكذب يسعى إلى مصلحة نفسه - كما يظن- ويعمل لنفعها فيسلك سبيل الكذب والتكذيب ويسمح لنفسه أن يفتري على الله والناس،
وأول من يكذب عليهم الكذابُ نفسه، فيُضلها ويُرديها في شر أعماله: ( انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ) (1) فهو في البداية يعرف نفسه كذاباً، ويعمل لطمس الحقيقة، وعلى مرّ الأيام لا يرى الحقيقة التي طمسها، إنما يرى كذبه نَمَا وطغى حتى ما عاد يرى غيره، فيضِلُّ معتقداً أنه على الحق.. وبذلك يخسر نفسه : ( قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ) (2) ومن خسر نفسه فلن يرى خسارة أشد منها، ولا يفلح أبدا (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ) (3). وكيف يفلح من يكذب على الله، ويكذّب رسوله؟!! ( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ )(4).
4- التبكيت والتوبيخ :
يحاسب المكذب الكافر يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، من غير ستر يحجبه عن عيون العباد.. فلا حرمة في الآخرة لمن لم يَرْعَ حرمة الله، ولا كرامة لمن جرح كرامة الرسل والأنبياء، وكذبهم، وشهَّر بهم.. فالعقاب يوم القيامة من جنس العمل.
( وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (1) فتنظر إليهم الخلائق لاعنة لهم، متبرئة منهم، ويوبِّخه الله تعالى، والجميع يسمعون، قبل طرحه في النار قائلاً ( بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ) (2) .
ويشتدُّ القرآن في توبيخهم حتى لا يجد الكافر أمامه إلاَّ العذاب والنار الحارقة، فأين المفر من عذاب الله؟! وأين الأمل في الإفلات والنجاة؟! ولعلك تشعر بموقفهم المَهين في هذا التصوير البديع (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) (3) وهل يعقل أن يتسع خرم الإبرة لحجم الجمل الضخم؟!! نسأل الله حسن الخاتمة.
بعض طرائف عذاب المكذبين والمفترين في الدنيا :
لئن كان مثوى الكافرين يوم القيامة النار، خالدين فيها أبداً، فإن الله تعالى عجّل لهم العقوبة في الدنيا ليذوقوا العذاب مرتين فيشعروا بطعم مرارة الكفر في آخر عهدهم من الدنيا، وفي الآخرة..
1- فهؤلاء قوم نوح عليهم السلام، حين كفروا أرسل الله تعالى عليهم الطوفان فأغرقهم، فأدخلهم النار (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَاراً) (1) والعطف بالفاء يدل على الترتيب والتعقيب. فما أن أغرقهم الله حتى أدخلهم النار، فخرجوا من عذاب إلى عذاب.
وهذا فرعون وجيشه، خرج يتبع موسى عليه السلام وقومه ليمنعهم من الفرار بدينهم، وليقتلهم، فابتلعه اليمّ، ثم نجاه الله ببدنه ليكون عبرة للأجيال إلى يومنا هذا.
فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ) (2) .
2- وحين كذبت عادٌ نبيَّها هوداً عليه السلام ، أهلكها بالريح الشديدة الصرصر، أرسلها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً، فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية، فلم يبق منهم أحد- في سورة الحاقة- وقد وصف الله تعالى هذا اليوم بأنه ( إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ (19) تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) (1) .
3- وحين كذبت ثمود نبيها صالحاً عليه السلام، أهلكها الله بالطاغية، وهي الصيحة المجاوزة للحد في الشدة، ( فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) (2) ، ( إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) (3) ، الله أكبر صيحة واحدة تجعلهم كالعشب اليابس المتفتت من شجر الحظيرة؟!! إنها قوة الله!! وجبروت الله!! وانتقام الله!!
4- أما النبي لوط عليه السلام فإن قومه كانوا مكذبين ضالين يأتون في ناديهم المنكر، ويتّبعون غير سنة الله في الحياة.. شاذين يأتي الرجالُ الرجالَ.. فكان عقابهم الأول أنْ أرسل الله عليهم حاصباً، وهي ريح ترميهم بالحصباء، ثم أمر الملك فقلب المدينة بهم رأساً على عقب ( فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا )(1). وطرائق العذاب في الدنيا كثيرة في هؤلاء الذين كذبوا على الله، وكذّبوا أنبياءه، منها أن ينصر الله المسلمين عليهم، فيعذبهم بأيدي المسلمين، ويتملكهم الخزي في القتل وذلة الأسر والتبعية، ( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) (2) .
والعدو لا تنكسر شرته، ولا تخضد شوكته، إلَّا بجهاده والاستنفار لقتاله، والتجهز لمحاربته.. ولئن وصف النصارى واليهودُ المسلمين بالإرهاب، لهذه الصفةُ من مناقب الشانئين وسماتهم، ولا يضير المسلمينَ ما يدعيه الأعداء إذ يمدحهم الله عز وجل ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (3) فإرهاب العدو فرض، فرضه الله على المسلمين.
وقد أمرنا الله أن نثخن في الأرض، فهي اللغة التي يفهمها أعداؤنا ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ) (1) بل إن الرسول الكريم يَسُنُّ لنا شريعة نعامل بها أعداءنا الذين يمكرون بنا دائماً، فقد كان من وصيته صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد حين ولاه قيادة الجيش إلى بلاد الشام، أن ينزل على أعداء الله في عِماية الصبح، وأن يمعن فيهم قتلاً ، وأن يحرقهم بالنار (يحرق بيوتهم)، ومن وصية الصديق رضي الله عنه لأسامة حين شيعه، أن يخفق المقاتلين بالسيف خفقاً، وقد طلب رضي الله عنه إلى أحد قادته في قتال المرتدين أن لا يُبقي على أحد منهم قدِرَ عليه، وأن يحرقهم بالنيران، ويقتلهم كلَّ قِتله.. إن أعداءنا - إن ظهروا علينا- لا يرقبوا في مؤمن إلاً ولا ذمة ( إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) (2).
(1) سورة محمد: الآية 21.
(1) سورة الأنعام: الآية 86 .
(2) سورة البقرة: الآية 253.
(3) سورة الإسراء: الآية 55.
(1) سورة القلم: الآية 4.
(1) سورية الاحزاب : الآية 21.
(2) سورة الشعراء : الآية 105
(3) سورة الشعراء: الآية 123.
(4) سورة الشعراء: الآية 141.
(5) سورة الشعراء: الآية 160.
(6) سورة ق: الآية 12.
(7) سورة ص: الآية 14.
(8) سورة ق: الآية 14.
(1) سورة الذاريات : الاية 60 .
(2) سورة فاطر: الآية 25.
(3) سورة يونس: الآية 37.
(4) سورة يوسف: الآية 111.
(5) سورة هود: الآية 13.
(1) سورة النساء : الاية 48.
(1) سورة الزمر: الآية 59.
(2) سورة نوح: الآية 7.
(3) سورة الأنعام: الآية 33.
(4) سورة النحل: الآية 105.
(1) سورة هود : الآية 18.
(2) يسحتكم : يستأصلكم
(3) سورة طه : الآية 61.
(1) سورة النحل: الآية 56.
(1) سورة الأنعام: الآية 24.
(2) سورة الأعراف: الآية 53.
(3) سورة النحل: الآية 116.
(4) سورة الأنعام: الآية 31.
(1) سورة هود: الآية 18.
(2) سورة الزمر: الآيتان 59، 65.
(3) سورة الأعراف: الآية 40.
(1) سورة نوح: الآية 25.
(2) سورة الأعراف: الآية 136.
(1) سورة القمر: الآيات 19- 21.
(2) سورة الحاقة: الآية 5.
(3) سورة القمر: الآية 31.
(1) سورة الحجر: الآية 74.
(2) سورة التوبة : الآيتان 14- 15.
(3) سورة الأنفال : الآية 60.
(1) سورة الأنفال : الاية 67.
(2) سورة الممتحنة : الآية 2.
وسوم: العدد 627