الثورة السورية في رمضانها الرابع
د. عامر البوسلامة
ها هو رمضان الرابع للثورة يدق أبوابه، معلناً بقاء الثورة، وصمود الثوار، وتحقيق كثير من الانتصارات، والبطولات، والمواقف المشرفات، التي تكتب بماء الذهب، وتسطر بصحائف من نور، ثورة شعب انتفض يريد الحرية والعدل والكرامة، ويبحث عن حقوقه التي ضاعت بفعل نظام الجريمة، الذي تسلط على رقاب هذا الشعب، عدة عقود.
يأتي رمضان آخر، ليعلمنا - وهو مدرسة عظيمة - أنه لابد من الصبر، واحتمال الشدائد الجسام، التي تنزل على أبناء شعبنا، بكل ثقلها، وبألوانها كافة، صبراً على تدمير البيوت والتشريد، صبراً على الدماء التي تسيل، وعلى فقد الأحبة، صبراً على البراميل التي تسقط على الآمنين، فتحرق الأخضر واليابس، صبراً على الكيماوي، وغاز السارين، صبراً على الخذلان الدولي، والتآمر العالمي، على هذا الشعب المسكين، صبراً على الخوف ونقص الأموال والأنفس والثمرات، صبراً على بلد تحرق من طرفها إلى طرفها، صبراً على جفاء القريب، وتجهم البعيد، صبراً على ضعف الإمداد، وقلة العتاد.
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {156}) (البقرة).
وفي النهاية، لا يصح إلا الصحيح، والعاقبة للمتقين.
(قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ {128}) (الأعراف).
وشهر رمضان، شهر الجد والعمل والجهاد والاجتهاد، وليس شهر الكسل والنوم والغفلة، والطعام والشراب، ففي رمضان كانت غزوة بدر، وكان فتح مكة، وحطين، وعين جالوت، والقائمة تطول في ذكر الفتوحات، وبيان الإنجازات، التي حصلت في هذا الشهر الكريم، في تاريخ هذه الأمة الميمونة.
ومن لوازم هذا، الثبات والتضحية، وهاهو شعبنا السوري، يضرب أروع الأمثلة في الثبات، فلا يقيل ولا يستقيل، ويمضي في طريقه، دون التفات، فمتلفت لا يصل، فيصبر ويصابر ويرابط.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {200}) (آل عمران).
فلا يأس – رغم كل ما يحيط بالحدث من مقعدات – ولا إحباط، ولا تقهقر، ولا تراجع، وهم يرددون: الموت ولا المذلة.
(وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {139}) (آل عمران).
ورمضان مدرسة تربوية، نتعلم منها، التعاون، والتآلف، ووحدة الكلمة، ولم الشمل، في هذا الخير كله، وهو من سبل الفلاح، أما الفرقة فشر، ولا تنتج سوى الفشل (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).
هذا الشعب الصابر، يحتاج عون إخوانه وإسنادهم، فهم البعد الصالح لهم، فلا تنسوا إخوانكم من صالح دعائكم، فدعاء الصائم مستجاب، وله دعوة لا ترد.
لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «...وَإِنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً»(١٣- أخرجه أحمد: (7658)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح الجامع: (2165))، وقد جاء في أثناء ذكر آيات الصيام ترغيب الصائم بكثرة الدعاء في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾[البقرة]
وأفتى العلماء، بدفع الزكاة، للشعب السوري، وفي المال حق سوى الزكاة، وفضل الإنفاق فضل عظيم، خصوصاً في هذا الشهر الذي يضاعف الله فيه الحسنات.
ولا تنسوا مشاريع إفطار الصائم، التي تتبناها بعض الجمعيات والمؤسسات، ففي هذا أجر عظيم، وثواب كبير.
قوله صلى الله عليه وآله وسلم «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا»(٤٩- أخرجه الترمذي: (3/171) . وابن ماجه: (1/555)، من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه وصححه الألباني في صحيح الترمذي: (807) وصحيح ابن ماجه: (746().
وفي هذا الشهر الكريم، الذي تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النيران، لا تنسوا إخوانكم السوريين، في قضيتهم الكبرى، حتى إسقاط هذا النظام المجرم، فنقوم بالأنشطة الإعلامية المكافئة، ونشرح القضية للناس، ونبين الجريمة التي ترتكب بحق هذا الشعب، ونجمع التبرعات، التي تعمل على تحقيق المشروعات الكثيرة، التي يحتاجها هذا الشعب، في إنجاز المهمة التي ندب نفسه لها.
أما إخواننا السوريون، في الداخل والخارج، في المخيمات وفي البيوت، في الفنادق والخنادق، بما يأتي:
1- هذا شهر مبارك، فرض الله صيامه، وندب قيامه، فصوموا نهاره، واتقوا الله، وقموا ليله، واسألوا الله الفرج والنصر المبين.
2- تآلفوا فيما بينكم، وترفعوا عن السفاسف، وتسامحوا واعفوا واصفحوا، فرمضان يعلمنا التسامح، وصفاء النفس.
3- تعاونوا وتآثروا، ورحم الله امرأ رفع اللقمة من فمه، ووضعها بفم أخيه؛ (ويؤثرون على أنفسهم).
4- اضربوا أروع الأمثلة في الخلق الحسن، فإن به يبلغ المرء مراتب الربانيين الصادقين.
5- لا تنسوا ذكر الله، وقراءة القرآن، وحضور مجالس العلماء
6- لا تضيع وقتك بالقيل والقال، والأشياء غير النافعة، فالوقت هو الحياة، فاغتنمه في الخير.
7- اصبر على ضعف أخيك وجارك، ولا تقابل السيئة بمثلها، بل كن صاحب معروف؛ "فإن سابك أحد أو شاتمك، فقل: إني صائم".
8- وفي الختام، علينا أن نحيي كل أشكال التكافل الاجتماعي، فنتفقد الأرامل والأيتام، ونعود المرضى، ونزور الجرحى، ونواسي المعوقين، ونتلمس أحوال المنكوبين، والذين تحسبهم أغنياء من التعفف، ونحقق فينا "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه"، و"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد". ونحمد الله دوماً، فلا تأفف، ولا ضجر.
(ولينصرن الله من ينصره).